جلس الأستاذ “عابد” ليضع اللمسات الأخيرة على قصته القصيرة بتنقيحها وتشذيبها، ليدفع بالمجموعة لدار النشر وكعادته أخذ يحذف منها ويضيف إليها وعند منعطف درامي سيحدث انقلابا في أحداث القصة، وهو تحول يصدر عن الشخصية الرئيسية وبؤرة أحداثها التي رفضت نزولها على رغبة المؤلف متعللة أنها خرجت من يده في بضعة خطوط سريعة حاسمة، يبرز من خلالها إنسان يستطيع القارئ أن يتبين منها سماته وملامحه كما يستطيع أن يقف على سرها، ويدرك من خلال هذه الصورة، ما هو مقدم عليه في قابل الأيام من رغبات وأحلام يتمنى تحقيقها، وبناء على ذلك واصل بطل القصة تمرده على كاتبها قائلاً:
كيف يحدث هذا التحول من النقيض للنقيض بين يوم وليلة لشخصية فوضوية تشعر بغموض الواقع، وحركة مجراه، تعيش تحت إحساس أنها مهددة في كل لحظة بالذوبان والتلاشي, في ظل تفتت القيم، واهتزاز الثوابت وتمزق المبادئ، فليس هناك مبرر مقنع، وسط كل العبث أن أشيد بعد التحول المفاجئ لشخصيتى عوالم من الاكتمال، وأتوهم ملامح لا وجود لها بناء على قناعاتك كما خططت أنت لها سلفا لبطل قصتك، وهو يتعارض مع رسمك هذه الشخصية، لردود فعل تمثلني في هذه المرحلة في هذه الفترة من تطور الأحداث بفرضك نهاية منافية لخطوط شخصيتي لكل ما ترك في عقلي ونفسي في السابق من تهميش وتشاؤم وعبث ولا جدوى، وعلى الرغم من هذا فأنت تريد مني أن أتبنى تصورات محكمة ونهايات محددة سلفا يفرض فيها العقل منطقه على الكون بأسره، وبسخرية أشد هذه المرة من مؤلفه الأستاذ عابد الذي بدأت حججه تتهاوى أمام شخصيته، صدقني أنا لست من هؤلاء البشر الذين يقبعون في مخيلتك، فالمنطق يحتم عليك كما صورتني ببراعة في صدر قصتك بأن أسير عكس اتجاه رؤيتك، وبعد فترة صمت لم تطل بينهما قال بطله المتمرد:
- دعنا نتفق على أمر فقال المؤلف:
-على ماذا؟ فقال البطل:
-على أن أكمل أنا القصة.
* وما تصورك لنهايتها من وجهة نظرك؟ فقال المتمرد:
- أترك لحيتي تنمو وأرسل شعري، ثم أربطه ذيل حصان وأمزق ملابسي وأتحول: لمطرب مهرجات وأطوف العالم بفرقتي، وتلاحقني الكاميرات والمعجبات، وأطل من الشاشات، وربما أصبح سفيرا للسلام، اندهش المؤلف من تفكير شخصيته قبل أن يقول:
-كيف ذلك وأنت خريج فلسفة ومن أين لك كل هذه الثقة وكأن النجاح سيكون حليفك، طبعاً لا أوافق على الهراء والجنون؟ وهل:
- هل ترضى ذلك لنفسك إذا وافقت أنا بعد أول أزمة نفسية تمر بها، فقد صورت أزمتك وعرضتها من أجل مناقشتها بوضع حل لها في نهاية القصة فقال بطل القصة.
- بالنسبة للثقة فقد قمت بالغناء في عدة أفراح بعد أنصت أحدهم لدندنتي في المقهى، ونال أدائى وحركتي إعجاب على المسرح متعهد حفلات مهرجانات، وطمأنني أن النجاح حليفي لا محالة أما الأزمة النفسية، فأنت من تعانيها وليس أنا لأنك تقف محلك سر وتعتقد أنت وأشباهك: تعيشون تحت فكرة أنكم تكتبون أدبا واقعياً كلاسيكيا يحظى بتقدير أساطين النقد، ويقرأ على عدة مستويات وينفتح على معان متكثرة، ويتحول مع الوقت لجزء من الذاكرة الأدبية، ويحمل صفة الديمومة والاستمرارية وهو ما يبنى عليه من الأجيال الجديدة، وتركتم مجموعة من الكتاب ممن يطلق عليهم البيست سيلر. تتصدر المشهد وأصبحتم في الخلفية منها ، لتصفهم أنت وأشباهك بأدباء أو كتاب الظاهرة التي لا تصمد أمام أي ظاهرة أدبية جديدة بأن هذا اللون من الكتابة أقرب للاستهلاك الوقتي لا يستقر في وجدان القارئ ،فقال الأستاذ عابد كاتب القصة بهدوء شديد:
-يكفي أنني نجوت من هوة رهيبة بين ما أعتقده وما أعيشه.
-وأنا الآخر أعتقد أن نجاتي في الانغماس والنفاذ في داخل هذه المنظومة التي عصت عليك اختراقها، والاستمتاع بمباهج هذه وليس في عدائها ومحاولة إصلاحها. فقال الأستاذ عابد مؤلف القصة لبطله أخرج من قصتي على الفور أنت ابن عاق:
- دون أن تطلب كنت سأرحل في التو والحال، وعما قريب ستقرأ قصة نجاحي وسيرتي لأحد كتاب البيست سيلر..