الوادي الجديد : محمد المهدي
تقع قرية القصر الإسلامية على بعد 35 كم إلى الشمال الغربي من مدينة موط مركز الداخلة, والوصول إليها من الطريق المتجه إلى الفرافرة, وقد هيأ لها موقعها أهمية تاريخية منذ القدم، نظرًا لكونها نقطة التقاء لعدة دروب قديمة, وكانت بمثابة الطرق الخاصة بالقوافل التجارية للغزاة الفاتحين، خاصة إلى بلاد المغرب العربي, والقصر من أكثر بلدان الواحات الداخلة؛ من حيث عدد السكان, كما يعتبر سكانها ذوى مستوى معيشة مرتفع مقارنة بالبلدان المحيطة بها, كما أن موقعها على الدروب القديمة ساعد على تنشيط التجارة وحركة التبادل التجاري والثقافي بها . وساعد بالتالي على نقل كثير من التأثيرات المعمارية إليها، واستقرار بعض الحرفيين بها ومساهمتهم في النشاط المعماري.
الأصل القديم للمدينة ونشأة القصر كمدينة سكنية ترجع إلى ما قبل الفتح الإسلامي لمصر
ويؤكد ذلك أن تسميتها بالقصر كان مرجعه إلى ما كان بها من منشآت ومبان مرتفعة، وكذلك إلى بقايا جدران المعبد الفرعوني، والذي نرى منه بعض الواجهات في داخل الكتلة التراثية, حيث يذكر إن القصر كانت أعمر مناطق الواحات في العصور الفرعونية، وكانت المدينة القديمة المعروفة الآن باسم أمهده , حيث توجد بقايا مدينة قديمة كانت فيها معابد مشيدة بالحجارة حتي أوائل القرن الماضي, وعلى مقربة من الهضبة التي تقوم عليها بقايا تلك المدينة جبانات من عصور مختلفة, أحداها ترجع على الأرجح إلى أوائل الدولة الوسطى, وكانت هناك أيضا بلدة أخرى ، في موقع بلدة القصر الحالية وفيها معبد الإله تحوت، وما زالت موجودة أحجار منه استخدمت في بعض منازل القرية .
وقد كشفت حفائر المجلس الأعلى للآثار عن سور ضخم يمتد أسفل منازل مدينة القصر الإسلامية لمسفات كبيرة تصل إلى أكثر من 50م في الجانب الشمالي الشرقي , وهذا السور يمثل بقايا حصن قديم يعود تاريخه إلى العصر البيزنطي وهو يعد أضخم حصون الواحات على الإطلاق.
"تاريخ المدينة "
وعلى أي حال فان تاريخ الواحات في بداية العصر الإسلامي يشوبه الغموض, وربما كان ذلك لبعدها عن الوادي وعدم اهتمام المؤرخين بها، واقدم ذكر لبلدة القصر جاء في كتاب " صورة الأرض " لابن حوقل النصيبى المتفي سنة 367هـ حيث ذكرت مع القلمون، وبعض الكتب تقدمها على القلمون، لأنها عاصمة الناحية، والقلمون من توابعها وبعض المصادر تجمع بينهما وبين الهنداو، فتذكر أنهما مدينتان مسورتان، وأن الداخلة حيزان بحري وقبلي، فالبحري عاصمته القصر، والقبلي عاصمته الهنداو، ولكن القصر هي الكبرى .
وقد ذكر ابن حوقل بأن القصر حارة أي ناحية بالداخلة ، وأن بها قصرا لآل عبدون حكام الواحات وملوكها، وحول القصر مساكن لآل عبدون وحاشيتهم وخاصتهم، وأصحابهم ، وأضيافهم ، وفى كتاب المغرب وذكر بلاد إفريقية والمغرب الكبرى المتوفي سنة 487هـ ، جاء بأن القصر حصن بالداخلة في وسط ماء ثرثار، تتشعب فيه أنهار تسقى زرعهم ونخلهم وثمارهم وتسير في قرى متصلة حتى القلمون .
والقصر جاء ذكرها في كتاب قوانين الدواوين لابن مماتي المتوفي سنة 606هـ باسم: حيز القصر تبع واح الداخلة، وفى كتاب "مباهج الفكر ومناهج العبر" للوطواط، جاء أن الداخلة حيزان قبلي وبحري، وأن القصر هي عاصمة الحيز البحري ويتبعها عشر قرى وهى: القلمون، الفلول، المونسية (الموشية)، وعين جديد القبلية، وعين جديد البحرية، وبيت خلو، وشكول، وجافاقة، وبرمودة، أفطيمة ، وفى كتاب نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، لشمس الدين الأنصاري جاء أن الداخلة مدينتين إحداهما القصر والأخرى الهنداو . وفى الانتصار لابن دقماق المتوفي سنة 809هـ جاء أن القصر هي الكبرى، وأنه يوجد بها عيون حارة مثل الحمام ، وقد جاء في كتاب جغرافية مصر لمحمد أمين فكرى أن ناحية القصر سكن قاضي الواحات والمعاون (المأمور) المعين من قبل الحكومة، والحكيم (الطبيب)، وعلى خمسة أميال منها يوجد هيكل روماني به نقوش القياصرة، وأن ناحية القصر هي أكبر نواحي الداخلة والخارجة وأكثرها أشجارًا وحدائق ، وفى تعداد سنه 1897م ذكر أن سكان القصر 2288 نسمة، وهو أكبر عدد سكان جاء في مدينة الداخلة بأكملها وذلك دون التوابع، وقد ذكر أيضا أن لها أربعة توابع وأن عدد سكانها بالتوابع 3758 نسمة .
- وفى القاموس الجغرافي للبلاد المصرية، جاء أنها من البلاد القديمة بمركز الداخلة وأنها وردت في دفاتر الأموال الأميرية منذ سنة 1274/هـ .
"عمارة المدينة "
ومدينة القصر الإسلامية نشبه في نشأتها العواصم الإسلامية المبكرة في مصر من حيث أنها خططت تبعا للعائلات التي كانت تسكنها , فإذا كانت مدينة الفسطاط خططت بحيث كانت هناك حارة لأهل الراية وحارة للفارسيين وحارة لبني يشكر وغيرهم فان مدينة القصر خططت أيضا تبعا للعائلات التي سكنتها مثل عائلة الدينارية والشهابية و القرشية وغيرهم .
وقد تجسدت في عمارة مدينة القصر الإسلامية مختلف فنون العمارة الدينية مثل مئذنة وجامع نصر الدين من العصر العثماني وكذلك العمارة الجنائزية مثل ضريح الشيخ عماد الدين, وأكثر العمائر الباقية هي العمارة المدنية مثل المقاعد و المنازل والحوانيت وطواحين الحبوب وعصارة الزيتون , ومعظم هذه العمائر تعود إلى العصر العثماني التركي , وحتما فان المدينة لا تخلو من الآثار الإسلامية المبكرة , فهناك جدار قبلة لمسجد بالجزء الجنوبي من المدينة يذكر انه يعود للقرن الأول الهجري , كذلك كشفت بعثة المعهد الهولندي بمدينة القصر عن قطع أثرية ترجع إلى العصر الفاطمي وكذلك العصر المملوكي .
"العوامل المؤثرة في تشكيل عمارة وتخطيط مدية القصر"
روعي في عمارة وتخطيط مدينة القصر الإسلامية النواحي الدينية والاجتماعية والدفاعية والمناخية , فإضاءة المنازل وتهويتها من داخلها وكذلك عدم تقابل مداخل المنازل فهي تقاليد نابعة من الحفاظ على حرمة المنازل , أما وجود الساحات أمام المساجد كمتنفس طبيعي للمدينة وإقامة الاجتماعات بها فهو تقليد اجتماعي توارثته الأجيال , أما المداخل المنكسرة والبوابات التي تغلق على الحارات وقلة ارتفاع سقائف الشوارع فهي ضرورة دفاعية بحتة , كذلك فان النواحي المناخية تجسدت في السقائف والملاقف التي تعد سمة مميزة لحارات المدن الإسلامية بالواحات عموما , كما لعب ارتفاع الجدران وضيق الشوارع دورا هام في توفير الظل للحارة او الشارع طول اليوم , فضلا عن خامات البيئة المحلية التي كان لها الدور الأعظم في توفير الدفء شتاءا وتلطيف درجة الحرارة صيفا وقد أمكن ذلك من خلال استخدام الطوب اللبن للبناء وخشب جريد وافلاق النخيل وخشب السنط لعمل الأسقف والأبواب.
تضم القصر الاسلامية حوالى 350 منزل وتم ترميم جزء منها قام بالترميم البعثة الهولندية بقيادة د فريدريك لمدة خمس اعوام بترميم عدد 2 منزل والحكومة اليابانية بتمويل الصندوق الإجتماعى للتنمية وتنفيذ جمعية تنمية المجتمع بالراشدة بقيادة المهندس عمر عبد الوارث لمدة عام لترميم عدد 5 منازل و3 اسقفة وطاحونة وحارة والذي كان في إفتتاحها الدكتور خالد العناني وزير الآثار المصري