الخميس 16 مايو 2024

ثقافتنا الراهنة .. وجمهوريتنا الجديدة

مقالات1-5-2024 | 14:11

رسمت الدولة خرائطَ واقعٍ مُغاير، تخاطب فيه العالم بلغةٍ حديثة ونظرةٍ ثاقبة ونبضٍ متحضر، بهدف التعاطي الإيجابي مع ما يحقق لهذا الشعب العريق حياةً كريمة لا تنال منها الصِّعَاب ثمَّة علاقة وثيقة بين المرحلة الراهنة التي نحياها، وثقافتنا الراهنة التي نطالعها ونتنفس منها، ونستشرف آفاق مستقبلنا من خلالها، فهي تمثل الدعم الحقيقي والوعي الحاضر والرؤى العميقة، بحيث لا يمكن لنا أن نُفرِّط فيها أو نتهاون بشأنها أو نقلل من قيمتها وقَدْرها.

من أجل ذلك استجابت قيادتنا لطبيعة المرحلة – عبر جمهوريتنا الجديدة – وعملت على دعم هذا الشِّق الثقافي بكل ما أُتِيحَ لها من إمكانات، وقد حافظت على المنجز السابق بكل مشتملاته من أدب وفكر وفن وإعلام، وفي هذا الصدد كانت الدولة سبَّاقة إلى إثبات وجودها على الساحة العربية والدولية؛ فشاهدنا مَعْرِض القاهرة الدولي للكتاب يطأ أرضًا جديدة بالتجمع الخامس، في نظام غير مسبوق لفت ذائقة التلقي من مختلف بقاع العالم، ويُحْسَب للمعرض التزامه بزيادة عدد الدول المُشَارِكة، وتزَايُد الفعاليات الأدبية والفنية والفكرية بأمسياتٍ يحضرها قامات كبيرة من وطننا وكل أقطارنا العربية.

ولعلنا نذكر أن معرض الكتاب الماضي (2024) ضم نحو ألف ومائتي ناشر من مختلف دول العالم، وهو أمرٌ يجب أن نثمنه غاليًا، ذلك أن هذا التصاعد – النوعي والكمي – من شأنه أن يعمل على الارتقاء بالتبادل الثقافي بين الشعوب والأمم، ويدعم نوافذ الترجمة، ويُعْلي من شأن الإنسان بشكلٍ عام، كما يؤكد احترام الآخر أيًا كان توجهه واتجاهه وعقيدته وأيديولوجيته.

في جمهورينا الجديدة رسمت الدولة خرائطَ واقعٍ مُغاير، تخاطب فيه العالم بلغةٍ حديثة ونظرةٍ ثاقبة ونبضٍ متحضر، وهي – بذلك – تهدف إلى التعاطي الإيجابي مع ما يتطلبه الوضع، ومع ما تراه من مصالح تحقق لهذا الشعب العريق حياةً كريمة لا تنال منها الصِّعَاب، ولا يقوضها النَّصَب واللغُوب.

الدولة تدرك – في ظل الجمهورية الجديدة – أهمية الثقافة، وحتمية تطورها ومواكبتها للمتغيرات الدولية، لذا فقد عَمِلت على الارتقاء بها في كل جوانبها، مع حمايتها من كل مالا يتفق وخصوصيتنا التي تنطلق من ديننا وجذورنا وهُويتنا؛ تلك الهُوية التي تسهم الثقافة في تأصيلها وتأكيدها وإرساء قواعدها.

ومن الجميل أن قيادتنا تعي ذلك جيدًا، ففي الوقت الذي تنطلق فيه نحو الثقافة لا تفرط في بَنَاننا المتميز وبصمتنا المائزة. الهدف – في النهاية – ألا نعيش في عُزلة عن عالم سريع الإيقاع؛ يأتي كل يومٍ بجديد في كل مجالات الحياة ومناحيها ويتطور تطورًا رهيبًا؛ والعزلة – في تلك الأجواء – لن تؤدي إلا إلى التخلف عن هذا الركب النهضوي والتكنولوجي المتلاحق. هناك طموحاتٍ مشروعة لا يمكن التقليل من شأنها، وأُولى هذي الطموحات تتمثل في الاستمرارية في هذا الاتجاه ولكن بحذر، بحيث لا يتمكن أحدٌ من ضرب تميزنا أو اقتلاع جذورنا أو تهديد وجودنا. هنا لابد لنا أن نلقي بعض الضوء على بعض أجنحة المؤسسة الثقافية في مصر، وأهم وأدوارها المنوطة بها لتحقيق رؤية القيادة السياسية وأهداف الوطن.

لدينا العديد من أجنحة وزارة الثقافة؛ كالمجلس الأعلى للثقافة بلجانه المتعددة والتي تسهم في إثراء واقعنا الراهن بمنح الجوائز كجائزة النيل والتي تمنح في مجالات العلوم الاجتماعية والفنون والآداب، وجائزة الدولة التقديرية في نفس المجالات، وجائزة الدولة التشجيعية والتي خصصتها الدولة لمجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية؛ بالإضافة إلى العلوم الاقتصادية والقانونية، وغيرها من الجوائز. ويُحْسَب للمجلس قيامه بتنظيم المؤتمرات الدولية بهدف إيجاد نوعٍ من التواصل بين المبدعين في كافة أنجاء العالم، وهو التواصل الذي يزيد من معرفة الآخر عن قُرب.

ولا يمكن أن نغفل دور أجنحة الثقافة الأخرى مثل أكاديمية الفنون، وهي التي تقوم بتدريس الفنون إنطلاقًا من الحفاظ على تراثنا – في هذا الخصوص – وقوميتنا. وهناك هيئة قصور الثقافة التي يتطور إسهامها في هذه الآونة، فتواصل دعم إصداراتها في مختلف ألوان الأدب؛ على سبيل المثال:

الروايات، والمجموعات القصصية، والدواوين الشعرية، وهي في هذه الإصدارات لا تنحاز إلى لونٍ أدبي بعينه، بل تفسح الطريق أمام نشر الروايات والمجموعات القصصية الواقعية والتجريبية على حدٍ سواء، كما تشجع القصيدة العمودية بنفس القدر الذي تشجع فيه شعر التفعيلة وقصيدة النثر؛ وذلك بالفصحى والعامية المصرية. ولا ينسى المتابع لمجلة "الثقافة الجديدة" ما وصلت إليه من تحديثٍ جعلها في طليعة المجلات الأدبية، التي تفتح ذراعيها للمواهب الشبابية مثلما ترحب بالإبداعات الراسخة.

ولأن الدولة تؤمن بأهمية الترجمة كنافذة على فكر الآخر وإبداعه، فقد دعمت المركز القومي للترجمة، ليقدم للقارئ المصري والعربي الجديد من نتاج العالم؛ فلديها مشروعها القومي الذي يؤكد على حقيقة أن مصر لا تعيش بمعزل عن العالم، بل تتحاور معه وتدعوه إلى المشاركة في رؤية عصرية تنبذ العنف وتُقصي خِطاب الكراهية.

أعتقد أن الحديث – في هذا الأمر – قد يطول، بحيث لا تسمح به المساحة المُخَصصة، ذلك أن ثقافتنا المصرية لا تتملق أحدًا ولا تجابه رأيًا؛ إنها تدعو – صراحةً وضمنًا – إلى التعايش الآمن بين الجميع على هذا الكوكب الأرضي المترع بالصراعات، من هنا تدعو ثقافتنا إلى عودة الحقوق لأصحابها، وعدم تدخل البعض في شؤون البعض الآخر.

جمهوريتنا الجديدة ماضية – عبر ثقافتنا الراهنة – إلى مواكبة كل جديد، وإلى شحذ الهمم والعزائم، وإلى تحفيز النشء والشباب على الارتقاء بمواهبهم في مختلف ألوان الفنون والثقافة، لأنها تعلم أن هؤلاء يمثلون الأمل والمستقبل.

جمهوريتنا الجديدة تريد تربية جيلٍ على حب الخير والتعاون مع الغير، وأن الدفاع عن الوطن يمثل قدسية وقداسة، وأن العلاقة بين أبناء الوطن الواحد ينبغي ألا يشوبها أي تباغُض أو تنازُع، مهما اختلف الفكر أو الرأي أو المعتقد. يبدو ذلك جليًا من خلال حرص الدولة الشديد على تحقيق هذا الهدف، وتحويله إلى نورٍ يملأ سماء وأرض الوطن.