الجمعة 24 مايو 2024

مذكرات الـ"فُتُوة" يوسف أبو حجاج لـ"صلاح عيسى"

فن20-10-2020 | 14:25

صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب بعنوان "مذكرات فتوة" تقديم وتحقيق صلاح عيسى، وتأليف المعلم يوسف أبو حجاج ، وهو الكتاب الذى يقع فيما يقرب من 527 صفحة ، وهو آخر نص تاريخى يحققه الراحل صلاح عيسى .

يبدأ الكتاب بدراسة للكاتب الكبير الراحل "صلاح عيسى" تحمل عنوان صعود وانهيار تشكيلات الفتونة ، ثم يلى ذلك ثلاث مقدمات ، الأولى للأديب السورى "خيرالدين الزركلى"، والثانية للصحفى والشاعر والكاتب الساخر "حسين شفيق المصرى"، والثالثة لـ"حسنى يوسف"، صاحب جريدة "لسان الشعب" بمصر، ثم بعض الملاحظات للقراء لقراءة هذه المذكرات قراءة صحيحة تتمشى مع اللهجة العامية وروحها.

والجزء الثالث من الكتاب يشتمل على مذكرات فتوة "الجزء الأول"، تأليف المعلم يوسف أبو الحجاج  والذى يضم سبعة فصول وهى كالآتى: الحبس للجدعان، عربون الحب..خناقة سلطنه ، يعيش "سعد باشا زغلول" العترة!، خناقة فى خبيزة طنطا، تقفيل الأزبكية، فليحيا العدل، المشي الطيب مافيش أحسن منه.

أما الجزء الرابع من الكتاب فيحمل عنوان "مجموعة مذكرات فتوة المصورة..جزء أول وثانى وثالث ، تأليف المعلم "يوسف أبو الحجاج"، ويتناول ملخص الجزء الثانى.

ونعرج للجزء الخامس والذى يحمل عنوان "مذكرات فتوة..الجزء الثالث"، تأليف المعلم يوسف أبو الحجاج، وينطوى على سبعة فصول وهى: فى مدرسة محو الأمية، خطط المعلم يوسف أبو الحجاج، محمد العاجز يهزم المعلم الدوكش، ملاعيب الشيخ طوالع الملوك، خناقة فى بيرة الأهرام، حوار قانونى مع حضرة جناب القاضى، إحنا دافنينه سوا.

ففى ذات يوم من شهر أبريل عام 1971،عثر "صلاح عيسى" على كتاب "مذكرات فُتُوة"، تأليف المعلم يوسف أبو حجاج ، لدى أحد باعة الكتب القديمة على سور حديقة الأزبكية.

ويقول صلاح عيسى فى دراسته "عصر انهيار تشكيلات الفتونة"، "قرأت هذا الكتاب عندما وجدته على سور الأزبكية ثم عدت إليه أكثر من مرة لأسباب مختلفة، كان آخرها حين كنت أكتب كتابى "رجال ريا وسكينة..سيرة سياسية واجتماعية" . حيث كان الكتاب ضمن المصادر التى استعان بها عيسى فى الحديث عن التدهور الذى لحق بظاهرة الفتوات فى طورها الأخير، وتمثل فى الرجال الأربعة الذين ارتكبوا جرائم القتل، التى نسبت ظلما-على حد تعبير صلاح عيسى- إلى الشقيقتين ريا وسكينة على همام.

ويعد كتاب "مذكرات فتوة" طبقا لتعريف ناشر الكتاب ، هو ألطف قصة مصرية فكاهية أدبية انتقادية ذات مواقف غريبة وحوادث مدهشة ..مكتوبة باللغة الدارجة (العامية) توضح للقارئ كيف تعيش طبقة من الطبقات العامة فى مصر وهم الذين يلقبون بـ"الفتوات" وكيف تفكر، وألف هذه القصة بطل وقائعها "المعلم يوسف أبو حجاج" وأملاها على صاحب جريدة "لسان الشعب" وطلب منه نشرها فى جريدته، وكل ذلك بأسلوب شيق يلذ القارئ ويسترعى انتباهه؛ حيث انطوى إعلان جريدة لسان الشعب فى أحد أعدادها عام 1926، يقول نصه (مذكرات فتوة : قصة بديعة تمثل أخلاق الطبقة المعروفة بطبقة الفتوات فى العاصمة وأفكارهم وأخلاقهم وهم جزارون وباعة متجولون وحمالون وعاطلون ولصوص وخطافون ولهم حياة خاصة بهم ، وأساليب كلامية لا يشاركهم فيها غيرهم حتى يخيل إلى من يخالطهم أنهم أمة قائمة بذاتها، ومن صميم هؤلاء الغوغاء المعلم "يوسف أبو حجاج" الجزار صاحب هذه المذكرات التى ضمنها تاريخ حياته ونوادر وخناقاته وحبسه فى مختلف السجون ، وسوابقه العديدة وأسبابها ونتائجها فجاءت رواية نادرة شائقة ، نرجو ألا تفوت القراء تلاوتها).

وطبقًا لتقديم "صلاح عيسى" للكتاب ، فإن الكتاب الأصلى يقع فى 80 صفحة من القطع فوق المتوسط وطبع على ورق أصفر خفيف من النوع الذى كان شائعًا فى طباعة الكتب الشعبية وتصدره مكتبات شارع الأزهر، وتشغل "مذكرات فتوة" منها 72 صفحة ، بينما خصصت خمس من الصفحات التالية لفصل من كتاب بعنوان "مذكرات نشال" يبدأ بعبارة (حدثنى "عبدالعزيز النص" عن نفسه قال) وتنتهى بملحوظة تقول: ( إذا أردت أن تعلم ما تم لـ"عبدالعزيز النص" من حوادث شيقة ومواقف مضحكة، فما عليك إلا أن ترسل عدد ستة طوابع بوسطة من فئة الخمسة مليمات داخل خطاب معنون بعنوان جريدة لسان الشعب بمصر ، فيرسل لك نسخة كاملة من "مذكرات نشال"، ثم يلى ذلك الفصل ثلاث صفحات خصصها ملتزم الطبع والنشر عن بعض الكتب التى ينشرها ويوزعها .

ويتضمن الكتاب مقدمتين قصيرتين كتب الأولى الشاعر الكبير والصحفى القدير صاحب الإمضاء وهى بتوقيع الأديب السورى "خيرالدين الزركلى (1893/1967)" وكتب الثانية وهى مؤرخة فى 25 مارس 1927 "حسنى يوسف" صاحب جريدة "لسان الشعب" ، وأشار فيها إلى أنه ألقى على الطبعة الأولى من المذكرات نظرة أخرى وأدخل عليها ما يلزم.

ولعل أحد الأسباب التى دفعت "صلاح عيسى" لإعادة نشر وتحقيق "مذكرات فتوة"، هو أنه سعى لإكمال مجموعته من المذكرات بعد أن اكتشف أن كتاب "مجموعة مذكرات فتوة المصورة" لا تضم سوى الجزء الثالث منها وملخصا لوقائع الجزئين الأول والثانى وهو السعى الذى مُني بخيبة أمل كبيرة -على حد تعبير صلاح عيسى- حيث لم يجد عيسى للكتاب بأجزائه الثلاثة أثرًا فى فهارس دار الكتب المصرية، مما دفعه للعودة إلى مجموعة صحيفة "لسان الشعب" لكى يجمع منها فصول الجزء الثانى التى نشرت مسلسلة على صفحاته..وبشكل عام فلقد كان حرص الجريدة على نشر "مذكرات فتوة" أمرًا طبيعيًا إذ يتماشى وينسجم مع التوجه العام لتحريرها ومع طابعها الصحفى ، كصحيفة شعبية تتوجه بالدرجة الأولى للقارئ العام.

ويضيف صلاح عيسى في تقديمه للكتاب "لم تكن الندرة السبب الوحيد وراء تفكيري في إعادة نشر وتحقيق مذكرات فتوة، فما أكثر المخطوطات التي لم تنشر من قبل ولا جدوى من تحقيقها ونشرها، وما أكثر المطبوعات النادرة التي لا فائدة في إعادة طبعها، ناهيك عن بذل مجهود في تحقيقها، إذ الأصل فى الحالتين أن يكون للنص - سواء كان مخطوطا أو نسخا قليلة من مطبوع - قيمة علمية أو أدبية أو تاريخية تبرر الجهد المبذول فى نشر المخطوط أو إعادة نشر المطبوع".

لقد كان أول من نبه صلاح عيسى إلى قيمة  "مذكرات فتوة" وأغراه لقرائتها هى المقدمة القصيرة التى كتبها للجزء الأول أحد أعلام الأدب والفكر والتاريخ فى القرن الماضى، وهو المفكر واللغوى والمؤرخ والصحفى السورى"خير الدين الزركلى" ، إذ بدا لـ"عيسى" غريبًا فى ضوء ما قرأه عن الزركلى ، أن يهتم بكتابة مقدمة لكتاب، لا يمكن أن يثير عنوانه اهتمام من كان فى مثل ثقافته الموسوعية، إلا إذا كان قد اكتشف فيه ،ما قد لا يكتشفه القارئ الذى يطالعه على سبيل التسلية والتفكه، وهو الأمر الذى تنبه له عيسى وهو يقرأ الكتاب أكثر من مرة وجعله يعود فى أعقاب كل منها إلى المقدمة ليعيد قراءتها فى ضوء قراءته للكتاب، على حد وصف صلاح عيسى نفسه.

أما الأمر الذى حسم تررد صلاح عيسى فى إعادة نشر الكتاب وتحقيقه هو أن ما كتبه "خير الدين الزركلى" عن الكتاب قد وجد دعما من كاتب آخر من أعلام القرن العشرين هو "حسين شفيق المصرى"، وهو صحفى وشاعر وكاتب ساخر اشتهر بالاهتمام بالتراث الشعبى وبالأدب العامى فى مصر، وتميز بكتابة لون مميز من الشعر الساخر ، الذى أطلق عليه فيما بعد "الشعر الحلمنتيشي"، حيث كتب حسين شفيق مقدمة ثانية تصدرت مع مقدمة "الزركلى" كتاب "مجموعة مذكرات فتوة المصورة" التى احتوت على ملخصين للجزءين الأول والثانى من المذكرات والنص الكامل للجزء الثالث منها.

مما سبق تبدو "مذكرات فتوة" نصا نادرا لأنه يحتفظ لنا بالمصطلحات اللغوية الخاصة بطائفة الفتوات خلال تلك المرحلة، وهي مصطلحات تشتد الحاجة للاحتفاظ بها بعد أن اختفت تشكيلات الفتوة ولم يعد لها وجود إلا في الروايات التي كتبها نجيب محفوظ.