رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

القطاع الـخاص و«الشراكة الرابحة»

29-5-2025 | 19:07
طباعة

الكرة الآن فى ملعب المستثمرين المصريين والأجانب على السواء، لأن القيادة السياسية لديها إرادة واضحة، وعزيمة قوية، على تمكين القطاع الخاص فى كل المجالات ليكون شريكًا فى ملحمة بناء الوطن. وخطى الدولة تسير على أرض صلبة فى هذا الاتجاه، وعن قناعة تامة، من أجل تحقيق نهضة فى كل جنبات الاقتصاد المصرى. وبلا مبالغة، من الصعب حصر التحركات الجادة من الحكومة تنفيذًا للتوجيهات الرئاسية، على طريق تشجيع رجال المال والأعمال للدخول باطمئنان فى غمار معركة التنمية بطول وعرض البلاد، وخصوصًا منذ عام 2022، فقد توالت السياسات الجريئة، والقرارات الشجاعة لصالح القطاع الخاص، من وثيقة ملكية الدولة إلى القوانين اللازمة لتهيئة أجواء الاستثمار، وحل مشكلات المستثمرين، والتوسع فى الرخصة الذهبية لتوفير الوقت والجهد، فضلا عن التسهيلات الضريبية غير المسبوقة بشهادة كل الممولين أنفسهم، وما زال فى جعبة الدولة الكثير من المحفزات للجادين فى الإنتاج بالقطاعات كافة.

يتوقف الكثيرون دائمًا مع تجديد الرئيس السيسى دعوته للقطاع الخاص بالمشاركة فى المشروعات القومية العملاقة فى كل مناسبة أو حدث خلال حضور جمع وفير من رجال الأعمال بمختلف المجالات، إلى جانب المشاهدين والمتابعين منهم عبر صفحات الصحف وشاشات القنوات وصولا إلى مواقع التواصل الاجتماعى، بل إن الرئيس لا يكلّ عن توضيح الصورة الكاملة لكل الأطراف، ولا يملّ من شرح دور كل طرف على حدة، سواء الوزارات والجهات المعنية، أو المستثمر، أو الشباب الباحثون عن العمل، وهذا ينبع من الحرص الرئاسى على زيادة الإنتاج الوطنى للوفاء بالاحتياجات المحلية أولا مما يقلل من الحاجة إلى العملة الصعبة، ثم رفع معدلات التصدير لتنويع سلة العملات الأجنبية وتقوية الجنيه المصرى، وهذان الأمران هما الأساس المتين لاقتصاد وطنى قوى فى مواجهة التحديات الداخلية، وفى نفس الوقت قادر على امتصاص الصدمات القادمة من الخارج، كما حدث أثناء جائحة «كورونا»، ثم الحرب الروسية – الأوكرانية، ثم الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة، وتوابعها الصعبة.

ومن الإنصاف الاعتراف بأن الرئيس السيسى له الحق فى لفت أنظار المستثمرين إلى الواجب المفروض فى الإقبال بقوة على ضخّ استثماراتهم فى شرايين الاقتصاد الوطنى خصوصا المصريين، لأن الدولة تحمّلت العبء الأكبر فى تجهيز البنية التحتية على مدى 10 سنوات، تعدت فيها فاتورة النفقات 10 تريليونات جنيه فى شبكات الطرق والكهرباء والرى وغيرها، ولا يبقى إلا تحلّى المستثمرين، فرادى وجماعات، بالجدية والروح الوطنية، مع القدرة على اتخاذ القرار، كلٌّ فى مجاله، بلا تردد أو تأجيل، فخريطة المشروعات محددة المعالم، معروفة التفاصيل، موزعة فى كل المحافظات من قطاع الزراعة إلى الصناعة، وحتى الطاقة وتكنولوجيا المعلومات، بل إن هناك دراسات متكاملة لدى الحكومة عن المنتجات التى فيها نقص محلى، وتتكبد الموازنة العامة فى استيرادها مليارات من الدولارات، وبالتالى النجاح فيها مضمون لأى منتج يسارع الخطى على طريق تصنيعها، لكن الغريب أن الكثير من أباطرة القطاع الخاص لا يراوحون مكانهم، ويفكرون ثم لا ينفذون، ولا نسمع لهم صوتًا إلا عند الشكوى من تواجد مؤسسات الدولة التى اضطُرت إلى ملء الفراغ؛ منعًا لاتساع الفجوة، وخروجها عن السيطرة، إلى جانب التصدى لمخططات المحتكرين وتجار الأزمات.

ولدىَّ قناعة أن هذه الفترة فى عُمر الوطن تحتاج إلى نوعية من رجال الأعمال الوطنيين الذين يفهمون جيدا أن لكل مقام مقالًا، ولكل مرحلة رجالًا، طالما أننا فى مرحلة بناء وطن قوى على كل المستويات، ورفع قواعد جمهورية جديدة فى كل المجالات. لا يصح أن يظل تفكير معظم أصحاب المال والأعمال مُنصبًّا على استثمار أموالهم وزيادة ثرواتهم فى مجالات بعينها، وتحديدا مجالا التجارة والعقارات، بعيدًا عن فلسفة التنمية التى تستهدف زيادة الناتج القومى من بوابة الإنتاج الحقيقى المتمثل فى قطاعات الزراعة والصناعة والبحث العلمى مهما ارتفعت التكاليف، لأن تلك الأموال، وهذه المكانة الاقتصادية لرجال الأعمال، فى الأصل من صُنع المجتمع، وبضاعته التى تُرد إليه، كما هى الحال فى غالبية الدول التى هزمت المعوقات، واستطاعت بناء اقتصاد متين، كما أننى لا أجد مبررًا لحالة التلعثم التى تسيطر على بعض المستثمرين، ومَن يتحدث منهم ينظر إلى نصف الكوب الفارغ من خلف نظارته السوداء، ويتبارى فى حديث الصباح والمساء عن ذرائع التخوف من بطء الإجراءات، ومشكلة الروتين الحكومى، والتعقيدات الإدارية والصعوبات الفنية، رغم أن الضمانة الرئاسية فرصة ذهبية عليهم حُسن استغلالها؛ فالرئيس يتابع بصفة دورية كلّ التطورات، ويستمع بشكل مستمر إلى الشكاوى، ويكلف بدراستها وحلّها فى أسرع وقت، ولا يتحرج الرئيس عن فتح أى ملف يخصّ منظومة الإنتاج على الهواء مباشرة، وليس فى الاجتماعات اليومية فقط، مما يعنى أن القطاع الخاص يستطيع خلال تلك المرحلة تحقيق شراكة رابحة مع الحكومة فى العديد من المشروعات.

وها هو الرئيس يكرر الدعوة للقطاع الخاص خلال فعاليات موسم حصاد القمح 2025 بمنطقة الضبعة فى جمع من المسئولين ورجال الأعمال فى الزراعة والصناعة وغيرهما، وضرب الرئيس عدة أمثلة عن ضرورة التكامل بين عمل مؤسسات الدولة بالمشاركة مع القطاع الخاص فى مجال البنية الأساسية الخاصة بالزراعة، من وزارات الزراعة والرى والكهرباء والنقل، ثم المستثمرين، لتوفير التمويل اللازم لعملية التنفيذ، لأن إضافة أراضٍ زراعية جديدة على غرار مشروع «مستقبل مصر»، الذى يستهدف استصلاح 4.5 مليون فدان فى الدلتا والمنيا وبنى سويف والفيوم والدخيلة والعوينات، تحتاج إلى جهود الدولة والمستثمرين معا لإنجاح هذه المشروعات القومية، ولا بدّ من وجود إرادة حقيقية لدى أى مستثمر، طالما أن الدولة قطعت شوطًا كبيرًا فى إقامة البنية الأساسية التى تخدم عملية الزراعة من طرق وشبكة كهرباء، علما أنه فى حالة إدخال 800 ألف فدان لو ضاعت سنة نتيجة أى شيء، سواء لعدم التنسيق، أو غياب العزيمة، أو نقص التمويل، يؤدى فى نهاية المطاف إلى خسارة موسم زراعى بمتوسط دخل 50 ألف جنيه للفدان مما يعنى فقدان 30 مليار جنيه سنويا، فضلا عن فرص العمل بمعدل 800 ألف فرصة بمتوسط دخل 7 آلاف جنيه للفرد، بالإضافة إلى أن كل فدان يتكلف قرابة 300 ألف جنيه بنية أساسية ليصبح قابلًا للزراعة من أرض صحراوية لأراضٍ إنتاجية. وبالورقة والقلم، «المستثمرين كسبانين»، لأن الأرض متاحة لهم مجهزة من الطرق إلى الكهرباء وشبكات الرى، وكل المطلوب من القطاع الخاص الخدمة الزراعية لكى يتدفق الإنتاج.

بل إن الرئيس لم يكتفِ بالحديث عن منظومة الزراعة، ووجّه رسالة حاسمة لأهل الصناعة، عندما قال نصًا: «بقول للمستثمرين ورجال الصناعة واتحاد الغرف الصناعية، إذا كنتم عاوزين تنقلوا بلدكم من وضع لوضع أحسن مش هيبقى سهل.. هتبحث وتجرى وتصر على موقفك.. عاوزين نستفيد كرجال صناعة وزراعة وحكومة علشان مصر وعلشان نغير الواقع اللى إحنا فيه»، ناهيك عن أن الرئيس السيسى فى كل لقاء مع المسئولين من جميع الدول أو وفود المستثمرين ورؤساء الشركات الدولية -يؤكد أن مصر نجحت فى توفير بنية أساسية جاهزة ومتقدمة لاستقبال الاستثمارات، مع إجراء إصلاحات تشريعية لدعم جهود جذب الاستثمارات الأجنبية، وعلى رأسها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ولا مانع من تقديم 
أية تسهيلات لعمل الشركات والمستثمرين، 
سواء المصريون أو الأجانب، وليس أدلّ على ذلك من تشكيل المجلس الأعلى للاستثمار فى 2023 برئاسة الرئيس السيسى، ويضم مختلف الوزارات والجهات المختصة مع كبار مسئولى هيئة الاستثمار والمناطق الحرة، واتحاد الصناعات المصرية، واتحاد جمعيات ومؤسسات المستثمرين، لأن تعزيز دور القطاع الخاص فى دفع عجلة التنمية الاقتصادية فى مصر قناعة راسخة.

وعلى نفس النهج الرئاسى الداعم لتمكين القطاع الخاص تسير الحكومة بكامل وزاراتها، وجميع جهاتها، وبعيدا عن التحليل الشامل أو التوضيح الوافى يمكن الإيجاز بنظرة سريعة على وثيقة ملكية الدولة بحكم أنها ترجمت بخطوات محددة، وقرارات صارمة، الأولوية الرئاسية فى جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية؛ سعيا للوصول إلى مستهدفات التنمية، وتوطين التصنيع المحلى، والاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة بالقطاعات كافة. ووفقًا لهذه الوثيقة سترتفع الشراكة مع القطاع الخاص من نحو 30 فى المائة إلى 65 فى المائة خلال 3 سنوات من الاستثمارات العامة، وتتخارج الحكومة من 79 قطاعًا مع تراجع استثماراتها فى 45 قطاعًا لإفساح المجال للقطاع الخاص، وجذب استثمارات تُقدر بنحو 40 مليار دولار فى 4 سنوات. وحسب تأكيدات حكومية، فإن معدل مشاركة القطاع الخاص فى المشروعات ارتفع إلى قرابة 60 فى المائة خلال الأشهر الأخيرة، كما أن هناك ترحيبًا من الخبراء بوضع سقف للاستثمارات العامة الكلية للدولة لا يتجاوز تريليون جنيه لصالح المستثمرين، فضلا عن العديد من المحفزات الأخرى ومنها زيادة «الرخص الذهبية»، وطرح مبادرات تمويلية بفائدة مخفضة وميسّرة، وتقديم تيسيرات ضريبية وجمركية، وبرنامج جديد لدعم الصادرات، وتوفير الأراضى الصناعية، وعدم غلق أى منشأة صناعية إلا بقرار من نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية، وحلّ مشكلات المصانع المتعثرة، وتحرير سعر الصرف، ومواصلة برنامج الطروحات الحكومية استجابة لاشتراطات وثيقة الدولة.

وتأكيدًا على هذا المسار المتبع فى تمكين القطاع الخاص، تتابعت لقاءات د. مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، بالمستثمرين ورجال المال والأعمال، والاستماع إلى مشكلاتهم ودراسة سيناريوهات حلها فى أسرع وقت ممكن، مع طرح وجهة نظرهم فى سبل مواجهة الأزمة الاقتصادية، وعلاج مشكلة العملة الصعبة، وهو ما شاهدناه بالصوت والصورة عدة مرات فى الفترة الماضية، وبالفعل اتخذت الحكومة عدة قرارات تنفيذا لتلك المناقشات، ومنها تشكيل لجان استشارية متخصصة لتعزيز التواصل بين الحكومة والخبراء فى مجالات القطاع الخاص المختلفة، والاستمرار فى فتح قنوات دائمة لتبادل الرؤى والمقترحات لدعم عملية صناعة السياسات الاقتصادية التى تواكب التطورات العالمية، والمتغيرات الإقليمية والدولية، على أن يُعقد اجتماع شهرى على الأقل لكل لجنة استشارية برئاسة رئيس الوزراء، وبحضور الوزراء، ورؤساء الجهات المختصين، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، لطرح التحديات كافة التى تواجه القطاع المعنية به تلك اللجنة، واقتراح السياسات والحلول التى يمكن تبنيها.

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها

ومؤسساتها الوطنية من كل سوء

 

الاكثر قراءة