الجمعة 23 اغسطس 2024

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الثاني «في مدرسة الثلاثة الأقمار» (7-3)

جرجي زيدان

ثقافة21-8-2024 | 14:04

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

تفتح هذه المذكرات نافذة فريدة على حياة رجل استثنائي شق طريقه من أزقة بيروت الضيقة إلى آفاق المعرفة الرحبة، إن إعادة نشر هذه المذكرات اليوم لا تقتصر على مجرد الاحتفاء بذكراه، بل تمثل دعوة للأجيال الجديدة لاستلهام روح الإبداع والتحدي التي جسدها زيدان في حياته وأعماله، تروي هذه الصفحات رحلة ملهمة لفتى طموح تحول إلى رائد نهضوي غيّر وجه الثقافة العربية.

ويروي جرجي زيدان في الفصل الثاني قصة السنين الأولى في حياته الدراسية وما تخللها من ظروف وملابسات ومشاهدات، وما تلاها من اضطراره إلى ترك المدرسة لمساعدة والده، ومحاولاته تعلم صناعة من الصناعات فترة من الوقت، وما كان للقصص الشعبية من أثر في نفسه، وماذا كانت عليه الآداب العامة في بيروت في ذلك الحين، وهو يصف ما شاهده من ذلك بأسلوب يمتاز بالبساطة والصراحة والإيمان بالنجاح

الفصل الثاني: في مدرسة الثلاثة الأقمار

وكانت لهذه المدرسة شهرة حسنة، لكن مدتها لم تطل كثيرًا، ولا نعلم السبب، ولكنني أذكر أنها أغلقت وأنا في نحو التاسعة من عمري ( سنة 1870) - وأسف الآهلون لتعطيلها، لأن طريقة التعليم كانت حسنة فيها

خرجت منها وأنا أعرف مبادئ الصرف والنحو والخط والحساب، وقليلًا جدًّا من اللغة الفرنسية، وأشار أساتذة تلك المدرسة يومئذ على الآباء أن يرسلوا أولادهم إلى مدرسة «الثلاثة الأقمار» للروم الأرثوذكس، وكان المعلم ظاهر قد تعين فيها ناظرًا أو معلمًا، فشهرته ساعدت على انتقال أكثر تلامذة مدرسة الشوام إلى هناك، ثم ما لبث أن أنشأ لنفسه مدرسة انتقلت إليها، وكان المعلم ظاهر شديد العناية في تعليم التلامذة محافظة على شهرة مدرسته والتماسا لنجاحها، وكانت تعلم اللغة العربية والحساب واللغة الفرنسية

قضيت في هذه المدرسة نحو سنتين، وقد أخذت أتذوق العلم وأتفهمه، ولا هم لي غير الدرس، وقد خالفت سائر التلامذة من حيث اللعب، لأني لم أكن ميالا للهو مطلقًا، وكنت أعد ذلك نقصًا فيّ، فلم أكن أطير الطيارة، ولا ألعب بالطابة (الكورة) ولا بالكلة (البلية) إلا نادرًا، وقد أقف للفرجة أو أرافق التلامذة إذا خرجوا لتطعيم طيارة ضخمة، كان يجتمع إليها أبناء الحي فأتبعهم وأنا معجب بمهارتهم في صنع الطيارة أو تطييرها.