السبت 14 سبتمبر 2024

«من ابن حجر إلى الشعرواي».. حكم الاحتفال بالمولد النبوي كما تراه الفتاوي

الإحتفال بالمولد

تحقيقات14-9-2024 | 14:11

محمود غانم

ما بين الإباحة والبدعية دون ذلك لايوجد سبيل.. لأكثر من ألف عام احتفلت أمتنا بالمولد النبوي، صاحبها جدل محتدم بين الفقهاء حول مشروعية الاحتفال بتلك المناسبة، رغم عظم قدرها، خصوصًا أنها مسألة مستحدثة أثيرت في القرن الرابع الهجري، وتزايد حولها الجدل فيما بعد، لاسيما موخرًا إثر ظهور ما يراه البعض مخالفًا للشريعة الإسلامية.

 

 حكم الاحتفال بالمولد النبوي

بداية، هناك شبه إجماع في المصادر التاريخية على أن الفاطميين كان أول من احتفل بالمولد النبوي، ومنذ ذلك الحين درجت الأمة على الاحتفال بتلك المناسبة العطرة، بطرق وأشكال مختلفة، وسط جدل أثير في كل زمن وعهد حول حكم الاحتفال بيوم مولد -النبي صلى الله عليه وسلم-، الذي يوافق الـ12 ربيع الأول.

ويرى الإمام ابن حجر العسقلاني أن أصل عمل المولد بدعة، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن، وجنب ضدها، كان بدعة حسنة، وإلا فلا.

ويضيف:"وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت في الصحيحين من أن النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون، ونجى موسى، فنحن نصومه شكرًا لله تعالى، فيستفاد منه الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة، أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود، والصيام والصدقة، والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبيّ نبي الرحمة في ذلك اليوم".

وبناء عليه، يقول ابن حجر، إنه ينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من التلاوة، والإطعام، وإنشاد شيء من المدائح النبوية المحركة للقلوب إلى فعل الخير، والعمل للآخرة، وأما ما يتبع ذلك من السماع، واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحًا بحيث يقتضي السرور لا بأس بإلحاقه به، وما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى".

فيما اعتبر الإمام السيوطي الاحتفال بيوم مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبي الكريم، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.

بخلاف ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار، فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها".

 

 احتدام الجدل

ومؤخرًا، احتدم الجدل بشكل غير مسبوق حول حكم الاحتفال بالمولد، بين الفريق الذي يقول بالإباحة من جهة، والفريق الذي يقول بالبدعية من جهة أخرى، لكن كلا الفريقين يتفقان على تحريم أي تجاوز منتشر.

وفي حين يرى الشيخ محمد متولي الشعرواي، أن الاحتفال بالمولد النبي يأتي في إطار قول الله تعالى:"وذكرهم بأيام الله"، وذلك على أساس المقصود بأيام الله هي الأيام التي تكون نصرًا لدينه وخذلانًا لأعداءه، يقول الشيخ عبد العزيز ابن باز:"الاحتفال بالمولد النبوي غير مشروع، بل هو بدعة، لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه، وهكذا الموالد الأخرى".

ونظرًا لأن احتفالات هذه الأيام يصاحبها بعض التجاوزات، يتزايد احتدام الجدل حول تلك المسألة يوم تلو الآخر، حتى أنه في عام 2015، قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء:"ولنعلم أن هذه الموالد وأمثالها من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأن المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تكون بالإتباع والاقتداء والتأسي به، حيث قال تعالى:"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم"، ما أثار ردود فعل واسعة من العلماء المؤيدون للاحتفال بالمولد.

وتوضح دار الإفتاء المصرية، أن هناك فرق بين حكم الاحتفال وبين طريقة الاحتفال وسلوك المحتفلين، وهذا فرق عظيم ومسألة دقيقة يجب التنبه لها.

أما حكم الاحتفال فهو جائز شرعًا بدليل القرآن والسُّنة وعمل المسلمين سلفًا وخلفًا، وأما طريقة الاحتفال وسلوك المحتفلين فهو أمر يختلف من شخص لآخر، فما وافق من ذلك مبادئ الشرع الشريف فلا حرج فيه وما خالف منه في ذلك فلا نجيزه، بل نقول بحُرمته، وفق دار الإفتاء.

وأضافت:"وإذا عرفت ذلك، فلا ينبغي سحبُ حكم ما خالف الشرع من سلوك المحتفلين على حكم الاحتفال بذاته، وهذا خلط عظيم أوقع الناس في عنت ولبس خطير".

وينبغي أن يُعلم أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أغلق باب الشرك والضلالة على الأمة وذلك بقوله: «إنَّ اللَّهَ لا يجمعُ أمَّتي -أو قالَ: أمَّةَ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- علَى ضلالةٍ» أخرجه الترمذي، بحسب الإفتاء.

 

 المعتمد في مصر

وفي فتوى سابقة، أكد الأزهر الشريف، أن الاحتفال بميلاده -صلى الله عليه وسلم- تعظيم واحتفاء الجناب النبوي الشريف، وهو عنوان محبَّته التي هي ركن من أركان الإيمان.

ويوضح الأزهر أن المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي يقصد به تجمع الناس على الذكر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام، إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا، فميلاده كان ميلادًا للحياة، وبذلك فإن الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- جائز، وهو من سبل ظهار المحبة للرسول الكريم محمد.

وارتأت دار الإفتاء المصرية مثل ما ارتأى الأزهر حيث أكدت في فتوى سابقة ترجع لعام 2016، أنه من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي هو أصل من أصول الإيمان.

وتضيف:«صح عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (لا يُؤمِنُ أَحَدُكم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن والِدِه ووَلَدِه والنَّاسِ أَجمَعِينَ» رواه البخاري، كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد سنَّ لنا جنس الشكرِ لله تعالى على مِيلاده الشريف؛ فكان يَصومُ يوم الإثنينِ ويقول: (ذلكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه) رواه مسلم».

وتابعت في فتواها: «إذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأخرى؛ كإدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام فإنه يصبح مستحبًا مندوبًا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد مشروعية وندبًا واستحبابًا».