كعادتها تواصل الولايات المتحدة الأمريكية بث التفاؤل حول مفاوضات التهدئة القائمة بين حركة حماس وإسرائيل، حيث تشير إلى قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، في حين تؤكد وسائل إعلام عبرية بأن المفاوضات على وشك الإنهيار في ظل تصرف الحكومة الإسرائيلية بناء على اعتبارات سياسية، ما يضفي المزيد من الضبابية حول المشهد.
يأتي ذلك في وقت تزايدت الضغوط فيه بشكل غير مسبوق على الحكومة الإسرائيلية، للموافقة على عقد صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، وذلك على إثر العثور على جثث ستة محتجزين إسرائيليين في قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي، ما يعد حلقة جديدة في سلسلة فشل الجيش الإسرائيلي التي مني بها خلال حربه المتواصلة على القطاع.
مسار التهدئة في غزة
يقول الرئيس الأمريكي جو بايدن في تصريحات أدلى بها للصحفيين إنه لا يزال متفائلًا بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لإنهاء الصراع في غزة، موضحًا أن جميع الأطراف قالوا إنهم متفقون على المبادئ، ما يعزز من إمكانية إتمام الاتفاق قريبًا.
وبالفعل، أفاد موقع "واللا" العبري بأن تل أبيب سلمت الوسطاء قائمة بأسماء الأسرى الإسرائيليين الذين تريد تضمينهم وإعادتهم في إطار المرحلة الأولى من الصفقة، كما أن حركة حماس من جهتها قد سلمت الأسرى الذين تريد تضمينهم في هذه المرحلة من الصفقة.
وقال "واللا" عن مصادر إسرائيلية وأميركية، إن الموضوع الأساسي الذي عملت عليه الفرق المتفاوضة يتعلق بآلية تبادل الأسرى والمدة الزمنية للعملية، مشيرًا إلى أن الإدارة الأميركية معنية بعرض ملخص لتفاصيل تنفيذ الصفقة، من أجل إقناع يحيي السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي بتقديم تنازلات في القضايا الأساسية التي ما زالت موضع خلاف بين الطرفين.
بخلاف ذلك، نقلت القناة الـ13 الإسرائيلية عن مسؤولين قولهم بأن مفاوضات وقف إطلاق النار على وشك الانهيار في ظل تصرف الحكومة بناء على اعتبارات سياسية.
دعوات لإضراب شامل
وفي خضم أوضاع مشتعلة تشهدها تل أبيب بين الأصوات الداعية إلى عقد صفقة تبادل أسرى مع حماس من جهة، والمطالبة بمواصلة الحرب من جهة أخرى، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي العثور على جثث ستة محتجزين في قطاع غزة، ما دفع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتنصل من المسؤولية عن مقتلهم، قائلًا:"أيدي قادة حماس ملطخة بدمائهم".
واعتبرت حركة حماس من جهتها من يتحمل مسؤولية موت الأسرى الإسرائيليين هو الاحتلال الذي يصر على مواصلة حرب الإبادة الجماعية والتهرب من الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والإدارة الأمريكية بسبب انحيازها ودعمها وشراكتها في هذا العدوان.
وعلى وقع تلك الأنباء، حمل زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، نتنياهو مسؤولية مقتل المحتجزين الإسرائيليين الستة، لأنه كان من الممكن تجنب ذلك حال التوصل لاتفاق مع حماس بشأن إعادة الأسرى والرهائن طرفها من قطاع غزة، داعيًا إلى إغلاق الاقتصاد للضغط على الحكومة من أجل التوصل إلى صفقة تبادل أسرى فورية.
من جهته، دعا رئيس حزب "معسكر الدولة" بيني جانتس، الجمهور الإسرائيلي للخروج إلى الشارع للتظاهر ضد حكومة نتنياهو، التي وصفها بـ"حكومة الفشلة".
وفي الوقت نفسه، أكد مسؤول إسرائيلي بارز في حكومة نتنياهو لصحيفة "هآرتس" العبرية، أن رئيس الوزراء يعي جيدًا ما يفعله ويقوم به، ولكنه يتصرف بفظاظة ووحشية ويداه ملطختان بالدماء.
بدورها، دعت عائلات الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة إلى الخروج في مظاهرة ضخمة لإغلاق الطرق بشكل كامل حتى إبرام صفقة التبادل مع حركة حماس، مطالبة نقابة العمال "الهستدروت" والمؤسسات بالإضراب غدًا الإثنين وشل الحركة في إسرائيل.
في غضون ذلك، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية بأن رئيس نقابة العمال الإسرائيلية رونين بار أعلن عن إضرابًا عامًا عن العمل في المرافق العمالية والاقتصادية الاثنين.
وأضاف ديفيد، إن الاعتبارات السياسية هي التي تعرقل صفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية، موضحًا أن هذه الاعتبارات هي التي أدت لاستقبال جثث بدل الأسرى، ولذلك فإن الاقتصاد يجب أن يتوقف في إسرائيل، في إشارة إلى تصعيد النقابة في وجه الحكومة.
شعبيًا، تظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين وسط تل أبيب، بهدف الضغط على الحكومة لإبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، كما تظاهر آلاف آخرين في مدن أخرى بأنحاء البلاد، بينها مناطق في حيفا وأشدود ورمات هنيجف وكفار تابور، ونقاط أخرى.
وسبق ذلك تنظيم آلاف آخرين مسيرة أمام مكاتب حكومية بالقدس، للمطالبة بإبرام صفقة فورية مع المقاومة الفلسطينية للحفاظ على حياة الأسرى الأحياء في قطاع غزة.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن منظمي الاحتجاجات في أنحاء إسرائيل، أن 770 ألف شخص شاركوا في المظاهرات المطالبة بإبرام صفقة تبادل، بينهم 550 ألفًا في تل أبيب.
وفي السابع من أكتوبر الماضي، شنت الفصائل الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" ضد إسرائيل، حيث هاجمت 11 قاعدة عسكرية و22 مستوطنة بمحاذاة غزة، في إطار الرد على جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى.
وقد كبدت العملية إسرائيل خسائر بشرية وعسكرية، بجوار أسرى عدد من الإسرائيليين، وهزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم، ومثلت ضربة قاصمة للجيش، الذي لطالما ادعى بأنه لايقهر، بالإضافة إلى تمريغ وجه الموساد الإسرائيلي بطين، وزحزحة مكانته العالمية، ما دفعها إلى شن حرب إبادة جماعية على القطاع خلفت مايزيد عن 134 ألفًا بين شهيد وجريح، جلهم من النساء والأطفال.
وفي مطلع شهر ديسمبر الماضي، استأنفت إسرائيل حربها على قطاع غزة بعد هدنة دامت سبعة أيام، استعادة من خلالها 80 من المحتجزين بالقطاع مقابل 240 من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، مختارة بذلك حصد أرواح العشرات منهم، في حين كان من الممكن إعادتهم أحياء لو قبلت عروض الإفراج عنهم.
ومنذ ذلك الحين، تجري مصر وقطر بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، مفاوضات غير مباشرة ومتعثرة، بين حركة حماس وإسرائيل، باءت جميعها بالفشل جراء عدم تجاوب الأخيرة مع مطالب الأولى، التي تتمسك بتحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار.