كتبت- أماني محمد
نتائج أولية أعلنت عنها المفوضية العليا للانتخابات أمس بموافقة نحو 92% من الأكراد على انفصال إقليم كردستان عن العراق، بعد استفتاء أُجري الاثنين الماضي ومطالبات مستمرة منذ سنوات للانفصال، وهو ما يهدد وحدة العراق الذي يعاني الويلات منذ عام 2003 ، ولم تعترف الحكومة المركزية العراقية بالاستفتاء باعتباره مخالفا للدستور، مؤكدة أنها ستفرض السيطرة على الإقليم بقوة الدستور، وترفضه قوى عربية وإقليمية أبرزها تركيا وإيران.
وبعد ساعات من الاستفتاء الذي يعلق عليه الأكراد آمالهم في تحقيق حلم دولتهم المستقلة خرج رئيس الإقليم مسعد برزاني ليعلن أن النتيجة كانت لصالح الانفصال؛ مطالبا الحكومة العراقية بإجراء حوارا بدلا من التهديد، إلا أن الحكومة العراقية رفضت الأمر كلية وتفصيلا وأمهلت الإقليم ثلاثة أيام لتسليم المطارات والمنافذ وإلا تعرض لحصار جوي.
فيما ألزم مجلس النواب العراقي في جلسته المنعقدة اليوم الأربعاء، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي باتخاذ كافة الإجراءات الدستورية والقانونية للحفاظ على وحدة العراق وحماية مواطنيه وتفويضه بنشر قوات عسكرية في جميع المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك، وبدءا من الجمعة المقبل ستتوقف حركة الطائرات من وإلى أربيل، فقد أعلنت مصر والأردن ولبنان وتركيا وقف رحلاتهم الجوية مطار من وإلى أربيل.
سيناريوهات مع بعد الاستفتاء
"نتائج انتهت لصالح الانفصال لأن الغالبية تطالب بالاستقلال عن العراق، أما بغداد مركز الحكومة الفيدرالية ترفض ذلك وكذلك دور الجوار من تركيا وإيران ترفض تقسيم العراق إلى دويلات" بهذه الكلمات يبدأ الدكتور عبد المطلب النقيب أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي العراقي تحليله للاستفتاء، مضيفا أن مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان ليس له منفذ الآن لا برا ولا بحرا ولا جو ومحاصر مع جميع الجهات وخاصة بعد قرار إغلاق الأجواء من وإلى إقليم كردستان وحظر الرحلات الجوية من إيران وتركيا.
وأوضح أن احتمال التدخل العسكري والسيطرة بالقوة على المطارات والمنافذ الحدودية بالإضافة إلى المناطق المتنازع عليها وارد، مضيفا أن بالإضافة إلى الإقليم فهناك مدن متنازع عليها مثل كركوك وطوزخرماتو التابعة لمدينة صلاح الدين وكذلك خناقين التابعة لديالي والموجود بها منفذ المنذرية الحدودي.
وعن أهمية كركوك المتنازع عليها قال إن الحكومة المركزية في بغداد تريد استرداد عدة مدن منها كركوك التي هي مدينة تركمانية بالأساس، وبها تواجد عربي كردي، فازداد النزوح الكردي عليها بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، كما أنها مدينة نفطية ومن مصادر النفط القوية وستتعرض للحصار أيضا بعد أن يغلق منفذها الواصل بينها وبين ميناء جيهان التركي والذي تصدر إربيل النفط عبره إلى أنقرة.
وأشار النقيب إلى أنه خلال فترة زمنية من أسبوع إلى عشرة أيام من تطبيق الحصار سيحدث أزمة داخل الإقليم بسبب نقض المواد ويتضرر الوضع اقتصاديا، مضيفا أن الإقليم سيواجه حصارا سياسيا وعسكريا وبشكل سريع سينهار الوضع داخله ويحدث شلل لعدم وجود موارد مادية.
الموقف التركي
وأوضح أن قوات الجيش العراقي والتركي الآن متواجدة وتجري مناورات عسكرية على الحدود العراقية، مشيرا إلى تغير موقف كلا الطرفين ما بين العراق وتركيا فبعد أن طالب العبادي القوات التركية بالانسحاب من الأراضي العراقية بعد أن دخلت في عام 2015 إلى بعشيقة في الموصل الآن تجري مناورات مشتركة بينهما.
أما عن الموقف التركي فيقول المحلل السياسي العراقي أنه تحول من علاقات إيجابية مع الأكراد إلى معارض، مضيفا "الأكراد كانوا سابقا يعتمدون على العلاقات الإيجابية مع تركيا التي كانت تعارض النظام العراقي لكنها اليوم ترفض قيام دولة كردية على حدودها لأن ذلك سيهدد أمنها القومي فهي تضم نحو 20 مليون كردي في مقابل نحو 5 مليون كردي بالعراق".
"سوريا وتركيا وإيران بها أكراد وإذا وقع الانفصال في العراق قد يطالبون بنفس المصير والاستقلال عن تلك الدول" يقول أستاذ العلاقات الدولية، مضيفا المصير نفسه قد ينسحب على الموصل بعد أن صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنها كانت للدولة العثمانية وتحت سيطرتها لأربعة قرون وبعد مشاركته في تحريرها من قبضة تنظيم الدولة وقد يطالب فيما بعد بضمها إلى تركيا إذا انفصلت كردستان.
فيما يؤكد أن مصير الاستفتاء الفشل لأن القوى العربية والدولية متحدة لرفض الانفصال وأن المناورات العسكرية على حدود العراق بمثابة تأشير بالعصا الغليظة إلى كردستان، مضيفا أن
الأكراد سيواجهون خلال فترة قصيرة مشاكل ما يجعلهم إما يتراجعون أو سيسقطون في مشاكل كبيرة لن تستطيع حكومتهم السيطرة عليها.
وأوضح أنه بعد تطبيق الحصار الجوي والبري فلا سبيل أمام برزاني إلا التراجع بعد أن تغلق المنافذ الكردية فلا خروج ولا دخول ومنع السفر، فلن يستطيع الإقليم التحرك لا برا ولا جوا وسيبقوا محاصرين في مساحة 50 ألف كيلو متر، وستتحد القوى الثلاثية إيران وتركيا والعراق لعدم تنفيذ الانفصال.
المواجهة العسكرية قبل السياسية
وقال الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن الانفصال تحقق نظريا بإعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة على الانفصال، لكنه يحتاج إلى مفاوضات مباشرة حول تقسيم الأراضي بين الحكومة المركزية العراقية والحكومة الكردية وتوزيع الموارد بينهم وربما يتحقق بعد عام أو عامين، لكن الحكومة العراقية رافضة للاستفتاء ونتائجه.
وأضاف أنه إذا اختارت الحكومة المركزية العراقية المواجهة وتفويض حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء العراقي بإدارة الأمر فإن كل الخيارات مطروحة، موضحا أنه قد تتفق القوى الكردية المختلفة وتستلهم التجربة الإسرائيلية في إعلان قيام دولة لهم على الأراضي الفلسطينية عام 1948 وأن تعلن قيام دولتها اليوم في العراق وهذا سيوقعها في حصار بفعل التعاون الثلاثي الإيراني التركي العراقي.
ووصف فهمي الحصار بأنه يعني تأزم موقف الحكومة الكردية ولن تهدأ الأوضاع بعده، مضيفا أن المواجهة العسكرية تسبق الخيارات السياسية في هذه الأزمة ووارد حدوث المواجهة والتدخل العسكري في كردستان وهذا تشير إليه المناورات التركية الإيرانية العراقية على الحدود العراقية في هذا التوقيت.
وقال إن إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حصوله على دعم مباشر من البرلمان العراقي في إرسال قوات عسكرية إلى كركوك يعني أن الخيار العسكري المباشر وارد لكي لا يقع الانفصال، مشيرا إلى ما وقع خلال التسعينيات من القرن الماضي خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين وكان نظامه وقتها قويا ففشل الأكراد في إقامة دولتهم بعد أن سحب حسين قوات الجيش من مدة عدة وقتها أبرزها أربيل.
وعد بلفور كردي
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن الأكراد اليوم انتهزوا الفرصة واستقووا بالخارج فالجانب لأمريكي لم يعارض الانفصال بل طالب فقط بتأجيل الاستفتاء ولم يرفضوه، مضيفا أن إسرائيل أعلنت صراحة دعمها للدولة الكردية وربما يكون صدر ما يشبه وعد بلفور الأمريكي بموافقة الولايات المتحدة على إنشاء دولة للأكراد.
وعن احتمالية تكرار ما حدث مع جنوب السودان وانفصال كردستان، قال إن الحالة السودانية مختلفة وحق تقرير المصير أعطى الجنوب دولة سودانية منفصلة عن الشمال، أما الأكراد يحاولون إنشاء دولة منذ سنوات طويلة وفشلوا، ونتيجة الاستفتاء نجحت نظريا في الانفصال لكن يبقى مقومات دولة وهو أمر يفوق الإمكانيات الكردية في الوقت الحالي.