الخميس 21 نوفمبر 2024

مقالات

الهوية والترجمة بين العربية والروسية

  • 6-6-2024 | 09:59
طباعة

يعتبر موضوع حركة الترجمة بين الروسية والعربية موضعا حيويا نظراً إلى عديد من الروابط التاريخية بين الثقافتين ومرورها بمراحل عديدة من حيث القوة والضعف وتأثير الظروف السياسية.

وإذا استحضرنا تلك المراحل فإنه يمكننا الوقوف على العديد من النماذج والأمثلة.

حيث بدأ الاحتكاك الحقيقي من جانب الروس بالثقافة العربية في القرن الثامن عشر الميلادي في عهد القيصر الروسي بطرس الأول الذي أعطى توجيهاته بنسخ الكتابات العربية وترجمتها ونشرها.

وبتوجيه من القيصر نشأت أولى مدارس الترجمة للمستعربين. أما في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، في عهد الإمبراطورة يكاترينا الثانية، دخلت اللغة العربية في مناهج المدارس الثانوية في بعض المدن الروسية (مثل استراخان).

وتعود الانطلاقة الحقيقية في تأثر الروس بالثقافة العربية والاهتمام بالترجمة من اللغة العربية إلى بداية القرن التاسع عشر الميلادي. ففي عام 1804م تم إدخال تدريس اللغات الشرقية في الجامعات الروسية، وتأسست أولى أقسام اللغة العربية في خاركوف وقازان وفيما بعد في موسكو.

ويمكن اعتبار عام 1817م أحد مراحل الاحتكاك الحيوي بالثقافة العربية في روسيا ففي هذا العام تأسس "المتحف الأسيوي" في بطرسبرج على يد أحد أكبر المستشرقين في ذلك الحين خ .د. فرين، الذي قام بدراسة المراجع العربية في تاريخ بلاد الروس واقتنى "المتحف الأسيوي" مجموعة كبيرة من المخطوطات العربية، والتي اغتنت عام 1825م بمجموعة أخرى.

واستمر تزويد المتحف الأسيوي بالمخطوطات العربية الجديدة سواء بشكل منفرد أو على شكل مجموعات كاملة قُدمت كهدايا للمتحف من أشخاص معظمهم كانوا من الدبلوماسيين في بلاد المشرق. وقد تحول المتحف الأسيوي إلى معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية (فرع لينينجراد).

وفيما بعد في عام 1854م تأسست كلية اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورج، والتي احتوت على قسم اللغة العربية وآدابها وكان ف. ر. روزن  أبرز علماء الاستشراق الروسي، ومعلم لجيل كامل من المستعربين الروس عميدا لهذه الكلية لسنوات عديدة وكان من أوائل خريجيها ف.ف. جرجاس الذي ألف قاموساً شهيراً وكتاب "مختارات" الذي كان مرجعاً لعدة أجيال من المستعربين الروس. 

وتأثر بالثقافة العربية والأدب العربي كبار الأدباء الروس في القرن التاسع عشر وعلى رأسهم أمير الشعراء الروس ألكسندر بوشكين والكاتب والشاعر الكبير ميخائيل ليرمنتوف وكذلك الأديب الروسي العظيم ذو الشهرة العالمية ليف تولستوي الذين تعرفوا على الشرق وآدابه عن طريق الترجمة من العربية نفسها أو عن طريق ترجمة وسيطة. بل وانعكس ذلك في الكثير من أعمالهم الأدبية.

وظهر هذا التأثر أيضا على أدباء القرن العشرين وشعرائه من الروس، فقد تحدث عن سحر الشرق وعن جمال مصر وعن ضفاف النيل كل من الشعراء الروس أنا أخماتوفا وبريوسوف وخليبنكوف وروزانوف وبونين وبلوك وغيرهم، وقد صور كل منهم مصر في قصائدهم بطريقته الخاصة، فالمثقفون الروس يدركون تماما أنه لابد وأن يولد في روسيا التي تعتبر ملتقى للحضارتين الشرقية والغربية، حبا خاصا لمصر باعتبارها أعظم دولة في الشرق والتي تنظر إليها الثقافة الغربية أنها موطن الجمال والحكمة.

قام المترجمون العرب بترجمة القصص والروايات العظيمة والأعمال الأدبية المتميزة لكبار الأدباء والمبدعين الروس إلى العربية، ولو خصصنا بالذكر المترجمين المصريين فيمكننا الحديث عن المترجم المصري الكبير وأستاذ الأدب الروسي د. أبو بكر يوسف الذي قام بترجمة روائع الأدب الروسي الكلاسيكي من الروسية إلى العربية ومنها أعمال مختارة للأديب الروسي الكبير أنطون تشيخوف في ستة مجلدات إلى اللغة العربية ثم ترجمة كتاب كامل أو ديوان كامل للشاعر الروسي المعروف ألكسندر بلوك وقدم ترجمات لأدب الأطفال.

حيث قام بترجمة قصص وروايات قصيرة وحكايات وكتب مصورة للأطفال بأقلام مشاهير الكتاب الروس المتخصصين في أدب الطفل وقد قُدّمت للمكتبة العربية في هذا المجال حوالي ثلاثين كتاب من كتب الأطفال والتي أثرت المكتبة بهذا النوع أو بهذا الجنس الأدبي الفريد، وفي هذا الصدد فقد أشار د/ أبو بكر يوسف رحمه الله أنه بالإضافة إلى ذلك عمل في "كتابة المقالات الأدبية التي تنشر في الصحافة العربية وخاصة في صحيفة أخبار الأدب القاهرية والتي تلعب دورا كبيرا في تعريف القارئ العربي بمشاهير الكتاب والأدباء الروس وما قدموا من رصيد وما قدموا من إثراء للثقافة العالمية". 

أما الدكتورة سمية عفيفي، المترجمة المصرية والأستاذة بجامعة عين شمس والمعروفة بترجماتها لمعاني القرآن الكريم قامت بترجمات للعديد من الأعمال الأدبية، من ترجمة لقصص الأطفال والمسرحيات الروسية البارزة مثل (شهر في قرية) و(الأعزب) و(الريفية) لإيفان تورجينيف، و(مؤامرة الإمبراطورة) لألكسي تولستوي و(وداع في يونيو) لألكسندر فامبيلوف بالإضافة إلى 4 كتيبات للروسية عن العبادات الإسلامية وترجماتها العظيمة لمعاني القرآن الكريم من عام 1995 إلى عام 2000م حيث قامت د/سمية بترجمة 24 جزءا، بينما ترجم الأجزاء المتبقية الدكتور عبدالسلام المنسي.

جدير بالذكر أن دكتور أبوبكر يوسف ودكتورة سمية عفيفي وأمثالهم من المترجمين العرب قد توفرت لديهم كل الإمكانات التي تساعد المترجم على المزيد من الإبداع منها التمويل المناسب ووجود دور النشر السوفييتية حينذاك مثل دار (رادوجا) و(التقدم) واللاتي اهتمتا بالترجمات إلى اللغة العربية واللغات الأخرى.

وعلى الجانب الآخر قام المترجمون والمستعربون الروس بترجمة الأعمال الأدبية العربية وخاصة المصرية لكبار الأدباء المصريين إلى الروسية والتي بدأت منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ومنها رواية "زينب" للكاتب محمد حسنين هيكل، والتي تمثل أولى مراحل الرواية الواقعية المصرية والتي تتناول حياة الفلاحين المصريين ومعاناتهم والذي أطلق عليهم هيكل ملح الأرض المصرية.

أما أعمال الكاتب المصري العالمي نجيب محفوظ، الحاصل على جائزة نوبل ومؤسس الأدب المصري المعاصر فقد نالت حظا وفيرا من الترجمة إلى الروسية حيث يعتبر نجيب محفوظ من أهم الأدباء الذين لهم مكانة وشهرة ملحوظة بين المثقفين والقراء الروس، فقد أعدت رسائل ماجيستير ودكتوراه من قبل الباحثين الروس تتناول الجوانب المختلفة للسيرة الذاتية للكاتب وكذلك إبداعه ومؤلفاته، بالإضافة إلى الدراسات المقارنة التي قام بها كل من الباحثين العرب والروس، وفي هذا الصدد يذكر الناقد الكبير الدكتور أحمد الخميسي "رسالة دكتوراه للباحث الروسي المعروف روشين بعنوان: الثلاثية إبداع الواقعية النقدية" 1967، وكذلك ما قدمته المستشرقة المعروفة فالنتينا تشيرنوفسكايا من دراسات عن الكاتب في كتابها "الإنتلجنسيا المصرية" تحت عنوان "نموذج المثقف المصري في رواية "المرايا". والذي صدر عام 1979 بموسكو عن دار نشر العلم".

تعتبر فاليريا كيربتشنكو من أبرز المستعربات الروسيات اللائي تناولن إبداع نجيب محفوظ بشكل عميق، حيث قامت بدراسات كثيرة وطويلة وعميقة تناولت فيها بالتحليل والنقد العديد من روايات الكاتب ومنها (اللص والكلاب) عام 1961، و(ميرامار) عام 1967. ومن أبرز الكتب التي ظهرت لدى المستعربة كيربتشنكو «البحث عن الطريق: دراسة في روايات نجيب محفوظ القصيرة»، وأخذت الدراسة من كتاب صدر في موسكو عام 1978 للمؤلفة بعنوان «الأدب المصري في الستينييات والسبعينيات» عن دار نشر «العلم». وللاهتمام بنجيب محفوظ، كأبرز روائي عربي في الاستعراب الروسي ومكانته في الأدب العربي وبعد ظهور الثلاثية الشهيرة قامت كيربتشنكو بترجمة روايتين لمحفوظ، الرواية الأولى كانت (المرايا) وقد صدرت الترجمة في 1975م، والثانية رواية (أولاد حارتنا) التي صدرت منها 50 ألف نسخة في عام 1990.

كما ترجمت مجموعة الكاتب القصصية بعنوان (أحلام فترة النقاهة)، وبالإضافة إلى ذلك قامت المستعربة الكبيرة بتأليف عدد من الكتب في الأدب العربي من بينها "النثر المصري المعاصر" و"نجيب محفوظ أمير الشرق الأوسط" و"تاريخ الأدب المصري في القرنين التاسع عشر والعشرين" بمجلدين. وعلاوة على ذلك ترجمت فاليريا كيربتشنكو "سيرة السلطان الظاهر بيبرس" و" تخليص اﻹﺑﺮﻳﺰ ﻓﻲ ﺗﻠﺨﻴﺺ ﺑﺎرﻳﺰ" لرفاعة الطهطاوي بقلم رفعت التختوي إلى اللغة الروسية.

هناك العديد من المؤلفات الأدبية للعديد من الأدباء المصريين تم ترجمتها إلى الروسية وعلى رأسهم عبدالرحمن الشرقاوي وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وطه حسين، والذين على الرغم من تنوع إنتاجهم الأدبي والفكري، كان يجمعهم شيء واحد وهو تصوير المواطن المصري البسيط، من العمال والفلاحين والموظفين البسطاء والمجندين وقاطني الأزقة والحواري الفقيرة.

فعلى سبيل المثال من أبرز الأعمال التي تُرجمت للكاتب توفيق الحكيم والتي تعرف من خلالها القارئ الروسي على الواقع المصري هي (عودة الروح) التي تُرجمت إلى الروسية عام 1935 ونشرت في ليينجراد في العهد السوفييتي والتي قام بترجمتها المستعرب الروسي ميخائيل ألكسندروفتش ساليه الذي ترجم أيضا الحكايات الكاملة لألف ليلة ولية، كما تُرجمت (يوميات نائب بالأرياف) إلى الروسية عام 1961، كما تُرجمت أعمال أخرى مثل (السلطان الحائر) و(الأيدي الناعمة) وغيرها.

أما الكاتب الكبير وعميد الأدب العربي طه حسين، فقد كان له مكانته بين المثقفين الروس، فقد اتجهوا إلى ترجمة أعماله الرائعة، وعلى رأسها كتاب (الأيام) والذي يعكس السيرة الذاتية والحياتية للكاتب، فقد قام العالم المستعرب الكبير أجناتي كراتشكوفسكي بترجمة الجزئين الأول والثاني من الكتاب إلى الروسية، بينما قام المترجم ستيبانوف بترجمة الجزء الثالث، أما رواية (دعاء الكروان) فقد قام بترجمتها المستعربة الروسية ستيفانوفا.  

ولم تتوقف عملية الترجمة للأدب المصري عند هذه الرموز الكبيرة من الأدباء والمبدعين، وإنما تُرجمت الأعمال الأدبية لأجيال أخرى معاصرة من المبدعين المصريين، ومنهم الكاتب بهاء طاهر والذي تُرجمت بعض أعماله إلى الروسية، ومنها رواية (حب في المنفى) والتي نقلتها إلى الروسية المستشرقة الكبيرة فاليريا كيربتشنكو، وكذلك صنع الله إبراهيم والذي تُرجمت روايته (اللجنة) إلى الروسية على يد ديميتري أرلوف وتاتيانا أبالينسكايا، وينتمي كلا الكاتبان إلى ما يسمى بجيل "الموجة الجديدة" في الأدب المصري، ولا يزال الروس لم يغفلون عن الأدب المصري وعن مبدعيه، وتتوالى التراجم والتي تلعب الدور الأبرز في تفاعل الحضارات والثقافات، وفي ضوء ذلك يمكن الإشارة إلى آخر هذه الجهود وهي ترجمات د.فكتوريا زاراتوفسكايا التي دخلت ميدان الترجمة منذ سنوات قليلة وقامت بترجمة أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ بالإضافة إلى روايات من الأدب العربي المعاصر حيث قامت زاراتوفسكايا مؤخرا بترجمة روايتي (عمارة يعقوبيان) و(شيكاغو) للكاتب المصري علاء الأسواني والتي حازت على تقدير الجمهور العربي ليس كرواية فحسب، بل وكفيلم سينمائي يحمل نفس العنوان، وتعتبر هذه الترجمة من التراجم الروسية القليلة للأدب العربي المعاصر.

وقد لاقت الرواية صدى واهتماما بين القراء الروس. وأيضا تُرجمت رواية (عزازيل) عام 2013م ورواية (النبطي) عام 2015م للكاتب يوسف زيدان إلى الروسية والتي قام بها د/ محمد نصر الدين الجبالي، أستاذ الأدب الروسي بجامعة عين شمس.

ويمكن الإشارة إلى أن غالبية الأعمال الإبداعية التي ترجمت من العربية إلى الروسية، يجري التعامل معها أيضا كمواد لتعليم اللغة العربية لطلاب معاهد الاستشراق والاستعراب، وهذا يوضح مدى أهمية هذه الأعمال لدى الجانب الروسي، ويكشف بدرجات ما عن نظرة الأوساط الأدبية والإبداعية الروسية إلى الأعمال الإبداعية العربية وخاصة المصرية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة