قد يُصاب القارئ الكريم بالدهشة عندما تقع عينه على العنوان، ولعله يتساءل ما معنى هذا العنوان، ما هي علاقة الفلسفة بالصحافة؟ وقد يظن أحد القُرّاء أننا سنتحدث عن الصحافة، من خلال بيان طرق ومناهج دراستها للوقائع والأحداث.
ولكن مقصدنا في هذا المقال يتمثل في كيف للصحافة بدورها التثقيفي والإعلامي، أن تجعل الفلسفة في متناول الجميع، بعيدة كل البعد عن التعقيد.
والسؤال الآن، هل الفلسفة تستحق هذا؟ وبعبارة أخرى، هل ما تقدمه لنا الفلسفة يستحق أن يستقطع القارئ جزء من وقته لفهمها وقراءتها؟ كل هذه التساؤلات وأكثر منها تراود البعض منا عندما تقع على سمعه كلمة فلسفة.
دعونا نتفق في البداية أن الثقافة الحقيقة لن ولم تكتمل، وتصل إلى مرحلة الثقافة الحقيقة الجادة دون قراءة وفهم الفلسفة. وهو ما ذكرناه في مقال سابق بعنوان «الفلسفة كما يجب أنّ تُفهم» – نُشِرَ هنا على «بوابة دار الهلال» – أن الفلسفة من أكبر الفروع الثقافية اتساعًا، حيث يمكن للقارئ أن يستثمر فيه وقت الفراغ، وأن يخرج منه بمحصلة معرفية وثقافية لا بأس بها. كما إن الفلسفة هي أحد فروع العلوم الإنسانية، بل هي اهم واشمل فرع من العلوم الإنسانية، إن الفلسفة هي أم العلوم.
أضف إلى ذلك عزيزي أن الفلسفة وحدها هي من تستطيع أن تقدم لنا دراسة جادة وصادقة عن الواقع، ولقد استطاع الإنسان بواسطة الفلسفة أن يتغلب على استبداد الأقدار به، وسيطرة الخرافات على ذهنه، وتهديد الطبيعة لمقومات حياته، وهو ما يظهر طوال تاريخ الفكر، بل أنها تمثل الأساس الذي أٌقيم عليه تاريخ الفكر الإنساني بأكمله.
فلك أن تتخيل أيها القارئ الكريم أن الفلسفة كانت ولا زالت بمثابة الدواء الشافي الكافي لمنغصات الحياة.
كما أنها سلاح من أسلحة معركة الفكر والتنوير والثقافة الجادة الحاقة، ولكننا في حاجة إلى الفلسفة من نوع معين، فلسفة تُعلمنا معاني الكفاح والتضحية، وتجعلنا نؤمن بإمكانيات الواقع وتُحيي آمال المستقبل في نفوسنا، وتبث فيها الثقة بحتمية النصر.
ولعل القارئ الكريم قد يتساءل هنا، وكيف لي أن اقرأ الفلسفة وبها الكثير من التعقيدات والمصطلحات الغير مفهومه؟ وهذا عين ما نقصده، مقصدنا هنا أن نجعل الفلسفة كما ذكرنا في الأعلى في متناول الجميع وبلغة سهله وواضحة بعيدة كل البعد عن التعقيد. حتى يسهُل على مُرديها أن يذوقوها، فهي كالعسل المصفى إذا أحسنت فهمها، وقرأتها من أقلام ذات فكر سليم قويم، وقد تكون كالحَنْظَل، مر المذاق، تقشعر له الأبدان، إلى أن تصيبك بالموت، إذا أسئت فهمها، وتناولتها من كتابات منغلقة الفكر، سطحية الفهم.
وتحقيقًا لهذا لابد وأن نرى الفلسفة على المنابر الصحفية، سواء على صفحات الجرائد، والمجلات، أو مواقعها الإلكترونية.
وذلك من خلال تخصيص مساحة مناسبة تستحقها الفلسفة، من اجل تحقيق النشر الثقافي السليم، والوعي الفلسفي الحقيقي المُيسر. ويتولى الكتابة في هذه المساحة المتخصص والباحث في الفلسفة، ولا كلمة لغير المتخصص، فالمتخصص أولى بتخصصه.
وإحقاقًا للحق، ودون تحيز مني، الفلسفة لابد وأن تكون في أذهان الناس جميعًا قبل أن تكون على ألسنتهم، طبقًا لأهميتها التي بيناها سابقًا.
ولن يتحقق هذا الحلم، ولن ينعم القُرّاء بفهم مبسط وصحيح للفلسفة، ما لم يُكرس لها المساحة التي تستحقها على صفحات ومواقع الجرائد والمجلات.
وللاستزادة والقراءة حول الدور الحقيقي والمحوري للفلسفة، أدعوك صديقي القارئ إلى قراءة ما كتبته وهو عبارة عن سلسلة تعريفية للفلسفة، لعلها تكون ذا فائدة، منشورة على بوابة «دار الهلال» الإلكترونية، أولها المقال المذكور أعلاه «الفلسفة كما يجب أنّ تُفهم»، «الفلسفة علم قراءة الحياة»، «الاستشارة الفلسفية»، «العلاج بالفلسفة.. حقيقة ام خيال؟»، وأيضًا ما كتبناه بعد هذه السلسلة بعنوان «بلاغة الفلسفة وفصاحتها».
فكان مبتغانا خلال هذه المقالات الخمسة – وغيرها مما نكتبه في الحقل الفلسفي – أن نُقدم وجبه فلسفية خفيفة، ذات عناصر ثقافية متوازنة، وفي الوقت ذاته تحمل مقومات الثقافة الحقيقة السليمة.
وللحديث بقية، وستجمعنا بوابة «دار الهلال» في جولة فلسفية أخرى، أو عرض مُؤَلَّف فلسفي جديد، إن قدر لنا الله البقاء واللقاء.