هو الأكثر تفاؤلا في عصره وبين أقرانه، عاش مُعزيًا سبب سعادته لعدة أسباب، منها أنَّه ولِد إنساناً وليس حيواناً، وأنّه وُلد رجلاً وليس امرأة، وأنه أيضاً ولد يونانياً وليس بربرياً! وقد عمل نحاتاً خلفاً لأبيه، ثم نادته الفلسفة؛ فكانت حصيلته الفلسفية على يد أستاذه "بارمينيدس" الذي وضع أسسه وطورها بعلمه وفكره.
وبالنظر لفكر "سقراط" الفلسفي؛ نجده مختلفاً عن ما قدمه الفلاسفة قبله؛ إذ كان حديثهم مقصوراً عن الحقيقة والوجود، وكان الفيلسوف يقدم عرضاً ذاتياً لآرائه فقط، لكن الفلسفة مع سقراط أصبحت حواراً مع الآخرين، وليست تأملاً للذات؛ فقد نجح في تحويل الفلسفة من البحث في الطبيعة إلى البحث في النفس الإنسانية والتصورات الأخلاقية، واستخدم أسلوب المنهج العقلي والتأملات، ولم يكن يفضل أسلوب التجريب؛ والذي يعتمد على المشاهدة واستخدام الحواس للوصول إلى المعرفة والحقيقة التي يسعى خلفها.
أما "المنهج السقراطي"؛ فهو الأسلوب الذي اعتمده سقراط في الوصول إلى الحقيقة، وهو أسلوب قائم على الحوار؛ حيث يرى سقراط أن الحوار هو الطريقة المُثلى للوصول إلى المعرفة والحقيقة، وقسمه لمراحل بأساساتٍ ثلاث وهي:
*تحديد المشكلة بشكل دقيق؛ وذلك بجمع مجموعة أسئلة باستخدام صيغة السؤال ”ما هو؟” وهو ما عُرف بالماهيات.
*الوصول إلى إجابات واضحة لكل سؤال بشكل متتابع، وتحديد التناقضات التي توصل إليها، وتُعد من أهم المراحل في أسلوب الاستقراء السقراطي.
* مرحلة التفنيد والوصول إلى إدراك وشعور المتحدث بالجهل، حيث كان سقراط يستعمل كلمة التهكم؛ وذلك بتوجيه مجموعة من الأسئلة إلى الشخص الذي يسأل عن موضوع معين مع اصطناع الجهل بالموضوع لكي يصل في نهاية المطاف إلى إدراك الشخص لجهله؛ وبالتالي الوصول إلى حل منطقي للمشكلة، وهو ما يعقبه .
أسلوب التوليد للوصول إلى الحقيقة والمعرفة، بتوجيه الأسئلة إلى نفوس الخصوم بطريقة منطقية مرتبة الأفكار، فتتولد المعاني من النفس الموجودة في الأصل هناك، فيتم استنباط واستخراج المعرفة بطريقة واحدة ألا وهي الحوار.
يرى سقراط أن في العلم فضيلة وفي الجهل رذيلة، وهنا يريد سقراط أن يوصل بالفرد أن جهله هو ما يجعله يتورط في الرذيلة، وأنه إذا علم الفرد بالشر الذي يلحقه نتيجة الرذيلة لما كان ارتكبها، وليس من المعقول أن يتخلى الفرد عن سعادته نتيجة جهله بالخير الذي يتحد ويرتبط مع السعادة إذا سعى للوصول إليها.
خطط سقراط وفلسفته تستحق التأمل؛ فالمحاولة السقراطية جديرة بإقناع الفرد أن يرى بنفسه أن أفكاره الحالية خاطئة أي ناقصة، والسؤال هل يتبع البعض على الساحة نفس خطط سقراط الآن في عرض الأفكار؟ وهل نية إتباع تلك الخطط بهدف التبصير والمعرفة؛ أم أنهم صبوا جم تركيزهم على شق واحد فقط في فلسفة سقراط ألا وهو في التندر على محاوره؛ وهو ما عُرف باسم "السخرية السقراطية"؟، وهنا لابد من تبصير منتهجي فلسفة سقراط؛ أن تلك السخرية وإن منحت سقراط سمعة عظيمة؛ خاصة بين الشباب الذين طربوا لرؤية الأفكار العتيقة لشيوخهم تتحطم تحت وطأة سخريته متبوعة بخطة التهكم السقراطي ومنه للتوليد عند اكتشافه لجهل الآخرين وعدم معرفتهم بحقيقة الأشياء التي يتحدثون عنها، إلا أنها كانت أداة وليست منهج؛ إذ تعبر عن موقف سقراط من الجهل ؛ولكن كانت حكمته وفضيلته في أنه كان يعلم أنه يجهل الحقيقة، بينما كان يدّعي الآخرون معرفتهم بالحقيقة ؛ وفي النهاية أقول لمريدي نهج سقراط في الحوار؛ أحسنوا نواياكم تخلدوا وتجنوا ثمرة فلسفته الداعية التبصيرية وليست الهجومية المسفهه.
بقلم... دكتورة/ شيرين الملواني