السبت 14 ديسمبر 2024

مقالات

الأدب الآسيوي.. الجذور والسمات


  • 10-12-2024 | 22:57

الأدب الآسيوي

طباعة
  • د. شيماء المهدي،

يتميز الأدب الآسيوي بالتنوع من حيث إنه يعرض مجموعة مختارة من الأساليب والموضوعات .. لدينا نصوص من روسيا في الشمال, وثلاثية من روائع الصينية واليابانية والكورية من شرق آسيا, والأعمال العربية من الغرب، وروائع من دول مثل الهند وباكستان ونيبال في منطقة الجنوب, وكتابات من كازاخستان والدول المحيطة بها في آسيا الوسطى, وقصص من دول مثل الفلبين وإندونيسيا وتايلاند في الجنوب الشرقي.. كل دولة آسيوية لديها أسلوب أدبي فريد من نوعه، يعكس أوجه التشابه في عاداتها وتقاليدها وفلسفاتها في الحياة, ولكن مع تقدمه بمرور الوقت تم تحديد أفكار مشتركة بين النصوص من مختلف مناطق القارة الآسيوية..  حيث أصبح يجذب انتباهنا ويستولي على قلوبنا من خلال تصوير رائع للحياة والحب,

والنضالات والبقاء, والمجتمع والثقافة .. فالأدب الآسيوي فن فلسفي وتأملي. يتأمل في أمور رئيسية في الحياة مثل أصولنا وموتنا: من أين أتينا وإلى أين نذهب, وكيف نحيا وكيف نموت, وكيف ينبغي لنا أن نعيش بين هذا وذاك.


وأقدم قطعة مكتوبة معروفة هي ملحمة جلجامش، وقد نشأت هذه الملحمة في آسيا، وخاصة في بلاد مابين النهرين القديمة، والتي توجد الآن في المنطقة الغربية من القارة، تجسد السمة السردية للأدب الآسيوي؛ فهي حكاية تستكشف مفاهيم الحياة والموت والحب والخسارة وكلها موضوعات سائدة في الأدب الآسيوي بأسلوبه الأدبي الحكيم الذي يتأمل ويقدم النصائح، وإن ترنيمة معبد "كيش" وتعليمات "شوروباك" من أقدم الأدب المكتوب الذي جاء من بلاد ما بين النهرين، الذي نتج عن تطور الكتابة عام 3400 قبل الميلاد، ومن هذه الكتابات المبكرة، نرى بالفعل الأدب الآسيوي يتبلور، وأن سماته المميزة حاضرة منذ وقت مبكر في أولى القطع الأدبية المسجلة.
ومع نمو الحضارات وتطورها في العالم أجمع وفي آسيا  كذلك تطور الأدب وتطورت الأعمال الأدبية في آسيا، و يصنف الباحثون الأعمال الفنية الأدبية الآسيوية إلى ثلاث فئات فقط علي الرغم من تعدد المناطق؛ فلدينا الأدب الصيني والياباني والهندي لتوصيف نمو الأدب الآسيوي لأنها هي التي تتمتع بالتأثير و الاعتراف.


الأدب الصيني

 في الصين بدأ نظام الكتابة في حوالي عام 1300قبل الميلاد تحت حكم أسرة "شانغ". وعلي هذا تأسس الأدب الصيني باستخدام اللغة الرسمية الصينية الكلاسكية، وفي عهد أسرة "تشو" ازدهر نظام الكتابة الصيني من مجرد حروف هيروغليفية إلى مجموعة من النصوص الدينية، مما شكل بداية الأدب الصيني، وكانت هذه النصوص بمثابة الأساس للكونفوشيوسية والطاوية. 


.. وفي عهد أسرة "هان" (206 ق.م-220م) ظهرت أشكال أخرى من الأدب وكانت هذه القطع تركز على المعرفة، وتتراوح من شعر أسرة تانغ، وأدب السفر والكونفوشيوسية الجديدة في أسرة سانغ والدراما والخيال في أسرة يوان، إلى روايات أسرتي مينغ وتشينغ، حتي أصبحت الأدب الصيني الحديث.


الأدب الياباني


يرجع أصل نظام الكتابة الياباني إلى الصين، ومن أقدم الأعمال الأدبية اليابانية المعروفة كتاب "كوجيكي" و"نيهون شوكي"، حيث يتألف الأول من مجموعة من الأساطير والخرافات، بينما يتألف الثاني من سجلات تاريخية. وهناك عمل أدبي قديم ثالث وهو "مانيوشو"، وهو عبارة عن مجموعة ضخمة من القصائد، واستمرت هذه الأنواع من الأدب الياباني وازدهرت في عصر "هييآن" (794-1185) الذي عُرف بالعصر الذهبي للفنون والأدب في التاريخ الياباني. 


كانت فترة العصور الوسطى في اليابان وخاصة فترة (كاماكورا، و موروماتشي) مرحلة انتقالية للأدب الياباني بظهور كُتاب وقراء بارزين؛ فتطور أنواع الأدب وأشكاله مثل قصص "غانكي" النثرية، وقصائد "رينغا" المتواصلة، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأشكال المسرحية مثل "نو".


.. إن الإنجاز الأدبي الآسيوي في سرد حكايات المصاعب وتقديم أمثلة للتأمل والأخلاق يعتمد علي الأدب الياباني حيث يوجد ملاحم مثل هيكي مونوغاتاري، بالإضافة قطع مثل هوجوكي وتسوريزوري غوسا.


.. استمرت دراما الكابوكي من أنواع المسرح الياباني في فترة إيدو (1600-1868)، وكذلك أنواع الشعر هايكو ورينجا،في تشكيل الصورة الأكبر ليس فقط للأدب الياباني بل أيضاً للأدب الآسيوي.


واختلطت مثل هذه التطورات بالأفكار الأدبية الغربية في الفترة من 1868 إلى 1945 خلال فترة مييجي. وبدأ الشعر الحر والرومانسية في السيطرة، وخاصة أثناء الحرب، وكانت الفترة الأدبية التي جاءت بعد ذلك مليئة بالمزيد من القصص التي تركز على الوعي الاجتماعي والسياسي، وبدأت الأعمال الخيالية وغير الخيالية من كل نوع – وخاصة في أدب المانجا وهذا النوع من الأدب يستخدم الصورة المرسومة بالإضافة إلى النص المصاحب لها - تُهيمن علي المشهد، مما أدى إلى ظهور المشهد الأدبي الياباني الذي نعرفه اليوم.


الأدب الهندي


وفي الأدب الهندي تتسم أقدم الروائع الأدبية بطابع ديني وتأملي، الأمر الذي جعلها تشكل الأساس للدين الرئيسي الهندوسي، ومن الأمثلة على ذلك "ترانيم الفيدا" و"رامايانا" و"مهابهاراتا"، والتي تلهم جميعها الأخلاق والفلسفة في هيئة أساطير وترانيم وروايات وأشعار.


لقد تشكلت بقية الأدبيات الهندية على مر السنين على غرار هذه النصوص القديمة، وقد جسد الكاتب الهندي الشهير "رابندراناث طاغور" هذه الأساليب في أعماله الرومانسية التي تناولت موضوعات روحية وصوفية في أشكال مختلفة من النثر و الشعر.


كانت مرحلة الأديكال في الأدب الهندي مثالاً آخر علي القطع الشعرية ذات الميول الروحانية، والتي تم التأكيد عليها بشكل أكبر من خلال المرحلة التالية من أدب "باكتي كال"، الذي جسد الله، ركز أدب ريتيكال على مفاهيم الحب، بينما قدم أدب الأدونيكال نفسه حتي العصر الحديث في شكل نصوص أكثر تنوعاً، أصبحت الروايات والقصص القصيرة والدراما من كل نوع واضحة.


ومن بين السمات البارزة الأخرى للأدب الهندي - وبالتالي الأدب الآسيوي - موضوعاته السياسية مثل الموضوعات المحيطة بالدعوات إلى العدالة فضلاً عن الحركات النسوية والسلمية.


..  وهناك مثال آخر على الأدب الآسيوي يتمثل في الأدب الروسي يحتوي أيضاً على عدد من الروائع التي تعتبر من أعظم الأعمال الأدبية، خاصة في مجال الرواية والشعر الذي يعكس التطورات التاريخية التي طرأت على روسيا، وكانت بدايات الأدب الروسي عام 988م، وكان معظمه في تلك الفترة دينياً على شكل مواعظ وأناشيد وسير للقديسين، لكن بعد هزيمة التتار ظهر ما يعرف بالأدب الموسكوفي الذي ركز على الموضوعات السياسية.


شهد القرن السابع عشر تحولا جذرياً في الأدب الروسي نتيجة ترجمة عدد كبير من الأعمال الأدبية الغربية، وظهر الأدب المقفى لأول مرة في روسيا ومن أكبر كُتّابه "أفاكوم"، ولقب "ميخائيل لومونوسوف" بمؤسس الأدب الروسي الحديث ورائد المدرسة الكلاسيكية. ومن أشهر أدباء الأدب الروسي "ألسكندر بوشكين" الملقب بشكسبير قدم الشعر الرومانسي والرويات، "ليو تولستوي" روائي كاتب للقصة القصيرة، "دستويفسكي" ترجمت أعماله لأكثر من 170 لغة حول العالم.. 


فإن الأدب الروسي له حضور قوي في حركة الترجمة الادبية في العالم العربي.فإن ترجمة أعمال كتّاب مثل تولستوي، ودستويفسكي، وتشيخوف ساهمت في نقل التجربة الإنسانية الروسية إلي القراء العرب . هذه الترجمات أثرت على الأدب العربي وأضافت له بعداً جديداً من حيث الموضوعات والأساليب الأدبية.. حركة الترجمة اليوم للأعمال الأدبية  تقودها مبادرات فردية، أما المؤسسات الثقافية الرسمية وشبه الرسمية تقودها في إطار تعاون بين المؤسسات الروسية والعربية ومن هذه المؤسسات العربية "المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية" و"المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم والمجلس الوطني للثقافة و الفنون والأدب" في الكويت وغيرها.. ثم تاتي دور النشر العربية في المقام الثاني، وكان لدار الهلال دور في نشر الروايات المترجمة من الأدب الروسي من خلال إصدارات "روايات الهلال" .   


فإن الأدب الآسيوي يساهم في تشكيل تصورنا للحياة من خلال الأخلاق والفلسفات التي تجسدها أعماله الأدبية، تشكل مجموعة "ألف ليلة وليلة"، التي تتألف من مجموعة من الحكايات الشعبية العربية، نموذجاً للأدب الآسيوي الذي يركز علي القيم. وتعلمنا قصة "مصباح علاء الدين" معنى الهُوية، وتصف قصة "علي بابا والأربعون لصاً "، الولاء والصدق والكرم، وتدعو قصة "الأحدب" إلى التمسك بالحقيقة وضميرنا.


.. علي الرغم من امتلاء الأدب الآسيوي بالحكايات القديمة، لايزال مزدهراً حتي يومنا هذا.


ومما يؤكد أهمية الأدب الآسيوي فوز العديد من أدبائه بجائزة نوبل للأدب ومنهم: 
* الأديب والفيلسوف  الهندي "روبندرونات طاغور" هو أول آسيوي يفوز بجائزة نوبل في الأدب عام 1913. 
•  الأديب والشاعر الروسي "إيفان بونين" حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1933م.
* الكاتب والشاعر الروسي " بوريس ليونيدوفيتش باسترناك" حصل على جائزة نوبل للأدب عام 1958م.
* الأديب الروسي "ميخائيل شولوخوف" حصل علي جائزة نوبل في الأدب عام 1965م.
* الأديب الياباني "كاواباتا ياسوناري" وهو أول ياباني يحصل علي جائزة نوبل في الأدب عام 1968م. 
* الشاعر الروسي "جوزيف ألكسندروفيتش برودسكي" حصل علي جائزة نوبل في الأدب عام 1978م.
* فاز الأديب الياباني "وأوي كينزابورو" بجائزة نوبل في الأدب عام 1994. 
* الأديب الروسي "ألكسندر سولجنيتسين" حصل علي جائزة نوبل في الأدب عام 2008م.
* فاز الروائي الياباني المولد والبريطاني الجنسية "كازو إيشيغورو" بجائزة نوبل في الأدب عام 2017.
* وآخرهم "هان كانج" وهي أول كورية جنوبية وأول أمراة آسيوية تفوز بنوبل للأدب عام 2024، وهي الثامنة عشرة التي تحصل علي هذه الجائزة.

الاكثر قراءة