الجمعة 19 ابريل 2024

هكذا تحدث فرج فودة (4).. كيف تواجه مشكلة الإرهاب

مقالات28-6-2022 | 19:56

يقول فرج فودة "علينا أن نعترف بأن لقضية الإرهاب  أضلاع ثلاثة، أولها: الإرهاب  نفسه، وثانيها سلطة الدولة وهيبتها، وثالثها موقف الشعب واقتناعه أمام الصراع الذي يدور بين الطرفين أو الضلعين الأولين، أي بين الإرهاب والسلطة، والحقيقة التي نود أن نؤكدها أن الضلع الثالث هو الفيصل، وهو العنصر الأساسي في حسم الصراع، إن غابت غامت الرؤية، وإن انتصر لأحد الفريقين نصره بلا جدال، وحسم الأمر لصالحه دون شك".

ويضرب فرج فودة مثلا في مواجهة عبد الناصر للإخوان عام 1965،  وكيف انحاز الشعب لعبد الناصر، ونضرب مثلا بانحياز الشعب أيضا لإسقاط الإخوان  والجماعات المتعاطفة والمتعأونة معهم في يونيو ٢٠١٣، تأكيدا على وجهة نظر فودة.

ويستطرد فرج فودة فيقول: ".. لست أميل إلى القول بأن الشعب بعيد عن السلطة أو رافض لها، فذلك في تقديري غير صحيح، والصحيح أن نقول أن الدولة من خلال الوسائل المتاحة لها، نتيجة سوء استخدامها أو إهمال استخدامها نجحت ليس في تجنيد الشعب لمواجهة الإرهاب، بل في تجميده، وتحييده، وعزله، ووضعه في موقف المتفرج، وهو أخطر وأسوأ إنجاز يمكن أن يتحقق".

هذا ما كان يحدث حسب فرج فودة في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، وللأسف الشديد، وأؤكد للأسف الشديد أن ما طرحه فرج فودة يحدث الآن بالفعل من قبل مؤسسات الدولة الثقافية والدينية والإعلامية، فقد تنحت هذه المؤسسات عن المشهد أو إذا تناولته إنما تتناوله بالوصف، وصف ما تقوم به الأجهزة الأمنية في حربها على الإرهاب، تكتفي المؤسسة الدينية بعقد مؤتمرات في فنادق مكيفة بعيدا عن الشعب والمواطن الذي يذهب ضحية هذا الإرهاب ، والمؤسسة الثقافية تكتفي بإدانة حادث هنا أو هناك، أما على المستوى الإعلامي فالتناول وصفي لحادث إرهابي ما واجترار لتاريخ الجماعة الإرهابية وما قامت به دون مناقشة للأسس المرجعية لهذه الجماعات وطرق تجنيدها، وحواضنها، وبالتالي نشطت هذه الجماعات وأحست أن لها ظهير شعبي يناصرها وكثرت الشائعات التي تروج لها ووجدت بيئة متعاطفة معها، هذا ما حدث مثلا في سبتمبر 2019، مع دعوة المقاول محمد علي للخروج في تظاهرات، نعم استطاع الأمن أن يحكم قبضته على الشارع، ولكن إحكام القبضة كلف الدولة الكثير ليس ماديا فقط بل سياسيا أيضا، وإذا قارنا هذا بإنتاج فيلم "الممر" أو مسلسل "الاختيار" وغيرهم، ومدى تأثير الفن على الشارع لاكتشفنا أن الإعلام والثقافة دورهم مهم في المواجهة، وأن الأعمال الدرامية تستطيع أن تواجه الإرهاب، وتكون المواجهة أكثر تأثيرا من مواجهة الرصاص أو المواجهة الأمنية، فانت حينما تقتل إرهابيا، تقتل فردا إنما لا تقتل الإرهاب نفسه الكامن في الأفكار.

ويضع فرج فودة سبل الحل لظاهرة الإرهاب، ويوجزها في ثلاثة وسائل على المدى القصير وثلاثة وسائل على المدى الطويل.

أما سبل الحل على المدى القصير فهي (الديمقراطية، سيادة القانون، الإعلام)

أولا الديمقراطية بين السماح والمناخ:

يقول فرج فودة: "إن أسوأ ما يمكن أن يحدث لمجتمع، أن تنتمي أغلب قيادات الرأي فيه إلى واقع قديم، وممارسات مستهلكة، وسياسات انتهازية، بينما لا يسعف الزمن بعد، ولا يسمح المناخ بظهور قيادات جديدة، وتيارات فكرية واعدة، وفيما بين هذا وذاك، يشمل الغياب الجميع، ويتنحى أغلب الشرفاء جانبا، ويبدو للكل أنه لا أمل".

ربما يتشابه ما يقوله فرج فودة هنا مع واقعنا الحالي، رغم أنه مر على نص فرج فودة ما يقارب أربعة عقود، ولم تتغير مياه النهر، بعد أن مر الشعب المصري بأحداث جسام في العقدين الأخيرين بداية من يناير 2011، وحتى الآن، تلك الأحداث التي زلزلت المنطقة بالكامل وألقت ظلالها على الكثير من دول العالم إلا أننا عدنا مرة أخرى إلى ثمانينيات القرن الماضي، ويطرح فرج فودة حلا لهذه الإشكالية  فيقول: "لا مفر من أن تتسع ساحة الديمقراطية للجميع، دون قيد، ومن أجل صالح الجميع، ولعلي أميل كثيرا إلى تسمية الوضع السائد حاليا في مصر، بالسماح الديمقراطي، حيث يتم تمرير الديمقراطية من أعلى بالقدر الذي تراه السلطة ملائما، ورغم أن هناك إنجاز قد تم على مستوى السماح الديمقراطي، لا ينكره أحد، ويتجاوز ما هو قائم في جميع البلدان العربية، إلا أنه أصبح من الضروري تجاوز هذه الصيغة إلى صيغة أرحب، وهي صيغة المناخ الديمقراطي حين يتمتع الجميع - وأكررها حتى تكون واضحة - الجميع، بحقهم في تكوين أحزابهم المستقلة وإصدار صحفهم بلا قيد، وحيث يتم تعديل قانون الانتخابات، وإلغاء ما تجاوزه الواقع من قوانين استثنائية".

"السماح الديمقراطي" الذي كان موجودا في ثمانينيات القرن الماضي ولم يتوافق معه فرج فودة وطالب بالمناخ الديمقراطي، هل نستطيع نحن الوصول إلى هذا السماح الديمقراطي الآن؟

سؤال مهم حينما نحاول محاورة فرج فودة وأنفسنا ومناقشة أوضاعنا فقد انقسمت الجماعة السياسية أو الشارع السياسي حسب التعبير الأكثر شهرة أو الفاعلين السياسيين إلى قسمين لا ثالث لهم، إما مع وإما ضد.. مع النظام تكون ضد جماعات الإسلام السياسي بل وضد الإسلام نفسه، وأي منتقد لهذا النظام يصنف على الفور بأنه مع جماعات الإسلام السياسي حتى لو كان ضدها، فلا يوجد صوت ثالث، أصبحنا في ثنائية الكفر والإيمان، الإخوان ي والسيساوي، الأهلي أو الزمالك… إلخ هذه الثنائيات المتطرفة، لا شك أن أي حكومة على مستوى العالم ترتكب أخطاء في بعض الملفات لأنها مكونة من البشر وليس من الملائكة، أخطاء في ملفات الصحة التعليم الثقافة… إلخ وإذا قمت بمناقشة هذه الأخطاء وقدمت نقدا لهذه الحكومة في ملف ما، يتم اتهامك على الفور بأنك عميل وخائن وتنتمي للجماعات الإرهابية، وعلى النقيض تماما لو قمت بإبداء ملاحظات على إحدى الجماعات الإسلامية أو قمت بتحليل خطابهم، رغم أنك لست مؤيد للنظام أو للحكومة الحالية على سبيل المثال، يتم اتهامك فورا بأنك دولجي وعبد للبيادة وربما يصل اتهامك بالكفر ومحاربة الله ورسوله، هذا هو حالنا الآن فهل تصلح دعوة فرج فودة في إنتاج مناخ ديمقراطي، ينعم فيه الجميع وأكرر أيضا الجميع بحرية الرأي والتعبير دون اتهام بالعمالة أو التخوين أو التكفير ؟

هذا السؤال متروك للقارئ لعله يجد إجابة لم يستطع كاتب هذه السطور تقديمها.

رغم أن فرج فودة لديه وجهة نظر ورد على هذا السؤال ربما يكون دليلا للقارئ على إيجاد إجابة تخصه هو وتقنعنا، حيث يقول فرج فودة: ".. لو تركت الساحة مفتوحة للجميع لتصارع البعض مع البعض، وتفرغ البعض للبعض، ووجه البعض سهامه إلى البعض، وانشغل بعضهم ببعض، عن الحكومة والسلطة والنظام، ولوجد "المجاهدون" الكبار هما يشغلهم عن إشعال مظاهرة في مسجد، أو السعي إلى "ركوب" مظاهرة في جامعة، ولما أصبح إطلاق اللحى مدخلا للحصول على أصوات الصندوق".

ويستكمل فرج فودة إجابته بأن استكمال مسيرة الديمقراطية سوف يكون مدخلا إلى اجتذاب من يقبلون العمل السياسي والحوار، وفرز من لا يقبلون بهما خارج ساحة الفكر والسياسة، وساعتها سوف تسقط حجة المدافعين عنهم، بمنطق أننا ألجئناهم إلى أضيق الطريق واضطررناهم إلى الخروج حين أغلقنا أمامهم باب الدخول.. وبهذا حسب فرج فودة نكون أزلنا كل مبررات الإرهاب  السياسية ووضعناه على قدم المساواة في الحقوق السياسية مع الآخرين.

اللافت للانتباه هنا استخدام فرج فودة لفظة "المجاهدون" بدلا من "الإرهابيون أو المتطرفون" لتوصيف تيار الإسلام السياسي، وكأنه يقر بأن جماعة الإخوان ومن على شاكلتها مجاهدين في سبيل الله وهذا طبعا ينفي ما يقوم به فرج فودة من مواجهته لهذا التيار والتحذير منه على الأقل على مستوى القارئ العادي، وربما يضع البعض فرج فودة نظرا لهذا الاستخدام اللفظي بأنه ليس صادقا في معاداته لتنظيم الإخوان، لكن ما يريد قوله كاتب هذه السطور أنه ربما تكون هفوة من فرج فودة لشيوع كلمة مجاهدين في حقبة كتابة فرج فودة لهذا الكتاب، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية لم تصنف جماعة الإخوان ومكاتبها النوعية كمنظمة إرهابية إلا في القرن الواحد والعشرين بداية من روسيا في 2009، وبعد ذلك في دول الرباعي العربي في 2013 و 2014، رغم أن فرج فودة وغيره ممن تصدوا لأفكار الجماعة وتنظيمها الدولي يعلمون جيدا أنها جماعة إرهابية.

ولا شك أن فرج فودة يعلم جيدا الفارق بين الجهاد والإرهاب، فالجهاد في اللغة العربية، يعني عمومًا "الاجتهاد" أو بذل "جهد حثيث"، والمجاهد هو الشخص الذي يجتهد أو يشارك في الجهاد. وكثيرًا ما يتسع معنى هذه الكلمة ليشمل الجهاد في سبيل الله، وذلك لأجل تمييز العبارة عن استخدامها ما قبل الإسلام والتأكيد على أنّ بذل "الجهد الحثيث" يتمّ بتوكيلٍ من الله ويستند هذا الجهاد على قاعدتين مهمتين الأولى "لا إكراه في الدين" والثانية "وجادلهم بالتي هي أحسن".

بينما الإرهاب لا يوجد لديه أهداف متفق عليها عالميًا ولا ملزمة قانونًا، وتعريف القانون الجنائي له بالإضافة إلى تعريفات مشتركة للإرهاب تشير إلى تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف، ويكون موجهاً ضد أتباع ديانة أو سياسة معينة، أو هدف أيديولوجي، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل سلامة المدنيين.