يزخر تاريخنا الثقافي والفني بنجوم مضيئة، عاشت تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجومًا خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزامهم وإخلاصهم و مواهبهم وإبداعهم في مسيرة المسرح المصري والعربي، و أسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسماءهم في عالم الإبداع بما قدموه بعروض مسرحنا المصري.
ومع بوابة «دار الهلال» نواصل تسليط الضوء يوميًا على رحلة أحد صناع رحلة المسرح المصري على الخشبة، ومن عالم الكواليس، وخلف الستار و لنسافر معه في سطورنا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري».
و اللقاء اليوم مع فنان المسرح الرصين .. حمدي غيث
أحد رموز الفن المصري والعربي، فهو ممثل مصري متميز ومخرج مسرحي قدير، وهو من رواد الإخراج المسرحي في مصر، وخاصة خلال فترة الستينات، وهو ممثل الأدوار المركبة بمختلف القنوات الفنية، تميزه ونجح في أداء مختلف الأدوار، وبرع وتألق بحكم تكوينه الجسماني وقامته العريضة وصوته القوي المعبر في آداء الأدوار التاريخية والدينية وشخصيات الزعماء، وهو أيضا رجل المهام الصعبة، فقد ساهم في إثراء مسيرة الفن المسرحي المصري بعمله كأستاذ أكاديمي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، و بتحمله مسئولية إدارة بعض الفرق المسرحية.
الميلاد والنشأة
ولد حمدي غيث، واسمه طبقا لشهادة الميلاد محمود حمدي الحسيني غيث، في 7 يناير عام 1924 بقرية شلشلمون بمركز منيا القمح بالشرقية، ونشأ في عائلة محبا للعلم فوالده أول عمدة تعلم في أوروبا، سافر إلى إنجلترا لدراسة الطب، قضى سنتين بجامعة كمبريدج ، ولكنه خلال عودته في إجازة قامت الحرب العالمية الأولى ولم يتمكن مرة أخرى بالعودة لاستكمال دراسته، وتحول مسار حياته بعد ذلك ليتولى العمودية في «شلشلمون».
رحل الأب بعد عدة سنوات تاركا خمسة أبناء، وكان حمدي في سن الرابعة وأخيه الشقيق عبدالله مازال رضيعا، فحملته والدته مع أشقائه إلى القاهرة لتسكن في حي الحسين، بمنطقة الأزهر الشريف، حيث كان والدها وشقيقها من شيوخ الأزهر، وهو ما أثر في إتقان الأخوين «حمدي وعبد الله» للغة العربية وفن الإلقاء، ورغم أنها لم تكن متعلمة إلا أنها كانت تحب الفن والمسرح وتصطحب ولديها إلى عروض المسارح و دار الأوبرا، ومن هنا بدأ عشقهما للفن.
أول فرصة للإخراج بمسارح الدولة
وعند عودة حمدي غيث عام 1951م، عين أستاذا بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتم تعيينه مخرجًا بفرقة المسرح المصري الحديث، و التي قام بتأسيسها أستاذه الفنان زكي طليمات، ومنح «غيث» أول فرصة للإخراج بمسارح الدولة من خلال الفرقة عام 1952، فقام الأخير بإخراج مسرحية «كسبنا البريمو» عام 1952.
أمضى الفنان القدير حمدي غيث عقدي الخمسينيات والستينيات بفرقة المسرح القومي، بمسمياتها المختلفة: «المصري الحديث»، «المصرية الحديثة»، «المسرح القومي» منذ عام 1958، وخلال مسيرة «غيث» الفنية أخرج كثير من المسرحيات التي حققت نجاحا كبيرا بعدة فرق مسرحية من بينها« المصري الحديث، المسرح القومي، العالمي، الحديث»، ويعتبر كثير من النقاد أن مسرحية «تحت الرماد» التي أخرجها بداية للعروض التجريبية بمصر.
مناصب بوزارة الثقافة
انتقل حمدي غيث، خلال عام 1962 للعمل بفرق التليفزيون المسرحية حيث عين بجانب عمله بالتمثيل والإخراج ، نائبا للمستشار الفني لفرق التليفزيون ومديرا لفرقة «المسرح العالمي» التي تأسست عام 1963 واستمرت حتى عام 1966م.
نقيبا للمهن التمثيلية .. ثلاث مرات
تحمل حمدي غيث مسئولية بعض المناصب القيادي، منذ سبعينيات القرن الماضي بجانب انشغاله بأداء بعض الأدوار السينمائية والتليفزيونية، حيث شغل عدة مناصب مهمة بوزارة الثقافة ومن بينها مدير عام إدارة المسرح بالثقافة الجماهيرية «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، مدير المسرح القومي (1971:1970) المشرف على جهاز الثقافة الجماهيرية (1979: 1981)، كما تم انتخابه نقيبا لنقابة المهن التمثيلية، ثلاث دورات خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، واستمر في عمله كأستاذ بقسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية» حتى رحل عن عالمنا.
27 فيلما في نصف قرن
شارك حمدي غيث بالسينما مبكرا، حيث شارك في فيلم «غلطة العمر» عام 1953، من إخراج محمود ذو الفقار ومحمود فريد، وبطولته مع هدى سلطان وزهرة العلا، و لفت الأنظار إلى موهبته بصورة أفضل من خلال فيلمه الثاني.. «صراع في الوادي 1954، من إخراج يوسف شاهين، وتضمنت قائمة إسهاماته السينمائية عدة أفلام متميزة، حيث شارك في بطولة 27 فيلما خلال ما يقرب من نصف قرن.
ومن أفلامه.. «شيطان الصحراء»، «آثار في الرمال»، «قرية العشاق» 1954م، «في صحتك» ، «بنات الليل» 1955، «بياعة الورد» 1959، «الناصر صلاح الدين» في دور «ملك إنجلترا..ريتشارد قلب الأسد» 1963، «فجر يوم جديد» 1965، «الدخيل» 1967م، «نار الشوق» 1970، «حياة خطرة» 1971م، «طريق الانتقام» 1972، «عندما يغني الحب» 1973م، «الرسالة» 1976م، «صراع العشاق» 1981م، «الحكم آخر الجلسة»، «المدبح» 1985، «التوت والنبوت» 1986، «الحب أيضا يموت»، «اغتيال مدرسة» 1988م، «حارة برجوان» 1989، «سمارة الأمير» 1992، «الغجر» 1996م، «البحث عن توت عنخ أمون»، «إسماعيلية رايح جاي» 1997م، أرض الخوف» 2000.
500 عملًا إذاعيًا
وواصل حمدي غيث طوال مسيرته الفنية العمل بمختلف القنوات الفنية، فكان أيضًا واحدا من رواد العمل الإذاعي حيث قدم للإذاعة ما لا يقل عن خمسمائة (500) عملًا إذاعيًا منهم مسلسلات، سهرات، مسرحيات إذاعية.
وعمل أيضًا بالدراما التليفزيونية منذ حقبة الستينات، وكانت أغلب أدواره تنتمي بالدراما الدينية والتاريخية، ومن أهم المسلسلات التي شارك في بطولتها: لا إله إلا الله، الوعد الحق، الفتوحات الإسلامية، عصر الأئمة، ابن تيمية، من قصص القرآن الكريم، المسلمون والإسلام «رسوم متحركة»، عذراء مكة، محمد رسول الله «ج1،3»، فتى الأندلس
ومن مسلسلاته.. الشهد والدموع، ذئاب الجبل، بوابة الحلواني «ج2،3)، المال والبنون «ج2»، الفرسان، خالتي صفية والدير، السيرة الهلالية «ج1،2،3»، جمهورية زفتى، زيزينيا 1«الولي والخواجة»، زيزينيا 2، «الليل والفنار»، هدى شعراوي، نحن لا نزرع الشوك، امرأة من زمن الحب، شيء من الخوف، بيت الزعفراني، منشية البكري، الأصدقاء، نداء الفجر»، وغيرهم، بعض التمثيليات والسهرات الدرامية ومنها.. «الأيام الخضراء، محاكمة عيدان القصب، شوق، روايح»
مشاركات حمدي غيث بالمسرح
أحب حمدي غيث المسرح كثيرًا، و صقل موهبته بالدراسة الأكاديمية، وعمل بعدد كبير من الفرق وتعاونه مع عدد كبير من كبار المخرجين، يشارك في بطولة عدد كبير من المسرحيات المتميزة، وأن يقوم بتجسيد عدد كبير من الشخصيات الدرامية المتنوعة، وبدأ حمدي غيث المسرح مع فرقة «المسرح المصري الحديث»، وشارك كممثل أو كمخرج
شارك فنان المسرح الرصين حمدي غيث في مجال التمثيل، في كثير من المسرحيات مع فرق عدة وهي.. مع فرقة المسرح المصري الحديث.. «كسبنا البريمو»، «دنشواي الحمراء »1952م.
و بفرقة «المسرح القومي»: «شجرة الدر» 1955م، «شاعر الشعب» 1956، «ماكبث» 1962، «أنتيجون» 1965، «28 سبتمبر» 1970، «وشم الأسد» 1972، «حبيبتي شامينا» 1974، «الميت الحي» 1976، «أنطونيو وكليوباترة» 1977، «أنتيجون» 1978م، مع فرقة «المسرح الحديث» شارك في «شيء في صدري»، «الشوارع الخلفية»، «الأرض»، «الأحياء المجاورة» 1962، «ليلة بني هلال» 1994م.
مع فرقة «المسرح العالمي » .. «وراء الأفق، عطيل» 1964، «أنتيجونا»، «مرتفعات وذرينج» 1965، «جسر آرتا» 1966م، ومع فرقة «مسرح الجيب».. «أجاممنون» 1966م.
مع فرقة «مسرح الحكيم »..شارك في «بلدي يا بلدي، «العرضحالجي» 1968م، «شمشون ودليلة» 1970م، «نور الظلام، «ملك يبحث عن وظيفة» 1971م، ومع فرقة «مسرح الطليعة ».. «زوربا المصري» 1976م، بفرقة «المسرح المتجول».. «المزاد» 1984، ومع بفرقة «المسرح الكوميدي» .. «فلوس فلوس» 1989م، وبعض المسرحيات المصورة ومن بينها: «بيت في الهواء» عن مسرحية «وفاة بائع متجول».
نخبة من المخرجين
شارك خلال مجموعة المسرحيات التي شارك في بطولتها قد تعاون مع نخبة من المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومنهم: زكي طليمات، فتوح نشاطي، نبيل الألفي، عبد الرحيم الزرقاني، حمدي غيث، كمال يس، نور الدمرداش، سعد أردش، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، أحمد عبد الحليم، سمير العصفوري، سناء شافع، محمود الألفي، عبد الغفار عودة، مجدي مجاهد، عبد الرحمن الشافعي، فتحي الحكيم، بالإضافة الى المخرج الإنجليزي برنارد جوس.
حمدي غيث مخرجًا بالمسرح المصري
ساهم الفنان حمدي غيث بإخراج عدد من المسرحيات بفرق مسارح الدولة، ومن بينها العروض التالية.. مع فرقة «المسرح المصري الحديث » أخرج مسرحيات.. «نزاهة حكم، «ست البنات، «كسبنا البرمو، «دنشواي الحمراء » 1952م.
ومع فرقة المسرح القومي، مخرجا لمسرحيان.. «نفوسة» 1953، «مقالب سكابان» 1955، «تحت الرماد»، «الخطاب المفقود»، «كفاح بور سعيد»، «شاعر الشعب» 1956، «سقوط فرعون» 1957، «ثورة الموتى»، «المومس الفاضلة» 1958، «مأساة جميلة» 1961، الزير سالم» 1967م، وشم الأسد» 1972، الزير سالم» 1990.
ومع فرقة المسرح الحديث .. أخرج لفرق مسارح التليفزيون: «أرض النفاق»، «اللص والكلاب» 1962، ومع بفرقة المسرح العالمي: «وراء الأفق»، «طبيب رغم أنفه»، «عطيل»، «مقالب سكابان» 1964م، «وراء الأفق»، «مرتفعات وذرنج » 1965.
وشارك في بطولة تلك المسرحيات نخبة من كبار المسرحيين ومن بينهم : عبد الوارث عسر، حسين رياض، حسن البارودي، أمينة رزق، فاخر فاخر، فردوس حسن، شفيق نور الدين، نعيمة وصفي، سميحة أيوب، سناء جميل، كمال يس، نور الدمرداش، محمود عزمي، ملك الجمل، عبد المنعم إبراهيم، سعيد أبو بكر، عدلي كاسب، عبد الغني قمر، زهرة العلا، رفيعة الشال، أحمد الجزيري، رجاء حسين، نادية السبع، توفيق الدقن، محمد السبع، محمد الدفراوي، صلاح سرحان، حسن يوسف، عبد الله غيث، محسنة توفيق، عايدة عبد الجواد، عادل المهيلمي، صلاح قابيل، يوسف شعبان، عبد السلام محمد، فاروق الدمرداش، محمود الحديني، سهير المرشدي، مديحة حمدي، عبد المنعم مدبولي، محمد عوض، ليلى طاهر، إحسان القلعاوي، محمد الطوخي، تريز دميان، رؤوف مصطفى، محمد العناني، نبيل الحلفاوي، سهير طه حسين، نجاة علي، خليل مرسي، محمد أبو العينين، خالد الذهبي، منال سلامة.
الجوائز والتكريم
توجت مسيرة الفنان القدير حمدي غيث بالعديد من مظاهر التكريم وحظي على عدد كبير من الجوائز، ، ومن أهم مظاهر التكريم التي حصل عليها شهادة تقديرية فى عيد الفن عام 1978، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، جائزة الدولة التقديرية في الفنون مع وسام العلوم والفنون عام 1986م التكريم ورئاسة لجنة التحكيم بالدورة الأولى لمهرجان المسرح العربي ، والذي نظمته الجمعية المصرية لهواة المسرح عام 2001.
الجائزة الكبرى ورحيل وأثرباق
وحصل الفنان القدير حمدي غيث على الجائزة الكبرى التي يعتز بها كل فنان أصيل وهي احترام وتقدير الجميع له وإعجاب الجمهور بكل ما قدمه في مسيرة الفن المصري، فهو صاحب مسيرة فنية ثرية نجح خلالها في حفر مكانة خاصة له في قلوبنا وعقولنا، بموهبته المؤكدة و تلقائيته المحببة وإبداعاته المتنوعة والتزامه الشديد بالقيم السامية والأخلاقيات الرفيعة، وحرصه الدائم بالمحافظة على تقاليد المهنة والتمثيل المشرف للفنان المصري والعربي، حتى أطلق عليه «شمشون الفنانين»، وظل أثره باقِ في عالمنا ما حيينا.
ورحل الفنان القدير حمدي غيث عن عالمنا في السابع من مارس عام 2006 بمستشفى عين شمس التخصصي، في القاهرة إثر إصابته بفشل في الجهاز التنفسي عن عمر يناهز 82 عاما، ودفن في قريته كفر شلشمون، بمحافظة الشرقية.