الأربعاء 24 ابريل 2024

يحيى مختار

مقالات9-8-2022 | 19:16

الباقي من الزمن ساعة.. ولم يفلح  الهرب، أمام إصرار جمال الغيطاني رئيس تحرير مجلة أخبار الأدب.

- خذ موتوسيكلات من التوزيع والحق.

وأسقطه في يد القاص يحيى مختار. مدير التوزيع بأخبار اليوم  (جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة 1992 ) من  المجلس الأعلى للثقافة والفنون والأدب.

ـ حاجة تكسف.

ماسك الموتوسيكل بيد وفي الأخرى أربعة نسخ من مجموعة (عروس النيل).

 يا سيدي.. كانوا تحت إبطي.. زي أيام الكتاب في النوبة، أنا من النوبة القديمة، قرية الجنينة والشباك.. لى أصول وحضارة   .

••••

غلافها بريشة الفنان محمد عمر، رسام الكاريكاتير والنوبى المطعم  بالإسكندرانى

••••

كتبت قصة عروس النيل  1970،  احتاج ثلاث سنوات ليتوازن بعد هزيمة 1967، فعاد للجذور برغبة  للبقاء، وانتظار النصر ونشرها  فى الملحق الأدبي لمجلة الطليعة (1973) ولم يعاود الكتابة.. حتى زاره الناقد السينمائى كمال رمزي، يناقشه فيها وحثه على الكتابة.. فكتب (الطريد - واقعه -حكاية للنسيان )

ونشرها جمال الغيطاني فى مطبوعات  أخبار اليوم. (1992) بعد عشرين عاما.

••••

عروس النيل: قصة الشرف في الصعيد والنوبة، ابنة أحد عبيد القرية، حملت سفاحا من ابن العمدة، فتكاتفت نساء القرية لإجهاضها.. قدمتها أمها لهن .. يطرحنها أرضا، تتقافز أحداهن على ظهرها، حتى تُسقط حملها، ويحرقون بيتهم، ويدفعون الأب لقتل ابنته الوحيدة ولا يجد إلا الرضوخ، فهم لا يملكون إلا شرفهم.. وحين يفقدونه يموتون ولم تهتم القرية بفعلة ابن العمدة .

ويجد الأب والابنة أنفسهما عند الفجر، في فلوكه وسط دوامات النيل، وعلى كل منهما أن ينفذ المكتوب.. ويقاوم الأب حبه لابنته من أجل الناس حتى يكرههم.. ووصلت الابنة لحالة صوفية غفرت فيها لابن العمدة، ورفيقاتها والقرية، وأبيها فتفديه، بأن تُلقي نفسها فى النيل.. وقفزة الأب ولا يجدها، ولا نجده، والأم على الشاطئ مستسلمة  .

تشابهت نهاية رواية نجيب محفوظ (بداية ونهاية).. بانتحار شقيقة الضابط الخاطئة، فيتبعها هربا من الناس.

وفى القاهرة تم التوضيح اللفظي للعار.. لكن فى الصعيد الصمت لغة وذكاء وفهم .

 

••••

واقعة: عن صعيدي أبيض.. هرب من ثأره لقريتهم أفزع عبيدها عضوه الذكري، فتآمروا لقطعه

الطرد.. انتظار الأمل بطرد فواكه وملابس لتشع الفرحة في الأبناء تصبرهم على بعاد الآباء .

حكاية للنسيان -ليست أبدا للنسيان- تاجر القرية وصاحب مراكب النقل للنوبة الجديدة.. يعود لينهب ما تبقي قبل الغرق تحت مياه البحيرة.

ولا تنس مشهدين:

الكلاب الممنوع تهجيرها تستعطف أهلها وعنيد منها يسبح خلفهم حتى تغرقه الدوامات

والتاجر الخائن يواجه سعار الكلاب تقاوم اللص وتكشف غدر الإنسان  

 حكاية الكتابة

حكاية يحيي مختار مع الكتابة ..حكاية طويلة .. قديمة ومبكرة.

مولده في النوبة 1936، وهجرته بعد تسعة أعوام للقاهرة ومنطقة المعادى يكتشف أنه لا يعرف كلمة عربية واحدة فبدأ نظام قراءة ينمي لغته ويفهم دروسه.. فتعرف علي سور الأزبكية، وروايات الجيب، والهلال، ثم دار الكتب بباب الخلق.

وكتب في المرحلة الثانوية، لمجلة المدرسة قصة (مشكلة إبليس)، لحوار بين الشياطين في السماء، قبل المولد النبوى وكيف يمكنهم مواجهة الدين الجديد.. وتناقلها الأساتذة فرعاه الأستاذ مختار العطار.. (ناقد تشكيلي وكاتب بمجلة المصور)

وفى الجامعة.. التحق بقسم الصحافة بكلية الآداب، ونشر أول قصة 1956 في مجلة (صوت الجامعة) .

باسم (البناء)، عن تضافر زوجين لبناء بيت من الطين علي طرف حقل، تساعدهم الطبيعة  من العصفور إلي الحمام إلى النورج وتفتح عيونه على الثقافة الإسلامية.. والشيوعية.. الثقافة الدينية 1954،  متأثرًا بالوالد واليسارية.. في الجامعة.. من الإحساس بالفقر والبحث عن العدل.. والاصطدام بالسلطة والاعتقالات 1960

وخرج من السجن توقيت معركة السد العالي وتفكيره في النوبة.. ورواية (الجلمود حرثناه) على اسم رواية سوفيتية (والفولاذ سقيناه).. وفوجئت برواية محمد خليل قاسم (الشمندورة) تحوى كل ما فكرت فيه. فلم أكتبها

وعملت بمؤسسة أخبار اليوم.

وفى نكسة 67  كتبت قصة وحيدة (قطة من العصر المملوكي)، نشرتها جريدة المساء 1968،  ثم مجموعة عروس النيل، ثم مجموعتى (تبدد) وشج فرن.

••

سكن الليل..

وعلى ضوء لمبة عصرية يجلس (يحيى مختار) إلى مكتبه، في حجرته بطقمها الأسيوطي، وستريو موسيقي، وكمبيوتر..

ساعة الحائط عند العاشرة.. وتبدأ طقوس الهرب.. فقد نضجت الفكرة.. وألحت إلحاحها النهائي، إما الكتابة أو الضياع..

فى نهاية رحلتها الطويلة، من فكرة مهوشة  تبرق كومضه تثير غريزة القناص الذى تولاها بالرعاية حيث تتوالى الخواطر والصور وتبرق في الذهن بعض جمل أو أجزاء من النص أو الحوار دونها في حينها. خاصة فى فترات التدوين والتفكير (قبل النوم، وبعد الاستيقاظ) مع قراءة هادية تساعد على نمو العمل، ولا تشتت المزاج.

حتى تأتيني حالة، يفرض العمل نفسه ليكتب، فيبدأ الخوف ورعب رغبة الكتابة المتميزة والأسئلة العجيبة.

هل الفكرة تستحق الجهد ويتقبلها الأصدقاء وتكون أفضل من سابقتها ونقله في مستوى أعمالي

وأواصل الهرب.. تجهيز المكتب .. ضبط الإضاءة .. عمل كوب شاي.. والفكرة تلح، وتنذر بحيوتها المزمجرة.

ولا يبقى إلا( ألق بنفسك في النهر.. لتتعلم السباحة)... وتبدأ المواجهة.. كلمات وبدايات وفقرات ثم ينساب التيار.

لابد من قلم فلوماستر ناعم، والأوراق بيضاء مستوية ويا حبذا لو كانت ورق دشت (ورق جرايد) الذي نستعمله فى عملنا في المؤسسات الصحفية خاصة في الكتابات الأولى. أستمر مع انسياب الأفكار، لساعات.. .تفاجئنى أفكار وصور وإضافات وتحولات في العمل الذى يكتب نفسه.

وأستمر حتى الإنهاك الشديد فأتوقف عند نقطة تساعدني غدا على الاستكمال وأعتدت أن تأتينى الأفكار ليلا، بعد قسط من النوم.

 -هل  تتبع خطوات  نجيب محفوظ، بساعات محددة يوميا للكتابة المنظمة؟

يعترض بحده: نجيب محفوظ عنده مدد لا ينقطع.. نظم له وقته وجهده.. أما نحن فشحاتين. اكتب إننا ناس شحاتين.. لا نكتب إلا في المواسم، حينما يمن الله علينا بفكرة.. هو إحنا قد نجيب محفوظ؟!.

- ألم تواجه، فكرة برقت منتهية، تطلب الكتابة؟

 مرتين:

** الأولى: في البحرين.. على مقهى مصري مع الشيشة.. وفرضت فكرة (شج فرن) نفسها.. وطلب ورقا من البوفيه.

والثانية.. في القاهرة.. وقد استيقظت تتملكني قصة (ماء الحياة).

أما باقى كتاباتى فتخضع لنفس طقوس الكتابة.. ليلا حتى تنتهي الكتابة الأولى، وإذا كان العمل مثيرًا للقلق أعرضه على أصدقائي، ثم أتركه مدة لإعادة النظر فيه بعيون ناقد لأدخل الكتابة الثانية فبعض الأعمال كتبتها أكثر من سبع مرات، مثل رواية (تبدد) في مجموعة ماء الحياة، ويتم التعديل بقلم بلون مختلف، ليسهل عملي في التبييض. وعندما أشعر أنني شبه راض أمرره على الأصدقاء لتلقي ملاحظاتهم وأكتبها للمرة الأخيرة .

-واللغة النوبية؟

ما زلت متأثرا بلغتي النوبية، وأتحدث بها مع أهلي، ولا زلت أخطأ في اللغة العربية وكثيرًا ما ألجأ للقاموس لمعرفة المذكر والمؤنث  

والكلمات النوبية التي تأتي في سياق القصص تفرض نفسها على فرضا في موسيقى داخلية، فأكتبها.

-هل تستخدم الكمبيوتر؟

هذا الأمر لم يخطر لي على بال مطلقا، فاليد لها علاقة بالمخ الذي يجلى العمل

- أيهما يأتي أولا.. القصة.. أم عنوانها؟

-القصة تأتي أولًا.. وسمها يأت من مضمونها.. وقد يشترك معي الأصدقاء، إلا قصتي (شج فرن) وماء الحياة.. فقد جاءتا بعنوانهما.

كم من المسودات على مكتبك؟

-  ليس بالكثير.. فالفن يحتاج جدية شديدة، وتأمل ومعاناة.. همى الحقيقي كتابة شيء جيد، وقد منعتنى ظروفى من الاستمرار.. فالقراءة والكتابة لأمثالنا ترف.

كما أن نكسة 67،  كانت قاسية علينا جدًا، حتى على المستوى الشخصي، فقد شعرت أني إذا ما جلست لأكتب، كمن يغني وبيته مشتعلا.

 ماء الحياة

 مجموعته التى نشرها بعد حصوله علي جائزة الدولة التشجيعية، وتضم أربعة أعمال، قصتان طويلتان ( تبدد وسراديب النور)، وقصتان قصيرتان( الجدار الزجاجي وماء الحياة.)

   قصة ماء الحياة.. أصغرها حجما، تحمل من النوبة، الحنين، تعزف على موت الأبناء، الناجم عن عدم استمرار أجيال أسرة محبة من زوج وزوجة، سعيا بكل الطرق لبذرة حياة لأبناء من صلب ورحم العشق، ورفض الزواج الثاني، بكل الصيغ، في نسيج يقابل ما بين الحياة والموت في وقت واحد، ففي ليلة موت أحد الأبناء ينصحهم أحد المشايخ بالمضاجعة مع الاستحمام بماء غسل الطفل الميت، وهو الأمر الذي تحول بالتكرار إلى رغبة محمومة في الحياة مع كل وليد ضائع.. حتى جاءت عقرب لتضيع حياة الزوجة.. من بين أحراش الحياة التي سعوا إليها، ببناء بيت على أطراف القرية، بنصيحة أحد المشايخ وكانت هى ملت الحياة، فسعى الزوج بكل أصناف معرفته علاجها بتشريط أعلى الساق (بوابة الحياة للأبناء) وفشل فأستخدم أكثر محاولاته أملا أن يبذر بداخلها ماء الحياة، في لقاء جنسي أشعل بقايا رماد الحياة بجسدها، لكنها كانت قد آثرت اللحاق بأبنائها، ولم يجد أمام إرادتها الحقيقية إلا التسليم برغبتها في الرحيل.

 الجدار الزجاجي والزمن النوبي، هي أكثر أعمال المجموعة إثارة لحيرة القارئ والكاتب نفسه، الذي وضع الزمان النوبي في مواجهة الذوبان في الوادي.

صورة مثالية، لمثقف رسام صحفي متفتح يتمسك بأهداب تراثه  للحفاظ على المتبقي منه رغم عنوسة بناته الثلاثة انتظارا لنوبى.

وأصبحت (الزوجة وبناتها ) جبهة ضغط..

وبلا رحمة وُضع (يحيى) هذا الفنان بين شقي رحى، وعريس (جربتي) من القاهرة، شاب، ناجح، جامعي، يدرس الفن، عارف بقدر الأب وفنه، وتربى وسط جيران وأصدقاء من النوبة، جاء عاشقا ومحبا حتى للشاي بالحليب، وروائح بخورهم وأطباقهم الخوص

إلا أن الفنان (الدونكيشوتى) ينازل طواحين الهواء، مصرا على الرفض.

تبدد الجهل

تبدد.. أطول قصص المجموعة تعزف على مأساة (بشير غطاس) فنان القرية، المحب لأهله.

وقريته التي ضاعت تحت البحيرة وهجرة رجالها للشمال ويحلم برفع النيل إلى الصحراء الغربية يزرعها فيعود المغتربين ويوقف غيرة زوجته العاقر، وتصبير (عشم الله) القعيد.

ولأن بشير عشق التمثيل، ابتكر حيلة تخفف عن أهله بالتخفي في زي شيخ تكروري، يهبط القرية مع مولد الشيخ الكبير، ليحقق لأهله أمانيهم .بدأ بعمته (راجية ) الحالمة بخطاب من ابنها خليل، مدبرًا إرساله عن طريق قريب في القاهرة وزارها ليفتحه لها أملا في وصال الابن، ليكتشف أنها بحر كراهية لطليقها إدريس، الذي هجرها للقاهرية البيضاء وتحلم بهزيمة (الجربتية) واسترداد المعشوق الأصلي. وتستحلفه بحجاب يعيد إدريس.

وفى مفاجأته أقفل أمامها أبواب الأمل، فانقلبت من اليأس إلى الكراهية، لإدريس الذى تحتفظ بصرة تراب قدميه يوم سفره البعيد تلقيها فى النيل وتطير نفسها معه للنهر، فيفزع بجهله ويخاف من تكرار المفاجأة  .

سراديب النور

لم أستطع كبح فرحتي، ويحيى مختار، يبلغنى أنه يطور أحد قصص مجموعة ماء الحياة.. فقلت علي الفور سراديب النور.

ورغم قلق عينيه رأى إجابتي، تأكيدا جديدا على أحقيتها فأشار برأسه بالإيجاب.

وسردايب النور، قصة جميلة، وشجاعة، تقتحم عالم  الصوفية، وتروي حكاية اثنين من أقطاب قريته، (الجنينة والشباك ) هما الشيخ حسن الفقيه المتعبد الزاهد، حفيد جده الأزهري، والذي اكتشفت القرية أنه قطب وعند موته بنوا له مقاما، نقلوه معهم بعد التهجير.

والمنشد سلامة عبد السيد، الصبي الذي رأى المعجزة، وفقد بصره عندما أعلن عنها لأمه، لكنه أصبح بعد ذلك أشهر مداحي الرسول (صلى الله عليه وسلم) والعازف الماهر على ناي، لا يعرفون من أين أتى به وتعلم مهارته.

ويرصد يحيى معجزة عبور الشيخ حسن، للنيل جالسا علي جلبابه.. في صورة تدخلك معه لدنيا الصوفية.

بدأ يحيي مختار الكتابة المنتظمة في عمر 43 سنة وأكمل أول مجموعة في عمر الـ54 وحصل على جائزة الدول التشجيعية فى القصة القصيرة في عمر الـ56.

Dr.Randa
Dr.Radwa