الأحد 18 اغسطس 2024

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الثاني «كيف بدأت أفهم» (7-2)

جرجي زيدان

ثقافة18-8-2024 | 10:27

بيمن خلي

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

تفتح هذه المذكرات نافذة فريدة على حياة رجل استثنائي شق طريقه من أزقة بيروت الضيقة إلى آفاق المعرفة الرحبة، إن إعادة نشر هذه المذكرات اليوم لا تقتصر على مجرد الاحتفاء بذكراه، بل تمثل دعوة للأجيال الجديدة لاستلهام روح الإبداع والتحدي التي جسدها زيدان في حياته وأعماله، تروي هذه الصفحات رحلة ملهمة لفتى طموح تحول إلى رائد نهضوي غيّر وجه الثقافة العربية.

ويروي جرجي زيدان في الفصل الثاني قصة السنين الأولى في حياته الدراسية وما تخللها من ظروف وملابسات ومشاهدات، وما تلاها من اضطراره إلى ترك المدرسة لمساعدة والده، ومحاولاته تعلم صناعة من الصناعات فترة من الوقت، وما كان للقصص الشعبية من أثر في نفسه، وماذا كانت عليه الآداب العامة في بيروت في ذلك الحين، وهو يصف ما شاهده من ذلك بأسلوب يمتاز بالبساطة والصراحة والإيمان بالنجاح

الفصل الثاني: كيف بدأت أفهم

ولم يكن ذلك ليكفي مطمع والدي في تعليمي، لأني لم أتعلم الكتابة والحساب بعد، فلا أستطيع كتابة اسم شخص وأضع بجانبه ما يطلبه.. فنقلني من تلك المدرسة العامرة، إلى مدرسة كانت قد فتحت حديثًا في بيروت، تعرف بمدرسة الشوام، نسبة إلى أهل الشام، لأن الذين قاموا بإنشائها جماعة من أدباء دمشق، نزحوا منها إلى بيروت على أثر المذابح التي حدثت سنة 1860 وفي هذه المدرسة أخذت بعض مبادئ الحساب والنحو والخط وابتدأت أفهم، وفتحت عیني

وكان لأساتذتها عناية كبرى بالتعليم، واشتهرت في التربية على الخصوص، بصرامة قوانينها، ولا قوانين هناك غير إرادة الناظر أو كبير المعلمين، وهو يومئذ «المعلم ظاهر خير الله الشوري» وكان شديد اللهجة عظيم الهيبة، وأصله بناء، وفيه ذكاء، فتعلم وتثقف على نفسه وصار معلما براتب حسن،  وكان التلامذة يهابونه ويخافون صوته، وكان يعلم الحساب والنحو وهو ماهر فيهما على الخصوص، وكان من معلمي النحو هناك أيضا معلم آخر اسمه «إلياس الخوري» صار قاضيا بالكورة بعد ذلك، ومعلم من «بيت نوفل» يسمى «جورج راجحة».. وآخر من «بيت عاصي» لا أذكر اسمه.