الأربعاء 26 يونيو 2024

حكايتى مع أحبائى وأخوتى المسيحيين «هو رئيس التحرير ده مسيحى»

7-6-2017 | 13:54

بقلم: غالى محمد

منذ الطفولة، وأنا فى قريتى تطاى - مركز السنطة - محافظة الغربية، ولى حكايات مع الإخوة المسيحيين، تعمدت أن أستعيدها الآن وأحكيها لأسباب سوف تتضح فى نهاية هذا المقال.

عندما كان عمرى قبل العشر سنوات، كنا مع بعض أطفال قريتى نذهب سيرا على الأقدام للتفسح فى مركز السنطة الذى نتبعه. وكان لابد أن نمر على قرية كفر سليمان عوض، التى تقع فى منتصف الطريق بين قريتى والمركز، وكفر سليمان عوض قرية مسيحية بالأساس، يعيش بها بعض المسلمين وقتها - فترة الستينيات - وكنا نرى من على الطريق الزراعى حيث لم يكن مرصوفا، كنيسة القرية. وبالقرب من الطريق كنا نرى مقابر القرية المسيحية، وبعض القساوسة بها. وعندما نقترب من القرية، كنا كأطفال نصيح فى صوت واحد، أجرى بسرعة وإلا القسيس سوف يذبحك، وكان المشهد يتكرر دائما، قبل أن انتقل للإقامة فى الجيزة مع بداية السبعينيات.

ومن وقتها تكونت لدى عقدة الخوف من المسيحيين، والخوف من الكنيسة التى كنت أراها فى طفولتى عندما كنت أمر على قرية كفر سليمان عوض، وأقول خوفا وليس كراهية، لأنى فى هذه السن لم أتعامل مع أى مسيحى، كما أننى لم أعرف معنى الكراهية لأى أحد وحتى الآن.

وأشير وأنا أكتب هذه السطور، وكأنما أرى الآن القسيس فى مقابر القرية المسيحية، لكن الكنيسة والمقابر اختفت الآن وراء زحف المبانى، كما أن بالقرية أصبح هناك مسجد يعانق الكنيسة.

وفى الجيزة التحقت بمدرسة أبو الهول الإعدادية، وكان أقرب شخص إلىّ يجلس بجوارى، تلميذا مسيحيا أتذكر اسمه «نادر نصحى» واندمجت معه، وبعض التلاميذ المسيحيين وكان فى ذهنى الخوف الذى تكون لدىّ عندما كنت أمر على قرية كفر سليمان عوض.

وهنا أتذكر، مع هذا الخوف، كان مدرس الدين الإسلامى وقتها يلقننا معلومات خارجية عما يحدث فى الأديرة المسيحية بهدف زرع الكره ضد المسيحيين وعن حكايات القساوسة الذين يسلمون فى الخفاء، المهم كانت الثقافة التى تربيت عليها هى الخوف من المسيحيين والعمل على كراهيتهم.

وانتقلت بعدها إلى المدرسة السعيدية الثانوية، وتوثقت علاقاتى أكثر وأكثر بكثيرين من الطلاب المسيحيين، لكن الخوف والحذر يكمن بداخلى بشدة تجاه أى مسيحى حيث نشأت على ذلك، ولم أجد ما يصحح لى ذلك طوال تلك السنوات.

واستمرت عقدة الخوف معى تجاه المسيحيين، حتى وأنا طالب فى كلية الإعلام، وكنت أبتعد عن تناول أى أطعمة من أى مسيحى أو مسيحية. وأثناء الدراسة، عزمتنى زميلة مسيحية على الإفطار فى رمضان فى منزلها ولازلت أتذكر مدى حلاوة الطعام الذى تناولته فى منزلها.

والتحقت بعد ذلك بالتدريب فى مجلة «المصور» عام ١٩٨١، ووقعت وقتها أحداث فتنة شديدة، وطلب الأستاذ مكرم محمد أحمد رئيس التحرير تحقيقًا صحفيًا عن قرية مسيحية يعيش بها مسلمون، فذهبت أنا وزميلى عبدالرحمن البدرى إلى قرية كفر سليمان عوض التى تكونت لدىّ عقدة الخوف من المسيحيين بسببها وبالتحديد رؤية مقابرها.

ذهبت إلى القرية، وكانت المبانى قد بدأت تزحف على القرية حتى اختفت وراءها المقابر والكنيسة على ما أذكر.

ودخلت كنيسة القرية وكلى خوف وقلق، وسألت نفسى كيف أدخل كنيسة القرية التى زرعت فى الخوف من المسيحيين.

وبعد نشر هذا التحقيق الذى أشرف عليه وقتها الأستاذ يوسف القعيد، اعتقدت بعض القيادات المسيحية بمجلة «المصور» أنى مسيحى خاصة أنى وقعت الموضوع باسم غالى سليمان، واحتضنونى من جانبهم على اعتبار أننى مسيحى، ولكن فجأة غيرت اسمى إلى «غالى محمد» وعرفوا أننى مسلم.

ورغم عملى فى الصحافة، لم تختف بداخلى عقدة الخوف من المسيحيين ولفترة قريبة جدا كنت أرفض أن أتناول أى طعام من جانب أى مسيحى أو مسيحية وكانت زميلتى نادية وهيب بقسم الخارجى تغضب من ذلك، وكذلك الزميلات المسلمات فى القسم الخارجى يغضبون منى، حتى تحول إلى فكاهة سواء كان لديهم بعض الطعام من زميلة مسلمة أو من الزميلة نادية وهيب.. وأثرت عقدة الخوف على نظرتى السلبية للقساوسة عندما أراهم فى أى مكان.

ومع تولى رئاستى لمجلس إدارة دار الهلال ورئاسة تحرير المصور قبل ثلاث سنوات، بذلت جهودًا كبيرا للتخلص من عقدة الخوف التى تكونت بداخلى ضد المسيحيين، وربما من قبل ذلك ودورهم المهم فى ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.

ومع تصاعد أحداث الإرهاب ضد الإخوة المسيحيين أجزم أننى تخلصت من كامل العقدة من الخوف من أحبائى وأشقائى المسيحيين فى أى مكان فى مصر، وانعكس ذلك على صفحات المصور حيث أصبح بها عدد كبير من الكتاب المسيحيين يكتبون بحرية كاملة.

تخلصت من عقدة الخوف من المسيحيين.. إلى الحب والعشق لكل مسيحى يعيش على هذه الأرض الطيبة،

أصبحت أكثر خوفا عليهم لا خوفا منهم.

أدعو لهم بالسلامة والنجاة من أى مكروب، قلبى معهم من أى قلق يهددهم من أية حادثة إرهابية قد تلحق بهم.

حتى آخر رئاستى لتحرير المصور فى عدد الأسبوع الماضى، كان الشأن القبطى هو بطل العدد الماضى على أكثر من ٧٠ صفحة، حتى إن هناك من استغرب من هذه الجرعة عن الحادث الذى تعرض له الإخوة الأقباط فى المنيا، حتى الإخوة المسيحيين تعجبوا من هذا الاهتمام من جانب المصور فى عدد الأسبوع الماضى، ونقل لى الأستاذ سليمان شفيق الذى كتب فى العدد الماضى هذا الحوار الذى جعلنى أكتب هذا المقال.

قال إنه اشترى المصور، وكان بصحبته قسيس فرأى العدد، فقام القسيس بشرائه وقال سليمان شفيق «هو رئيس تحرير المصور مسيحى علشان تهتم بنا»، وهكذا فقال له سليمان شفيق انظر إن اسمه «غالى محمد».

من هنا قررت أن أكتب هذا المقال الذى بدأ بقصة خوفى من المسيحيين إلى خوفى على المسيحيين، أردت أن أقول من خلال هذا المقال إننا تربينا على ثقافات خاطئة تجاه الإخوة المسيحيين، ولا أنكر أننى لازلت أتوقف حتى الآن عندما أذهب إلى عزاء مسيحى، هل أقول الله يرحمه أم أقول الله يقدس روحه.. أشياء تافهة لكن الثقافة الخاطئة تجعلنا نتوقف عندها.. وحتى الآن عندما أتحدث مع أى مسيحى، وكان آخرها هذا الأسبوع، عندما أدعو له أنسى وأقول اللهم استر المسلمين واحرس المسلمين لكن أتدارك ذلك وأقول اللهم احرس المسيحيين بعد لخبطة شديدة.

قبل أن أنهى هذا المقال أسجل الدور الذى كان معنا فى معالجة الشأن القبطى، الأستاذ جمال أسعد والأستاذ مدحت بشاى والأستاذ كمال زاخر والأستاذ سليمان شفيق.

وقبل كل هؤلاء الدكتور سامح فوزى الذى علمنى كيف أتعامل مع الشأن القبطى، ومن شدة احترامى وحبى له، علمنى كيف أحب كل مسيحى على الأرض المصرية وكيف أخاف على إخوتى المسيحيين المصريين الذين يشاركوننا آلام هذا الوطن ومستقبله.

وأخيرا.. ورغم تخلصى من عقدة الخوف من المسيحيين، واعترف أننى شفيت منها، إلا أن المشكلة أن زميلتى نادية وهيب توقفت عن إحضار أى طعام من منزلها، ومن ثم فإننى أصبحت لا أجد أى طعام تم إعداده فى بيت مسيحى.. ولو كان متوفرا لأكلت منه من دون خوف، لكن المشكلة فى ارتفاع الأسعار التى لحقت بالإخوة المسيحيين وجعلتهم يتقشفون مثل المسلمين تماما.. فى وطن.. أصبح الكل يتقشف فيه.

 

    الاكثر قراءة