يزخر تاريخنا الثقافي والفني بنجوم مضيئة، عاشت تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجومًا خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزامهم وإخلاصهم وموهبتهم وإبداعهم في مسيرة المسرح المصري والعربي، وأسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسمائهم في عالم الإبداع بما قدموه بعروض مسرحنا المصري.
ومع بوابة «دار الهلال» نواصل تسليط الضوء يوميًا على رحلة أحد صناع رحلة المسرح المصري على الخشبة، ومن عالم الكواليس، وخلف الستار ولنسافر معه في سطورنا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري».
واللقاء اليوم مع الممثل والمخرج والأستاذ الفنان كرم مطاوع
ولد في 7 ديسمبر عام 1933م بمدينة دسوق، بمحافظة كفر الشيخ، ومنذ طفولته ظهرت عليه موهبة التمثيل فكان يقلد أفراد عائلته، ويتابع العروض المسرحية التى يقدمها طلاب مدرسته، وعندما التحق بكلية الحقوق، لم يستطع الابتعاد عن التمثيل، وأدرك أن الموهبة وحدها لا تكفى، فالتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية أثناء دراسته بالحقوق، وتخرج من الكلية، ومعهد التمثيل في العام نفسه 1956.
والتحق بالمسرح الشعبي وقام بإخراج مسرحية « شعب الله المختار» تأليف علي أحمد باكثير، وشارك في بطولة مسرحية « وراء الأفق» تأليف الأمريكي يوجين أونيل، و إخراج حسن عبد السلام.
الأول على الدفعة
وتميز المتأمل المجتهد كرم مطاوع بتفوقه، وكان الأول على دفعته، فنال بعثة لدراسة الإخراج في إيطاليا في عام 1985، استمرت 5 سنوات، ودرس في الأكاديمية الوطنية للفنون الدرامية بروما، وقام برحلة فنية في بعض الدول الأوروبية مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا والنمسا ليتعرف على الاتجاهات الحديثة في فنون المسرح، وعاد إلى مصر في أوائل عام 1964م
وعقب عودة كرم مطاوع إلى مصر، قدّم كمخرج أول مسرحياته في ذاك الوقت وهي «الفرافير» في 1964م، تأليف الكاتب الكبير يوسف إدريس، وحققت نجاحًا جماهيريًا ونقديًا كبيرًا، ولكن الصراع الذي نشب بينه وبين المؤلف بعد نجاح المسرحية، تسبب في إيقاف عرض المسرحية رغم أنها كانت تعد من أبرز عروض المسرح المصري في الستينيات، بالقرن الماضي، قدمها كرم مطاوع بحثا عن التأصيل والتجذير لأشكال المسرح المصري، لكن هذا العرض بعد الدراسة ارتدى الشكل المسرحي الغربي وخاصة عند الإيطالي لويجي بيراندللو.
وقدم كرم مطاوع بعد «الفرافير» مسرحية «ياسين وبهية» من تأليف المتفرد نجيب سرور، ومسرحية «الفتى مهران»عام 1965، من تمثيله وإخراجه، وتأليف المفكر الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي، وتعد هذه المسرحية من أهم معالم تاريخ المسرح الشعري في مصر.
أستاذا للمسرح في مصر والجزائر
وعمل كرم مطاوع، بعد عودته إلى مصر، أستاذًا في المعهد العالي الفنون المسرحية، وعمل أيضًا مديرا لمسرح الجيب، ومديرا للمسرح القومي والمسرح الغنائي ورئيسًا للمركز القومي للسينما وللبيت الفني للمسرح بوزارة الثقافة المصرية.
في بداية السبعينات سافر كرم مطاوع إلى الجزائر، وعمل أستاذًا لطلبة المعهد الوطني للفنون الدرامية ببرج الكيفان حتى 1975، تخرج على يديه فنانون جزائريون أصبحوا فيما بعد رواد المسرح الوطني في التسعينات من بين هؤلاء.. مرير جمال ورماس حميد، وعياد مصطفى، وصوفيا، وزياني شريف، وغيرهم كثيرون.
ويعد كرم مطاوع هو مكتشف الفنانة سعاد نصر وكان أستاذها بمعهد التمثيل وهو من شجعها في رحلته الفنية.
سيد درويش.. السينما المصرية
إضافة أن الفنان كرم مطاوع، من أهم مجددي المسرح، فقد كان ممثلاً متميزًا في السينما والتلفزيون، وقدم شخصيات درامية عدة، ورغم أن عددها لا يضاهي عدد ما أسهم به بغزارة في رحلة المسرح المصري، لكن أدواره ومشاركاته عاشت في ذاكرة الجمهور بأثرها الكبير وتميزه فيها ومنها.. دور أحمد في لاتطفيء الشمس 1965، فنان الشعب سيد درويش، في فيلم «سيد درويش» 1966م، لأحد رواد السينما المصرية المخرج أحمد بدرخان، وفيلم «رجل طيب».
وشارك كرم مطاوع أيضًا في أفلام .. «إضراب الشحاتين» 1967م، «مطاوع وبهية» 1982، «دليل الاتهام » 1983، «اثنين على الهوا» 1984، «الذكاء المدمر»، «العاشقان»، «المشاغبات الثلاث» 1987، «أنا والعذاب وهواك»، و«خطة الشيطان»، «امرأة للأسف» 1988، «ترويض الرجل» 1989، «معركة النقيب نادية»، «احتيال» 1990، «لحظة خطر» ، مصرع الذئاب» 1990، «المنسي» وكانت آخر مشاركاته بالسينما عام 1993، وظهر كرم مطاوع في الفيلم الوثائقي «عمر من البهجة» المقدم 2000 .
مشاركات في الإذاعة والتلفزيون
شارك كرم مطاوع في العديد من المسلسلات ومنها.. «ميراث السنين»، «كله سلف ودين»، «وسط الزحام» 1972، «لص الثلاثاء» 1977، «زهراء الأندلس»، «الحرملك» 1983، «جواري بلا قيود»، «امرأة مختلفة» 1984، «حالة خاصة»، «برديس»، «الطریق إلی القدس» 1985، والمسلسل التاريخي «الأنصار»، «بلاغ للنائب العام» 1986، «أصوات تبحث عن ميكرفون» 1987، «أم البنات»، «أبدًا لم يكن حبًا» 1990، «سبعة وجوه للحقيقة»، «إمرأه وثلاثة وجوه» 1992، «ناس ولاد ناس» 1993، الأجيال «الآنسة كاف»، الصمت 1993، وقدم دور دكتور «برهان صدقي/ سلامة النعماني، علم الدين» في مسلسل «أرابيسك» 1994.
وفي عام 1996 شارك في «نقوش من ذهب ونحاس»، «سر اللعبة»، «الحفار» في دور المخرج فريد، وقدم دور دكتور يحيى في مسلسل «الصبر في الملاحات»، وعرض 1996.
وشارك كرم مطاوع في السهرات التلفزيونية منها.. التلفزيونية «عريس لسعاد»، «أحلى أيام العذاب»، وقدم في 1985«ملحمة كبريت» دور «إبراهيم عبد التواب»، وشارك في المسلسلات الإذاعية ومنها..«خولة بنت الأزور»، «موال لكل زمان»، « الوهم»،« ثم كان الحب»، «الأمل المشرق»، «الحب في السلخانة»، «الفتى الذي عاد»، «جاي الصباح يا بلدنا» 1968.
انقطع كرم مطاوع عن السينما فترة طويلة ناهزت على العشرين عامًا، وفي هذه الفترة قدم العديد من المسرحيات التي قام بإخراج بعض منها وبطولة البعض الآخر .
المخرج المسرحي كرم مطاوع
قدم كرم مطاوع كمخرج العديد من المسرحيات المهمة في تاريخ المسرح المصري الحديث ومنها.. «الحسين ثائرًا» 1972 من إخراجه ومن تأليف الأديب عبد الرحمن الشرقاوي، «إيزيس» من تأليف توفيق الحكيم، «ديوان البقر» من تأليف الكاتب أبو العلا السلاموني ، «دنيا البيانولا» 1974، ومثل فيها الفنان جميل راتب، ومسرحية «727» من إخراجه، وهي من المسرحيات القلائل التي مثل فيها الفنان محمود عبدالعزيز، وكذلك مسرحية «خشب الورد»، «أوديب»، «هاملت» للمسرحي العالمي ويليام شكسبير، «بردة البوصيري» وشارك في بطولة المسرحية عبد الوارث عسر، عبد الرحيم الزرقاني، محمد الطوخي، محمد السبع.
وقدم كرم مطاوع مسرحية «وا عروبتاه» على مسرح بغداد، ومن مسرحياته الأخرى «ليلة مصرع جيفارا، يا بهية وخبريني، شهرزاد، كوابيس في الكواليس، الإسكندر الأكبر، شهر زاد، محاكمة رأس السنة، جواز على ورق طلاق».
شارك كرم مطاوع كمممثل في مسرحيات.. «بلدتنا»، «اليهودي التائه» 1977 من إخراج محمد صديق، وتأليف يسرى الجندي، و«السؤال» وشاركه في البطولة الفنانة سهير المرشدي من إخراج كمال ياسين.
حصل الفنان كرم مطاوع على وسام الفنون من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل الزعيم جمال عبد الناصر، كما تم تكريمه في مهرجان قرطاج.
الحياة الشخصية
تزوج كرم مطاوع بالإيطالية مارجريت وأنجب منها التوأم عادل وكريم ويقيمان حاليًا في إيطاليا، ثم تزوج بالفنانة سهير المرشدي، وأنجب منها حنان مطاوع، وكانت زيجته الأخيرة بالمذيعة ماجدة عاصم.
أصيب كرم مطاوع بمرض سرطان الكبد قبيل نهاية حياته، ورغم سفره للعلاج في الولايات المتحدة، إلا أن هذا لم يكن له تأثير فعال، فعاد لمصر واشتدت عليه الآم المرض، وتم نقله للمستشفى، ورحل في مثل هذا اليوم يوم 9 ديسمبر 1996م