الجمعة 3 مايو 2024

المسئولية الإعلامية من نهائى المونديال إلى جريمة الأطفال

6-7-2018 | 14:40

فى نهائى كأس العالم عندما فوجئت كاميرات نقل المباراة ببعض الجماهير، تنزل إلى الملعب، لم تكمل المشهد، وقطعته بإعادة بعض اللقطات السابقة من المباراة، حتى عاد الهدوء واستكمل النهائى، هذا ما نسميه المسئولية الإعلامية، التى لم يتلقَ المخرج أو فريق التصوير تعليمات لتنفيذها، وإنما اتخذوا قرارهم لأن المسئولية المهنية التى سيحاسبون عليها بشدة تقول إنه ليس من صالح روسيا كدولة ولا من صالح النهائى أن يفسده مشهد افتعله متفرج متهور.



قدر المخرج وطاقم التصوير أن مسئوليتهم تقتضى تجاهل ما حدث لأنه يسيء للدولة المنظمة والأجهزة المسئولة عن تأمين المباراة والبطولة كلها.



فى مصر حدث نفس المشهد تقريباً منذ عامين، فنسينا جميعاً المباراة وركزت الكاميرات على مشهد المتفرج الذى ظهر فى أرض الملعب، وظلت الشاشات تعيد وتزيد فيه وتحولت استوديوهات التحليل بعد المباراة إلى محاكمات علنية وانهالت التهم على الجميع، وبدلاً من أن يشاهد المصريون تحليلا لأداء اللاعبين، استمتعوا بفضيحة تسيء إلى مصر .. هذا هو الفارق، المسئولية الإعلامية التى لم نتعلمها ولم نعرف أصولها، نقاتل ونناضل فقط من أجل الحريات وننصب المشانق لكل من يتحدث عن ضوابط، وننسى أننا أيضاً علينا مسئولية أصبحت وكأنها الفريضة الغائبة فى مهنة يمكن أن يمتد تأثيرها إلى هدم الدول..



وبسبب اللامسئولية التى أدمناها، تحولت قضية أطفال المريوطية من جريمة أسرية تقع فى أى دولة فى العالم إلى قصة أخرى تماماً.



بعد أن أبدع إعلامنا فى تقديمها على أنها جريمة سرقة أعضاء بشرية، وفى دقائق أصبح الخبر الأول فى مواقع عالمية هو عصابات سرقة الأعضاء فى مصر، والمصدر الأول للخبر بالطبع هو الصحافة والإعلام المصرى.



بينما لو تعاملنا بمسئولية مهنية وأخلاقية ولم يجتهد إعلامنا فى تحليلات واستنتاجات فاسدة وانتظر فقط ٩٦ ساعة، لعرف الحقيقة من الأجهزة الأمنية التى بذلت جهداً احترافياً مضنياً لكشف ملابسات القضية حتى استجلتها وأعلنتها، لكن بسبب اللامسئولية الإعلامية، وتهور بعض الصحفيين والإعلاميين بدون مبرر ضاعت الحقيقة وضاع الجهد الأمنى، فما زال هناك من لا يصدقون المعلومات التى أعلنتها الأجهزة الأمنية، ويصرون على أن ما حدث جريمة سرقة أعضاء، وحجتهم فى هذا كالعادة «إعلام مصر هو اللى قال».



قبل ذلك وبسبب اللامسئولية الإعلامية فى التعامل مع قضية مقتل المواطن الإيطالى «روجينى»، وغباء بعض الإعلام المصرى وعدم إحساسه بالمسئولية، تحولت الدولة المصرية ومؤسساتها إلى المتهمة بقتله، وكل الأدلة التى اعتمد عليها الإيطاليون فى هذا الاتهام المزعوم هو أيضاً ما قاله الإعلام المصرى.



نفس كارثة اللامهنية واللامسئولية ظهرت فى بعض قضايا الفساد التى ضبطتها الرقابة الإدارية وخرج بعض الإعلاميين أو الصحفيين يشككون فى الأمر رغم أن الوقائع ثابتة صوتا وصورة.



لو استكملنا قائمة السقطات التى وقع فيها إعلامنا المصرى مرئى ومسموع ومقروء بسبب اللامسئولية والفوضى التى يتعامل بها لاحتجنا مجلدات والخطير أن أغلبها سقطات تمس الأمن القومى للدولة ومنها مثلاً، حالات تخص حربنا المقدسة ضد الإرهاب والتى أساءت بعض وسائل الإعلام فيها إلى المؤسسة العسكرية وجهاز الشرطة بسبب الجهل وعدم المسئولية.



الأخطر أن ظواهر اجتماعية تحدث فى مجتمعات كث يرة ولا نسمع أو نقرأ عنها، بسبب أن إعلام تلك الدول يقدر مسئوليته، ويرفض تناولها حماية لسمعة دولته، بينما فى مصر تنقب بعض وسائل الإعلام عن الفضائح وتبدع فى سيناريوهات الإساءة للبلد و إطلاق الشائعات والجرى وراء الفيس بوك، بل والبعض استمرأ الخروج على أى معايير أخلاقية ومهنية دون أى حساب لما سيحدثه ذلك من تأثير.



بدون مبالغة يمكن أن نجزم بأن النسبة الأكبر من الصورة المشوهة لمصر سياحياً ومجتمعياً بل وسياسياً فى الخارج سببها المباشر هو الإعلام المصرى الذى لا يراعى أغلبه أى قدر من المسئولية، ولا يعرف معنى الضمير المهنى، ولا يتعامل بقواعد ومعايير المهنة الموضوعية التى يتعلمها شباب الصحافة والإعلام فى كل مكان ويحترمونها فى عملهم أيا كانت الظروف.



لذلك و بصراحة شديدة لن يستعيد الإعلام المصرى مصداقيته وقوته وتأثيره إلا إذا أعاد النظر فى أسلوب عمله واحتكم إلى الضمير المهنى واحترم فكرة المسئولية، فليس هناك فى العالم كله حرية مطلقة، وإنما حرية مسئولة يحاسب من يخالفها.



وإذا كان البعض اعترض على قوانين تنظيم الصحافة والإعلام التى صدرت هذا الأسبوع، فإن الموضوعية تقول إن هذه القوانين، سوف تحقق الحد المقبول من الانضباط الإعلامى الذى نحتاج إليه وتعيد مرة أخرى فكرة المسئولية التى لا تتعارض أبداً مع الحريات التى كفلتها وحمتها تلك التشريعات.



فقط نحتاج نحن الإعلاميين والصحفيين أن نقرأ تلك القوانين جيداً، ونعمل على تنفيذها بنصها وروحها من أجل سمعة المهنة وأمن مصر القومى الذى أصبح أخطر ما يهدده سقطات الإعلام.
    Dr.Randa
    Dr.Radwa