الأربعاء 26 يونيو 2024

السلاح «الغائب» عن المعركة الأخطر

مقالات7-12-2021 | 22:03

إذا كنا بالفعل وعلى أرض الواقع ومعنا كل المؤشرات والتوقعات ندخل العام الجديد بكل ثقة وجدارة وتفاؤل وسط إنجازات وأرقام وشهادات دولية مرموقة استنادا على إنجازات غير مسبوقة على مدار ٧ سنوات، إلا أننا يجب ألا ننسى أن هناك تحديا خطيرا يواجهنا هو الزيادة السكانية العشوائية والنمو السكانى المنفلت.. وعلينا أن نتصدى برؤية وشجاعة لهذا الشبح الخطير وألا نسمح له بأن ينال من أحلامنا.. أو يضيع علينا فرصة ثمينة لاعتلاء القمة ومواصلة مشوار الزحف نحو القمة.

المؤسسات الدينية لابد أن تكون أكثر حضوراً فى المعركة لمواجهة مفاهيم ومعتقدات خاطئة ومغلوطة ترسخت على مدار العقود الماضية بفعل جماعات الظلام والضلال والتجارة بالدين لذلك عليها أن تنشط فنحن فى حاجة إلى حالة حراك لهذه المؤسسات بعيدا عن التقليدية.. وعلى نفس المستوى يأتى الخطاب الثقافى الذى يجب أن يتصدى للأفكار البالية والموروثات الخاطئة.

 

البعدان الدينى والثقافى عنصران رئيسان فى مواجهة الزيادة السكانية.. لكنهما يحتاجان إلى تنشيط وفاعلية وحضور أكثر.

 

إذا كانت مصر تدخل العام الجديد 2022 وفى جعبتها الكثير من الإنجازات والنجاحات والتوقعات التى تحمل بشائر وتفاؤلا كبيرا تستند إلى حقائق ومشروعات عملاقة تدخل حيز الخدمة خلال الشهور القادمة.. وجاء تقرير المركز الإعلامى لمجلس الوزراء والذى يسلط الضوء على توقعات صندوق النقد الدولى بأن يصبح الاقتصاد المصرى ثانى أكبر اقتصاد عربى وافريقى خلال العام الجديد 2022 وهو أمر يعد شهادة جديدة على استمرار مسيرة الإنجازات الاقتصادية فى مصر والتقرير منشور فى نفس العدد على صفحات «الجمهورية».

يقينا مصر تدخل العام الجديد وهى تحمل ثقة وجدارة وطموحا وتفاؤلا مستحقا وواقعيا نحو استكمال إنجازاتها ونجاحاتها.. ويشهد العام الجديد قائمة طويلة من الإجراءات والمشروعات العملاقة فى جميع المجالات والقطاعات وفى شتى ربوع البلاد.. يكفى ان هذا العام سيكون على موعد مع الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة والإعلان الرسمى عن الجمهورية الجديدة، ناهيك عن استكمال أو قطع خطوات مهمة وقفزات عالية بشأن العديد من المشروعات العملاقة التى ستنقل مصر إلى مرحلة جديدة من التقدم.

لكن ورغم حالة الثقة والأمل والتفاؤل والواقع المضىء الذى ننتقل به إلى العام الجديد علينا ألا ننسى ان هناك تحديا خطيرا يشكل حملا وثقلا وعبئا علينا.. بل وربما قد يهدد مسيرتنا نحو بلوغ أهداف فى التقدم والتنمية المستدامة وتغيير حياة المواطن المصرى إلى الأفضل وزيادة معدلات قوة الاقتصاد المصرى وربما أيضاً يعطل الانطلاق نحو أحلامنا فى امتلاك القدرة الشاملة والمؤثرة وزيادة فاعليتها.

فى اعتقادى ان النمو السكانى «المنفلت» ومعدلات الزيادة السكانية فى مصر، هى أخطر ما يواجهنا من تحديات.. ولقد كتبت فى مقالات سابقة عن المخاطر والسلبيات والكوارث والتأثيرات الضارة للزيادة السكانية العشوائية والمنفلتة على التنمية الشاملة والمستدامة ومستوى حياتنا وظروفنا المعيشية ومدى تقدم بلادنا.. وقدرتها على التصدى لحل العديد من المشاكل والأزمات التى تواجه المواطن وتوفير الخدمات الأفضل والاستمرار فى تحقيق الحياة الكريمة للمواطنين.

خطورة الزيادة السكانية.. أنها تستنزف قدراتنا ومواردنا.. وربما تزيد على قدرة الدولة وفى هذه الحالة يكمن الخطر.. وتتوقف إمكانية إحراز التقدم أو تحقيق ما يتطلع إليه المواطن.. لأن هناك خللا فى التوازن بين الزيادة السكانية وموارد الدولة.. أضف إلى ذلك ان هذا الخلل يؤدى إلى تقصير اضطرارى.. ونقص فادح فى بناء الإنسان المصرى على المدى المتوسط فالزيادة السكانية بطبيعة الحال تؤدى إلى سوء أو نقص فى الخدمة الصحية والتعليم وتفاقم الأزمات بدلا من القدرة على حلها والعمل على ذلك.. يحدث نوعا من التعجيز لأنها تفوق قدرات الدولة وبطبيعة الحال على مستوى الأسرة الواحدة تجد ان زيادة النسل أو الإنجاب تؤدى إلى ضعف الاهتمام المقدم للطفل صحيا وتعليميا وغذائيا ومعنويا ونفسيا.. ولذلك تؤدى إلى وجود إنسان مسخ مشوه غير مكتمل البناء البدنى والعصرى وهو ما يضعف قدرة الدولة أيضاً فأساس قوتها هو الإنسان ودرجة تأهيله وبنائه واعداده ومواكبته للعصر وسباق التقدم.

الكارثة أيضاً ان الزيادة السكانية «المفرطة» أو العشوائية تؤثر سلبا على نصيب الفرد من المياه فإذا كان نصيب الفرد الآن تقريبا 600 متر مكعب من المياه فى ظل عدد السكان يزيد على 100 مليون نسمة فما بالنا إذا وصل هذا الرقم فى 2052 إلى 192 مليون مواطن فى ظل محدودية الموارد المائية المصرية.

مخاطر كثيرة للزيادة السكانية المنفلتة وإذا لم ننتبه لهذا الخطر والتحدى فإننا سنتأثر بتداعياته.. وسوف ينعكس على حياتنا.. وأيضا يؤثر سلبا على قدرة الوطن.. وقد تتسبب تداعيات هذه الظاهرة فى إبطاء انطلاق قطار التقدم.

لكن ما الحل.. وهل نقف مكتوفى الأيدى حيال هذا التحدى الخطير.. والظاهرة والآفة التى قد تسبب اضرارا بالغة وتداعيات هائلة على مسيرتنا والنيل من مستقبلنا وتقزيم أحلامنا.. ووأد تطلعاتنا؟

قبل الاجابة عن هذا السؤال المهم لابد من الإشارة إلى الاهتمام غير المسبوق من القيادة السياسية بأهمية التصدى لهذه الظاهرة.. ولا تخلو مناسبة إلا وأشار الرئيس إلى قضية الزيادة السكانية والنمو السكانى غير المخطط أو المنفلت وآثارها على التنمية وحياة المواطن.. وبناء الإنسان المصرى.. وتوسع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى شرح أبعاد ومخاطر هذه القضية التى تشكل تحديا حقيقيا للدولة المصرية ومؤسساتها وشعبها أيضا.

أيضا الحكومة وانعكاسا لاهتمام القيادة السياسية تولى هذه القضية اهتماما كبيرا.. وستكشف الأيام القادمة عن تفاصيل ومحاور ومضمون البرنامج القومى لتنمية الأسرة والذى يهدف إلى خفض معدل الإنجاب إلى 2.4 طفل لكل سيدة بحلول 2030 وتوعية مليون شاب وشابة بمفاهيم الإنجاب الصحيحة ضمن برنامج «مودة» وتدريب 10 آلاف من القيادات الدينية على مفاهيم القضية السكانية.. وتستهدف المرحلة الأولى 1500 قرية من قرى «حياة كريمة» على مستوى20 محافظة تقع 70٪ فى صعيد مصر لكونها الأكثر إنجابا.

الدولة أطلقت مشروع «حياة كريمة» فى القرى المصرية من خلال المشروع القومى العملاق تطوير وتنمية الريف المصرى.. وتضمين واستهداف قرى حياة كريمة بالوعى السكانى.. وبالمخاطر والتداعيات لظاهرة كثرة الإنجاب هو أمر مهم وعبقرى لأنه لضمان استمرار الحياة الكريمة واستدامتها فى القرى لابد من تغيير مفاهيم الناس وأفكارهم ومعتقداتهم الخاطئة بشأن كثرة الإنجاب بما يدعم الحياة الكريمة للمواطن فى القرى وبناء إنسان على أسس صحيحة.

لكن وجهة نظرى ولا اتهم المؤسسات الدينية بالتقصير أو انها غائبة عن الحضور فى هذه القضية المصيرية خاصة ان الزيادة السكانية وكثرة الإنجاب وتحديدا فى الريف المصرى وفى القلب منه صعيد مصر ترتكز على مفاهيم ومعتقدات دينية نجحت جماعات الضلال والتطرف والمتاجرة بالدين فى ترسيخها.. ومن هنا تأتى أهمية دور المؤسسات الدينية.

الحقيقة نحن فى حاجة إلى حالة من الحراك المجتمعى نحو هذه القضية وضرورة توعية الناس بمخاطرها.. تكون فيها كل مؤسسات الدولة حاضرة وفاعلة ولها دور محدد ومستمر ومتدرج حتى الوصول إلى إشعار المواطن بالخطر وضرورة التفكير أو التوقف عن هذه الظاهرة.. وأتحدث هنا عن الإعلام والصحة والمؤسسات الدينية والتعليم فى الجامعات وحتى المدارس والمجتمع المدنى وغيرها من المؤسسات المعنية بهذه القضية لأنها تخص الجميع وترتبط بمستقبل جميع فئات الشعب.

الحقيقة اننى أرى ضرورة وجود حالة من الحراك للمؤسسات الدينية وضرورة وجود رؤية وخطاب دينى أكثر اقناعا وجذبا وبلغة بسيطة للحديث مع الناس فى كل ربوع البلاد عن هذه القضية ومخاطرها وآثارها.. ولدى المؤسسات الدينية أكثر المنابر اهتماما من الناس وزخما شعبيا.. وإقبالا واستماعا.. ولعل الاهتمام بخطبة الجمعة والتركيز على هذه القضية فى عدة خطب.. ثم الاستمرار فى التركيز عليها حتى فى الجزء الثانى من خطبة الجمعة.. مع تنوع الخطاب والمحاور التى يتم التركيز عليها فيما يتعلق بقضية النمو السكانى وخطورتها على الوطن والمواطن والحاضر والمستقبل.

أيضا.. لابد أن تنشط وسائل الإعلام وتدعم جهود المؤسسات الدينية من خلال تركيز البرامج المهمة التى تستحوذ على نسب مشاهدة عالية فى استضافة علماء الدين وهم مصدر ثقة الناس وكذلك تناول هذه القضية فى البرامج الدينية ولا أعرف إذا كانت إذاعة القرآن الكريم تعطى مساحة من الوقت بهذه القضية أم لا؟

المهم أن تكون هناك حالة حراك ونشاط دينى فى مواجهة الفكر والمفاهيم الخاطئة والمغلوطة.. وضرورة تصحيح المعتقدات السلبية التى أدت إلى تفاقم الأزمة السكانية أو الاستمرار فى زيادة معدلاتها.

أرى ان الاهتمام بالبعد الدينى فى التصدى لقضية النمو السكانى المنفلت هو أمر بالغ الأهمية وهو أساس وجوهر المواجهة والأمر الثانى يتعلق بتصحيح المعتقدات والموروثات الخاطئة من خلال علاج المفهوم الثقافى والمجتمعى هو ان كثرة العيال وإنجاب الرجال قوة وعزوة.. ونوضح للناس ان هذه مفاهيم خاطئة.. فعندنا فى الصعيد.. يقوم الفلاح أو المزارع بمهمة تسمى «تفليت الزرعة».. بمعنى تقليل اعدادها لمنحها فرصة من القوة والقدرة على النمو والاثمار الأعلى.. وعندنا مثل فى الصعيد يقول «كل ما تقل قنديلها يكبر» ويقصد به قنديل الذرة كلما قلت أعداد «العيدان».. تضخمت القناديل خاصة فى الذرة.. فكلما قل عدد الأسرة زاد مستوى الرعاية والاهتمام والانفاق على طفلين أو ثلاثة أفضل من ٥ و10 هذا مفهوم واضح نستطيع أن نعلم ونربى ونبنى طفلا أكثر صحة وقوى الذهن والبدن أفضل من طفل تلقى به فى الشارع أو يسىء اعداد وتعليمه وتهمل صحته.

أرى ان الجانب الدينى والثقافى فى معالجة القضية هما الأهم والأبرز ولابد أن نتعامل مع الأمر بجدية وليس بالرقص والزمر وحفلات الشوارع.. على الاطلاق نحتاج خطاباً جاداً يطلق صيحات الخطر وأجراس الإنذار وينشط حالة الوعى لدى المواطن.. ويحفز غدة القلق عنده يتراجع عن المفاهيم الخاطئة والموروثات البالية من خلال خطاب عقلانى مبنى على معلومات وخطاب دينى صحيح.

 

تحيا مصر