بضدها تتميز الأشياء، هكذا فكرت حين أصدرت ثاني كتاب لي في الإتيكيت تحت عنوان "كسر قواعد الإتيكيت والبروتوكول" لأقدم إرشادات حول ممارسات خاطئة نقع فيها دون أن ندري، وبينما نعاني من الانحدار الأخلاقي بات الأمر مهما أن ننشر ثقافة السلوك الحميد من جديد، ولعل الكاتبة الصحفية ليندا سليم أصابت حينما بدأت الحديث في منطقة شائكة تختص بسلوكياتنا أثناء القيادة، وبالطبع أثني على عبارة أن "المخالفات المرورية المُحررة وحدها ليست مسلكا لتهذيب كل خارج عن حارته ولا متجاوز السرعة وقطع الإشارة الحمراء"، فلابد أن يتم تنفيذ القانون ولكن ماذا لو لم يكن هناك رقيب ذات مرة ولم يكن هناك من سيحرر المخالفة، هل سنكسر الإشارة لأنه لا يرانا أحد؟ ربما تحتاج إجابتنا مراجعة لو كان التزامنا بالقواعد خوفاً من عقاب، فلا بد وقبل أي شيء أن نسلك ونتصرف بتوجه من ينثر الورود والجمال وهو سائر لنكون مثلا وقدوة لمن حولنا.
ونعم، لديك كل الحق بأن تقولي إن الإتيكيت ظل لفترة طويلة محصوراً في استخدام الشوكة والسكين كما صورته الدراما ولعل السبب يرجع إلى أنه نشأ من جذور أرستقراطية وظل هكذا مقتصراً على علية القوم، ورغم أن هذا مفهوم خاطيء لأن الكلمة تعني آداب السلوك أو السلوك الحميد وهو ما لا يقتصر على طبقة اجتماعية دون أخرى.
في ظل الزحام تظهر مشكلة أخرى غير عدم الالتزام بآليات النظام المحدد وهي ما نسميها "غضب الطريق" فطبقا لعالم الأنثروبولوجيا الأمريكي "ادوارد تي هال" وهو أول من درس حدود القرب المكاني والمسافات بين الأشخاص في كتابه "البعد الخفي" 1966، هناك فقاعة غير مرئية من الهواء تحيط بجسد كل إنسان تعمل كمنطقة أمان نفسي تفصل بينه وبين الآخرين، وتسمى المسافة الذاتية التي يشعر فيها الشخص بالراحة وعدم التهديد عند الحديث مع الآخر.
وفي القيادة لا ينطبق الأمر على الإنسان فحسب بل على سيارته التي يقودها ويجلس داخلها لتمثل محيطه الأكبر، فقد أصبحت جزءا لا يتجرأ منه لذا يشعر كثيرون بالغضب وهو غضب الطريق حينما تقترب وتخترق سيارة أخرى هذه المساحة الآمنة للسيارة التي أحاطها صاحبها بفقاعة هوائية هي الأخرى، ويزداد غضب الطريق كلما نشأ الفرد في بيئة غير مزدحمة لأن تقديره للمسافات يكون مختلف عمن نشأ في بيئة مزدحمة؛ لذا من إتيكيت القيادة الحفاظ على مسافة معقولة مع بقية السيارات احتراما لمساحة صاحبها الآمنة، فهذا السلوك سيحد من الانفعالات أو ما أسمته ليندا "المخالفات غير الرسمية" حيث يتفوه الأشخاص بما لا يجب.