الأحد 5 مايو 2024

سينما الإنسان.. صنع في اليابان

مقالات15-2-2022 | 18:57

قضيت أيامًا أشاهد أهم أفلام السينما اليابانية، ضمن فعاليات مهرجان الأفلام اليابانية الذي أطلقته مؤسسة اليابان الثقافية عبر الإنترنت، في البداية لابد وأن أعترف بأن معلوماتنا عن سينما اليابان، هي معلومات ضئيلة للغاية وغير كافية لتكون نواة لثقافة عن بلد عريق نشر ابتكارات هائلة على كل سنتيمتر من العالم، ومع ذلك يبقى هناك تقصير واضح في وصول هذا المنتج السينمائي إلينا، في ظل سيطرة شبه تامة من هوليوود، ومن بعدها بوليوود، التي كسرت الاحتكار ونجحت في الحصول على جزء غير قليل من كعكة المشاهدة حول العالم وبخاصة العالم العربي.

أقول هذا رغم جودة المنتج الياباني ـ سينما وفيديو ـ التي كانت قاعات العرض في مهرجان القاهرة السينمائي تلقى رواجا هائلا عند عرضها، ثم تراجعت المشاهدة رويدا رويدا، إلى أن عادت بقوة في العام الماضي من خلال مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة بالفيلم الرائع "أرستقراط" أو "أولاد الذوات"، وهو فيلم شديد النعومة سوف نتعرض له بعد قليل، أما في مجال دراما الفيديو؛ فقد انبهر المصريون خلال العام 1993، بالمسلسل الدرامي الطويل "أوشين" الذي جمع بين الانبهار الشديد بقصة صمود وصعود البطلة المتمكنة بحضورها الطاغي وعيناها التي تتلون بين البكاء والصبر والفرح، البكاء على حالها وعلى ما تتعرض له من مآسٍ وفواجع، ضاربة لنا المثل والقدوة والضمير الحي، الضمير هو أحد أهم مفردات الإتقان الياباني، ولسنا من السذاجة أن نفرق بين فن وآخر بمنظور أخلاقي، ولكن نشدد أن الضمير هو في الإتقان والجدية وفي الرسالة التي يحملها العمل، كان المسلسل الاستثنائي حديث البيت المصري ثم.... خلاص!؛ أي لم يتكرر مثل هذا العرض؛ حيث وضع الغطاء مرة أخرى على الدراما اليابانية.


مفردات يابانية:
الكيمونو، المطر، الطبيعة النضرة، نظرة العيون الوجلة، جلسة الشاي، انحناءة الأدب وفنجان القهوة المر، تلك هي أهم مفردات السينما اليابانية التي يصعب أن يمر أمامك شريط فيلم دون أن تجدها.
تاريخ طويل عاشته السينما اليابانية، منذ أن بدأت تجاربها المبكرة منذ أكثر من 100 عام، أسست بعدها صناعة ضخمة تتفق مع نهضتها التقنية، تندهش أنه مع عام 2009 كانت الرابعة حسب في إنتاج الأفلام الطويلة أسيويا، الآن تنتج أكثر من 500 فيلم في العام الواحد، تحقق لها أرباح تذاكر داخل اليابان البالغ مجموعه 2.33 مليار دولار، لم نعرف منها سوى بعض الأفلام البارزة مثل" "قصة طوكيو، الساموراي السبعة، وراشومون"، رغم جودتها الإنتاجية والتقنية وعلى مستوى التمثيل الذي لا يحمل شبهة إفتعال ولا غرور أعمى!

نظرة على الأفلام:
عرض المهرجان 19 فيلما متنوعا بين الرومانسي والكوميدي والتاريخي، من أحدث إنتاجها، هذا إلى جانب أيقونة السينما اليابانية، وهو الفيلم الأشهر "راشومون"، إنتاج عام 1950، وتدور أحداثه عن واقعة حدثت منذ 1000 عام، حول استجواب مجموعة من الشهود عن جريمة قتل، إلا أن كل فرد منهم يتحدث برواية مختلفة، وما أراد الفيلم أن يقوله: أنه لا حقيقة مطلقة، الفيلم من إخراج أكيرا كورساوا، وهو شيخ المخرجين هناك، والحاصل على جائزة مهرجان البندقية، ولا حديث عن السينما اليابانية من دون الحديث عن راشومون.
رحلة سعيدة:
في إطار كوميدي جاء هذا الفيلم وأبطاله ثلاث فتيات مضيفات، مع مراعاة أن السينما اليابانية، عندما تعالج فيلما ضاحكا، فهي لا تعرف الكوميديا "الفرص"، أو الصارخة، وبالطبع فإن مزاجها عيد تماما عن "الإيفيهات" وما شابه، ولكنها تضحك ولا تسيل دمعا، هي أقرب إلى إبتسامة الكبار الهادئة!
وصفات منيو:
هو يتحدث عن طاهية محترفة، تحلم بأن تلتقي بصديقة عمرها الغائبة عنها من1 سنوات، يدمج الفيلم بين مهارة البطلة في فنون الطهي وبين قصة صداقة نادرة، وع السينما اليابانية، لا تحاول التصنيف للأفلام، ولا تختلق الأسباب لتصنف هذا الفيلم وغيره، مثل فيلم "أرستقراط"، بكونه من أفلام المرأة، فالسينما اليابانية تخلصت من هذه التصنيفات، ووضعت "الإنسانية" عنوانا عريضا لها، أما إذا بحثت عن عنوان آخر، ف "الضمير" هو العنصر الغالب على الشخصيات في كل الأفلام، وهي بهذا تصر على تصدير النموذج الإيجابي للمشاهد، مع مزيد من الطاقة الإيجابية والبهجة وروعة الطبيعة وسحرها.
خبز السعادة:
كل ما سبق ينطبق على هذا الفيلم، الذي يمنحك راحة وسعادة مابعدها متعة، فالأحداث جميعها تدور في الشمال، حيث الجبال الشاهقة والنهر، والكوخ الياباني الشهير كمحل إقامة تاريخي، الرجل افتتح مطعما، هو المسؤل عن صناعة الخبز في الفرن البدائي، أما زوجته فهي مسئولة عن تقديم القهوة للزبائن، لا يكتفيان بهذه المهام التي يتكسبان منها ويدخران القليل، بل جعلا من نفسيهما ملاذا للحزاني، يقدمان لهما المشورة، ويستضيفانهم عند هطول المطر، ويسعيان لحل مشكلة عروس هجرها زوجها ويرفهان عنها حتى يعود، إنها نظرية السعادة التي تناولها في مصر الروائي القدير إبراهيم أصلان والتي تحولت قصته إلى فيلم "الكيت كات".
فيلم للصيف:  
من بين أجمل أفلام المهرجان، يتناول تجربة شبابية بسيطة للغاية، ولكنها تحمل كل عناصر الشبابية، فتاة في عمر المراهقة، تصنع فيلما عن الساموراي، بواسطة الموبايل، وتشرك معها أقرانها، حتى تنجح عن جدارة، الفيلم بسيط في كل شيء ولكنه مبهج للغاية، حتى أنهم استخدموا البالونات الملونة بكميات كبيرة لم أشاهدها منذ فيلم "بد سبنسرر"، وترانس هيل "احترس نحن المجانين" إنتاج عام 1974، أما الدرس الذي يقدمه الفيلم؛ فهو سعيه لتحقيق انتصار البطلة على خجلها، عندما شجعها أستاذها على المبارزة ـ تشبه لعبة التحطيب في صعيد مصر ـ ومع تصبب الفتاة عرقا، تتمالك قواها وتنتصر..وهذا هو الدرس!