استطاعت الفلسفة على مر الزمان أن تكون داعمة للإنسان، من خلال الإجابة عن التساؤلات التي تراوده في كل زمان ومكان، ولذلك كانت الفلسفة وستظل هي مفتاح الإنسان للحياة. حيث قدمت لنا الفلسفة ببلاغتها وفصاحتِها فروعًا مختلفة يستطيع الإنسان أن يلجأ لها ويبنى عليها إجاباته حيال ما يقابله من تساؤلات في شتى نواحي الحياة العملية والعلمية.
ولكي تكون الفلسفة قادرة على القيام بهذا الدور، انقسمت الفلسفة إلى عدة اقسام، وهم، فلسفة التاريخ، فلسفة التربية، فلسفة الدين، فلسفة السياسة، فلسفة العلم، فلسفة اللغة، فلسفة الجمال، فلسفة الاخلاق، الميتافيزيقا، فلسفة الطب. وسنحاول خلال الفقرات التالية بتقديم تعريف موجز ببعض هذه الفروع، حتى نستطيع أن نقف على فهم صحيح ودقيق لها.
الفلسفة والتاريخ، أو فلسفة التأريخ، وهي فرع من فروع الفلسفة تُعرف بأنها تأمل يتناول طبيعة التأريخ البشري ومعناه، كما أنها البحث في المبادئ العامة التي يخضع لها تطور المجتمعات البشرية. كما تُعنى بتفسير مجرى التأريخ في ضوء نظرية عامة. وكما أوضح لنا الدكتور مصطفى النشار خلال مؤلفة «فلسفة التاريخ» أن فيلسوف التاريخ لا يتوقف عند الاحداث التاريخية الجزئية، بل يهتم أكثر بمحاولة فهم مسار الأحداث التاريخية ككل، محاولاً الوصول إلى علتها الكلية الشاملة.
فلسفة الدين، هي الدراسة العقلية للمعاني والمحاكمات التي تطرحها الأسس الدينية وتفسيراتها للظواهر الطبيعية وما وراء الطبيعة مثل الخلق والموت ووجود الخالق. وكانت لنا محاولة في هذا الفرع الفلسفي الهام من خلال مقال تكون من ثلاث أجزاء نُشِرَ هنا على البوابة تحت عنوان «الفلسفة والدين.. رؤية فلسفية للمعتقدات الدينية القديمة»، ووصلنا فيه أن الدين والفلسفة كثيرًا ما كانا شريكين أو خصمين، كما أن تعارضهما سمة مهمة جدًا في تاريخ الفلسفة، إذ الواقع أن الفلسفة لم تهمل الدين إلا في الظاهر فحسب. ففي التاريخ لم يحدث أبدًا أن ترك الواحد منهما الآخر دون أن يمسه.
الفلسفة السياسية، مبادئها هي الحكم العادل، وتنظيم الجماعة، وتحديد قواعد قيام الدولة، وتأسيسها والمحافظة عليها ضد الصراعات الداخلية والأعداء الخارجيين. ولا يكاد يوجد فيلسوف إلا وكتب في فلسفة السياسة، بدءًا من أفلاطون، ومن أبرزهم أرسطو، والفارابي، والأكويني، وسبينوزا، وهيجل، وكنط، ومكيافيللي إلخ، وكلهم من فطاحل الفلاسفة. وكانت لنا محاولة في هذا الفرع الفلسفي الزخم من خلال مقال تكون من ثلاث أجزاء نُشِرَ هنا على البوابة تحت عنوان «الفلسفة والسياسة.. رؤية فلسفية لسياسات الحضارات القديمة».
الميتافيزيقا Metaphysics، أو علم ما بعد الطبيعة هو العلم الذي يتأمل الموجودات اللامحسوسة والماورائية، وهي أيضًا معرفة الأشياء في ذاتها، لا معرفة الظواهر التي تتجلّى من خلالها هذه الأشياء، وهي دراسة الأشياء من منظور الأزل، أي من حيث هي جواهر وماهيات ثابتة وأزلية، لا من منظور تاريخي وزماني. فالميتافيزيقا عمومًا هي البحث في المطلق واللامشروط، وبحث في المبادئ والعلل الأولى لجميع الأمور.
بالإضافة إلى ذلك يمكننا تقسيم الميتافيزيقا إلى ثلاثة مباحث وهم على النحو التالي:
- مبحث الوجود (الأنطولوجي Anthology): ويسمى الأنطولوجيا او البحث في الوجود، وهو النظر في الموجود بما هو موجود، وتتفرع الانطولوجيا إلى ثلاثة فروع:
- الكسمولوجيا العقلية وهي النظر في العلم الخارجي.
- والسيكولوجيا العقلية وهي النظر في النفس.
- والثيولوجيا العقلية وهي النظر في الله.
2) مبحث المعرفة (ابستمولوجي Epistemology): ويسمى الأبستمولوجيا او البحث في المعرفة، وهو النظر في المعرفة البشرية وفي قيمتها وحدودها.
3) مبحث القيم (Cosmology): ويسمى الأكسيولوجيا (بالإنجليزية: Axiology) وهو العلم الذي يدرس علم القيم المثل العليا والقيم المطلقة، والمراد به البحث في طبيعة القيم وأصنافها ومعاييرها.
فلسفة اللغة، اتجهت هذه الفلسفة إلى تحليل التراكيب اللغوية، وتعمق مدلولاتها، لبيان انطباقها أو عدم انطباقها على المدلولات المنطقية لها. ومن مؤسسِها چورچ مور، ورسل، وفيتجشتين. ونظرية فيتجشتين في المعاني باعتبارها هي نفسها استعمالاتنا للكلمات، طورها فلاسفة أوكسفورد، ودارت مباحثهم فيما أطلقوا عليه اسم الفلسفة التحليلية، يقصدون إلى تحليل اللغة، واهتمامهم لذلك بالكلمات وتركيب الجملة، ومختلف التعابير بمختلف اللغات، وعندهم أن اللغة العادية حافلة بالتصورات ولها العديد من الوظائف، وأن معاني الكلمات يتوقف على السياق المستعملة فيه.
فلسفة التربية، سبق وأن قدمنا عرض توضيحي لهذا الفرع الفلسفي الهام خلال مقال تكون من جزآن نُشِرَ هنا على البوابة تحت عنوان «فلسفة التربية.. المفهوم والدلالة» وألحقناه بالجزء الثاني وكان عنوانه «فلسفة التربية.. البرنامج التربوي بين أفلاطون وابن رشد».
ووصلنا خلال هذا الموضوع إلى أن فلسفة التربية هي مسمي ينطبق على دراسة غرض وعملية وطبيعة التعليم والمثل العليا الخاصة به، ويمكن تعريفها بكونها تدريس وتعلم مهارات محددة، ونقل المعرفة والحكمة، وهو مفهوم أوسع من تلك المؤسسات التعليمية الاجتماعية التي كثيرًا ما نتحدث عنها. كما ان "فلسفة التربية" هي كل خطاب يقدمه الفيلسوف عن العملية التربوية في نطاق عصر فعلي من عصور تاريخ العالم، على أن يستوعب هذا الخطاب المستجدات والمعطيات والتحولات التي يمر بها العصر.
علم الجمال. علم الجمال او فلسفة الفن، مناطها التجربة الجمالية، والاحكام الجمالية. وتقول فلسفة الجمال بطريقة جمالية في النظر إلى الأشياء، وتعرفها بأنها الطريقة التي تتناقض مع الطريقة العملية التي تقوم الأشياء بمقدار ما تقدمة من منافع. والموضوع الجمالي له علاقات داخلية وعلاقات خارجية.
وكانت لنا محاولة في هذا الفرع الفلسفي الهام خلال مقال نُشِرَ هنا على البوابة تحت عنوان «فلسفة.. الفن والجمال» ووصلنا فيه أن الإنسان أبدع الآثار الجميلة قبل أن يفلسف موضعها ثم عرض للبحث فيها بالنظر العقلي ومناهجه فكانت (فلسفة الجمال) واصطنع المناهج التجريبية في دراستها فكان (علم الجمال). إذن علم الجمال قديم ومحدث في آن واحد، فهو قديم كأفكار جمالية، ولكنه محدث كعلم.
أي أن علم الجمال يقوم بنقد اعتقاداتنا المتعلقة بالمسائل الفنية. إن علم الجمال إذن هو ذلك التحدي الدائم لمعتقداتنا حيال الفن، بمعني أنه يحتم علينا بحثًا دائمًا عن شواهد جديدة. أضف إلى ذلك، إن علم الجمال هو العلم الوحيد الذي يتصدى لمشكلة القيمة في الفن بينما العلوم الأخرى تهرب أمام هذه المسأَلة الأساسية في الفن.
فلسفة الأخلاق. يهتم هذا الفرع بالنظر في منظومة القيم السلوكية الخاصة بأفراد المجتمع، وتتمثل في بناء الأسس الأخلاقية ومن ثم تمهد للإنسان الطريق الصحيح لحياة هادئة وقويمة. وجاء اهتمام فلسفة الاخلاق بتحديد الطريق الأمثل لبلوغ السعادة، كما قدمت لنا مفهوم الفضيلة، فهي بمثابة دراسة معيارية للخير والشر، والوصول إلى الحياة السعيدة المثالية المتوافقة مع طبيعتنا وطبيعة المجتمع. ويقودنا هذا الفرع الفلسفي بالحديث عما نعرفه اليوم بـ"الفلسفة التطبيقية"، ويخرج منها "الأخلاق التطبيقية" وتنقسم الأخلاق التطبيقية إلى ثلاثة أقسام:
- الأخلاق البيولوجية الطبية أو البيوطبية، وتهتم بالقضايا الأخلاقية في ميدان الطب والبحث البيولوجي الطبي.
- وأخلاق العمل أو الأخلاق المهنية، وتهتم بالقضايا التي نشأت في سياق العمل بما في ذلك الشركات متعددة الجنسيات.
- والأخلاق البيئية، وتهتم بعلاقتنا والتزاماتنا إزاء الأجيال القادمة، وإزاء الحيوانات والأنواع غير الإنسانية، وإزاء المنظومات البيئية والمحيط البيئي ككل.
وفيما يخص القسم الأول وهو مجال الأخلاق الطبية، يهتم الباحث في هذا المجال بإيضاح الفعل الذي نقوم به في الممارسة، وفي نفس الوقت محاولة التعامل مع الإنسان باعتباره ليس بآلة يمكن التعامل معها والتأثير فيها، وبالتالي لابد من التعامل مع إنسانية الإنسان وخصوصيته المرتبطة بالجسد الحي الذي نتعامل معه، إذن لابد من احترامه لأنه يشير إلى حقيقة شخصية. هذا على خلاف التعامل مع كل جسد إنساني على مبدأ العدالة، خاصة إذا كنا نواجه مشكلات من قبيل: بيع الأعضاء البشرية، وهي تجارة رائجة في المجتمعات الفقيرة.
وفي الختام، آثرنا أن يكون هذا العرض ردًا على المدعين على الفلسفة باعتبارها فرعًا نظريًا، فإن الفلسفة لا تعدم التطبيقات العملية، إذ أن التطبيقات الأكثر وضوحًا تظهر كما رأينا سابقًا في مجال الأخلاق: الأخلاق التطبيقية بشكل خاص وفي الفلسفة السياسية.
وخير ما نختم به حديثنا هو قول الدكتور عثمان أمين – رحمة الله عليه – الفلسفة في نظرنا هي الكفيلة بسد النقص، لأن الفلاسفة هم رافعو لواء القيم الروحية، وهم بناة الحضارة بمعناها الإنساني الصحيح، وهم المصلحون الحقيقيون. وكل إصلاح تم في الماضي، أو سيتم في المستقبل إنما هو أثر من آثار الفلاسفة وأحرار المفكرين. وقد صدق من قال: "لولا أحلام الفلاسفة في الأزمنة الماضية لكان الناس يعيشون إلى الآن كما كانوا يعيشون قديمًا عراة في الكهوف!".