الإثنين 25 نوفمبر 2024

الأعشاب الطبية.. دواء.. أم وهم وبلاء!

.

20-6-2022 | 17:53

كتب : احمد محمود

اتجه العالم فى الآونة الأخيرة إلى العودة إلى المصادر الطبيعية المختلفة فى أنماط الحياة، بل التركيز عليها فى العديد من المجالات والصناعات بعد ظهور العديد من الآثار الضارة لاستخدام المواد المصنعة كيميائيا فى كثير من الصناعات وخاصة الدواء والغذاء.
ولمن لا يعرف فإن النباتات والأعشاب الطبية واحدة من أغنى المصادر الطبيعية المهمة التي يمكن الاعتماد عليها فى صناعات عدة مثل: صناعة الدواء ومستحضرات التجميل وكثير من الصناعات الأخرى.
فى هذا التحقيق سوف نغوص فى عالم الأعشاب الطبية، ونتعرف على أنواعها وأشكالها، وأماكن تواجدها، والفوائد والأضرار، وطرق الاستخدام. إلى نص التحقيق. 
فى البداية يقول الأستاذ الدكتور عماد الدين حسن رئيس قسم بحوث النباتات الطبية والعطرية بمعهد بحوث الصناعات الصيدلية والدوائية بالمركز القومي للبحوث إن مصطلح الأعشاب الطبية يُطلق على الكثير من النباتات والأعشاب التي تتميز بقدرتها على تكوين العديد من المركبات الفعالة ذات الخواص البيولوجية والحيوية والتي قد تلعب دوراً مهماً وفعالاً فى علاج أو تحسين أو حتى الوقاية من بعض الأعراض المرضية. فجميع النباتات تستطيع تكوين المركبات الأولية مثل: الكربوهيدرات والبروتينات والدهون إلا أن النباتات والأعشاب الطبية هي الوحيدة التي تستطيع تكوين مجموعة أخرى من المواد والمركبات المهمة ذات التركيب الكيميائي المختلف كلياً عن المركبات الأولية والتي يطلق عليها المركبات الثانوية، وهى المسئولة عن إحداث تلك التأثيرات الحيوية والبيولوجية، ويندرج تحت تلك المركبات الثانوية العديد من المجموعات الكيميائية مختلفة التأثير والنشاط مثل: مجموعة مركبات الفلافونيدات، التربينات، الكومارينات، الفينولات، الصابونينات، القلويدات، الجليكوسيدات، الزيوت العطرية وغيرها.
ويوضح أنه يمكن أن تصنف تلك الأعشاب طبقاً لأمان الاستخدام وشيوعه إلى عدة أنواع: فقد تقع بعض تلك الأعشاب تحت مسمى الأعشاب ذات التأثير الأمن وغير الضار، وهى الأعشاب التي شاع استخدامها منذ فترات زمنية بعيدة، ولم يثبت عن استخدامها أية آثار ضارة أو سمية، وينصح باستعمالها فى معالجة المشكلات الصحية العارضة الخفيفة، مثل: الكمون والينسون والكراوية والزعتر والقرفة والسينامكى والبردقوش والحلبة والبابونج والمريمية والحصالبان وغيرها، والتي تساعد فى علاج بعض  أمراض الجهاز الهضمي والتنفسي، والإشينيسا والثوم والبصل لرفع المناعة، والحناء لتساقط الشعر وبلسم الكمثرى لخفض سكر الدم المرتفع وغيرها.
وقد تصنف أيضاً بعض تلك الأعشاب بأنها غير شائعة الاستعمال وهى غير المنتشرة بصورة كبيرة لدى العامة من الناس، ولكنها معروفة ومتواجدة لدى العاملين والمتخصصين فى مجال استخدام النباتات والأعشاب الطبية ومنها أعشاب الجنكو والجنسنج والراوند وغيرها، وهذه النباتات لا يجوز استخدامها إلا بعد الرجوع للمتخصصين.
وأخيراً، فقد تصنف تلك الأعشاب تحت مسمى الأعشاب الخطرة وهى تعامل معاملة الأدوية الكيميائية فى جرعاتها ووقت وطريقة استخدامها، ولا يجوز للمريض أن يستخدمها إلا بوصفة من طبيب متخصص ولديه معرفة تامة بعلم العلاج بالأعشاب، ومن أمثلة تلك النباتات: نبات الديجيتالس والبلادونا والداتورة والونكا وغيرها.
وعن فوائد وأضرار استخدام الأعشاب الطبية، يؤكد د. عماد الدين حسن على أن استخدام الأعشاب الطبية قد يكون له تأثير جيد وفعال على بعض الأمراض والأعراض إلا أنه قد ينتج عنه أيضاً العديد من  الآثار الجانبية الضارة، وذلك عند سوء الاستخدام وعدم الالتزام بالجرعات المناسبة أو عدم الإلمام بالحالة الصحية العامة للمريض أو مستخدمي تلك الأعشاب أو النباتات الطبية.
فعلى سبيل المثال: قد يوصى باستخدام نبات الزعتر فى علاج حالات المغص الناتج عن النزلات المعوية؛ لكونه مطهراً فعالاً ومضاداً للميكروبات والطفيليات فى الحالات العادية إلا أنه قد يكون شديد الخطورة فى حالة الاستخدام بجرعات زائدة عند الحمل للسيدات لما قد ينتج عنه من حدوث بعض حالات الإجهاض، كما قد يوصى أيضاً بتناول منقوع نبات العرقسوس كمضاد للالتهابات ومرطب للمعدة والأمعاء وطارد للبلغم إلا أنه قد يكون شديد الخطورة لمرضى ضغط الدم المرتفع؛ نظرا لما يسببه من احتباس للماء داخل الجسم لاحتوائه على مركبات فعالة ذات تأثير مشابه لهرمون الكورتيزون، وبالرغم من أن منقوع نبات الكركديه على البارد قد يفيد فى تقليل ضغط الدم المرتفع فى كثير من الحالات لمرضى ضغط الدم المرتفع إلا أنه عند الإفراط فى تناوله قد يؤدى إلى حدوث انخفاض فى ضغط الدم عن الحد الطبيعي وارتخاء بعضلات الجسم للأفراد الطبيعيين، كما قد ثبت أن تناول المرضعات للمنتجات المحتوية على نبات الكاكاو أو مشروب الشاي والقهوة قد يؤدى إلى إصابة الأطفال الرضع بالأرق والعصبية والإسهال، وأيضاً فإن كثرة تناول نباتي الجنزبيل والقرفة قد يؤدى إلى حدوث التهابات شديدة بجدار المعدة والأمعاء، فضلاً عن أن كثرة استخدام أعشاب التخسيس قد تؤدى إلى عدم امتصاص الجسم للأملاح والفيتامينات المهمة والضرورية لإتمام الكثير من التفاعلات الحيوية مما قد ينتج عنها ظهور أمراض عدة شبيهة بأمراض سوء التغذية. 
وأخيراً، فقد تتداخل المكونات الفعالة بالأعشاب الطبية مع بعض الأدوية التي يتناولها المريض مما قد يؤثر على القلب والكبد والكلى، كذلك فتوصى بعض الجهات الطبية بضرورة التوقف عن تناول النباتات الطبية قبل إجراء بعض العمليات الجراحية لمدة أسبوعين على الأقل لعدم التأثير على درجة سيولة الدم وغيرها.
ويضيف أن استخدام الأعشاب الطبية فى الطب والغذاء أمر سهل إذا ما كان النبات الطبي محتوياً على مجموعة كيميائية أو نوع واحد من المركبات الثانوية ذات التأثير البيولوجي فقط، حيث إنه سيسهل إمكانية التوجيه الدقيق لاستخدام العشب الطبي ضد مرض أو هدف معين دون الخوف من حدوث آثار جانبية أخرى، إلا أنه لا يوجد نبات أو عشب طبى يحتوى على نوع واحد من المركبات الثانوية بل وجد أن أغلب تلك الأعشاب الطبية إن لم يكن كلها تحتوى على العديد من المجموعات الكيميائية والمصنفة كمواد ثانوية ذات تأثير بيولوجي، كما نجد أنه يوجد تحت كل نوع من تلك المجموعات الثانوية الكثير والكثير من المركبات الفعالة التي قد يصل عددها إلى عشرات وربما مئات من تلك المركبات ذات التأثير الحيوي، ولذا يُنصح دائماً بأنه عند اللجوء للتداوي بالأعشاب الطبية أن يتم الرجوع لطبيب متخصص فى هذا المجال حتى يستطيع التشخيص الجيد للحالة الصحية الكاملة للمريض وتحديد المحتوى الكيميائي الدقيق للنبات الطبي وعندها يمكن تحديد ما إذا كانت هناك آثار جانبية متوقع حدوثها عند استخدام هذا النبات الطبي أم لا.
ويحذر د. عماد من أن البعض يعتقد أنه عند حصوله على النبات أو العشب الطبي من أي مصدر واستخدامه سوف يحدث التأثير المرغوب، لكن ما لا يعلمه إلا المتخصصون هو أن نوع وتركيز المواد الفعالة المسئولة عن التأثير البيولوجي والحيوي بأي نبات طبى يتوقف على العديد من العوامل المهمة ومنها: نوع التربة التي تمت زراعة النبات الطبي بها، الظروف المناخية المصاحبة للزراعة من درجة الحرارة وشدة الإضاءة وفترات الإظلام، المعدلات السمادية، درجة ملوحة التربة، كمية ماء الري، وقت وطريقة الحصاد، معاملات ما بعد الحصاد، الجزء المستخدم من العشب الطبي وغيرها، وبناءً على ذلك فإن لم يكن هذا العشب الطبي مضمونا ومعلوم المصدر، فقد لا يكون له تأثير فعال نظراً لعدم احتوائه على التركيز المطلوب من المركبات الثانوية الفعالة، ناهيك عن أنه فى كثير من الحالات نجد أن هذه الأعشاب مجهولة المصدر وقد تحتوى على شوائب ضارة وملوثة تتسبب فى إحداث مشاكل صحية عدة لمستخدمي مثل هذه العينات؛ ولذا ينصح عند الحاجة لاستخدام الأعشاب الطبية، الحصول عليها من مصادر موثوقة وعدم اللجوء إلى مصادر مجهولة، كما نراه منتشرا على الأرصفة والباعة المجهولين.
وينبه من أن بعض وسائل الإعلام تروج للأعشاب الطبية دون وعي طبي، حيث يقول إنه لوحظ مؤخراً انتشار حملات إعلانية مكثفة وعديدة على مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع وكذلك على وسائل التواصل الاجتماعي الترويج لاستخدام العديد من النباتات والأعشاب الطبية ومنتجاتها فى علاج كثير من الأمراض منها: أمراض الكبد والكلى والجهاز الهضمي والبروستاتا وحب الشباب وتفتيح البشرة ونعومتها والأمراض الروماتيزمية وآلام العظام والغضاريف وغيرها من الحالات المرضية، وذلك دون الرجوع لطبيب أو متخصص، وهذا يعد أمراً خطيراً لما قد يتسبب فى إحداث مشاكل صحية كثيرة ومعقدة.
وهنا يشدد على أن معهد بحوث الصناعات الصيدلية والدوائية بالمركز القومي للبحوث يولى النباتات والأعشاب الطبية اهتماما كبيراً لما لها من أهمية عظيمة فى إمكانية استخدامها كأحد المصادر الطبيعية المهمة فى اكتشاف خامات دوائية طبيعية المصدر.
ويحذر د. خالد يونس من أن سوء استخدام الأعشاب قد يضر بالجهاز الهضمي، ويؤدي إلى حدوث إمساك أو تهيج فى الجهاز الهضمي، وبالتالي يحدث قيء مستمر، ومن الممكن أن تكون الأعشاب ملوثة بالفطريات السامة التي تؤدي إلى مشاكل بالكبد تصل إلى حدوث أورام بالكبد.
ويدعو إلى عدم الاستخدام المُفرط للأعشاب، وعدم العشوائية فى تناولها محذرا من خطورة ما تروجه بعض وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والإلكترونية بأن الأعشاب تعالج عشرات الأمراض فى الكلى والقولون والبروستاتا والكبد وعسر الهضم والمثانة داعيا إلى عدم الانسياق وراء هذا.
ويوضح أن الأعشاب المنتشرة فى الصيدليات تنتج بواسطة بعض الشركات تحت مسمى المكملات الغذائية وهي ليست علاجية، ولكنها مساعدة للعلاج، ويتم تصنيعها تحت الرقابة وبوسائل تعقيم بعيدا  عن العشوائية.