الأحد 16 يونيو 2024

بدأت من العصر الفاطمي وانتهت بـ٧٧ طريقة الصوفية في مصر.. اعتدال

فن27-10-2020 | 20:41

تعد الطرق الصوفية في مصر من الظواهر الاجتماعية التي تمتد بجذورها إلى القرنين الثالث والرابع الهجري، وتنتشر الطرق الصوفية في جميع ربوع مصر؛ حيث تمتد على مساحة مصر الجغرافية كلها تقريبا، فلا تكاد تخلو قرية أو مدينة من وجود أتباع لهذه الطريقة أو تلك. وتكاد تتشابه الطرق الصوفية في مصر إلى درجة تكاد تذوب فيها الفوارق بينها؛ حيث تتشابه جميعها في شروط الانتساب، والمواصفات المطلوبة في الشيخ، وآلية تولي خلافة الطريقة، وحتى في الأوراد.


وهناك 77 طريقة صوفية في مصر تتفرع معظمها عن 6 طرق صوفية كبرى دخلت مصر جميعها في القرن الرابع الهجري، هي «الدسوقية، الشاذلية، الرفاعية، البدوية، العزمية، القادرية»، وتنظم تلك الطرق تحت لواء ثلاث مؤسسات هي "المجلس الأعلى للطرق الصوفية، الاتحاد العام لتجمع آل البيت، نقابة الأشراف".


وعن نشأت الصوفية نأخذ مقتطفا من حوار سابق للشيخ علاء أبو العزايم قال فيه إن نشأة الطرق الصوفية تعود للقرن الثالث الهجرى مع بداية الدولة العباسية، وهي فترة استقرار سياسي واقتصادي انعكست على مستوى الحياة الذي عاشه المسلمون آنذاك، فانتشر الفسق والفساد، لذلك بدأ منهج الصوفية في الظهور لإعادة المسلمين إلى دينهم الأول، عن طريق العبادة والذكر الذي يستمر لساعات مع حركات جسدية أقرب للتمارين الرياضية الخفيفة بشكلها الحالي "السويدي" بهدف تفريغ طاقة الإنسان، ليخلد للنوم ليلًا، بدلًا من ارتكاب المعاصي.


من ناحية أخرى تؤرخ العديد من الكتابات لبداية نشأة الصوفية ودخولها مصر إلى العهد الفاطمي؛ لما كان للدولة الفاطمية من اهتمامات بسير النبي وأهل بيته، فعمدوا نحو بناء الأضرحة للأولياء والصالحين، ثم جاء العصر العباسي ولما انتشر فيه من فساد زادت في مقابله تحركات الصوفية لمواجهة ذلك مستخدمين ما يسمى بـ «الرياضة الروحية» من إقامة حلقات ذكر يومية بعد صلاة العشاء بالمساجد في مصر، إلا أن التقنين الفعلي للطرق الصوفية في مصر جاء على يد «محمد علي باشا» في العام 1812م بإصداره فرمانًا من شأنه وضع الطرق الصوفية تحت لواء «سلطان شيخ السجادة البكرية» والتي تعد المرة الأولى لخضوع تلك الطرق لسلطة مركزية.


وتتميز الطرق الصوفية في مصر عن غيرها من الجماعات الإسلامية بتقبلها الآخر، فلا يوجد لديها مشاكل مع اليهود أو المسيحيين، ولا تحمل أية أفكار تدعو إلى العنف، فلم يخرج من عباءة الصوفية فى يوم من الأيام إرهابى واحد حتى اليوم.


ولأن الطرق الصوفية في مصر لاقت رواجا وترحيبا منذ دخولها مصر، وبالتالي هناك عائلات كبرى اشتهرت بالانتماء للصوفية منهم عائلة الشريف في صعيد مصر، والتي ينتمى إليها الدكتور محمود الشريف نقيب الأشراف ووكيل مجلس النواب، وهناك قبائل الجعافرة بقنا والتي تنتمى إلى الحجاج الأقصرى، وهناك عائلة ياسين الرفاعى التي ينتمى إليها الشيخ أحمد كامل ياسين نقيب الأشراف السابق، وهناك عائلة الجمازية التي تنتمى إلى القبانى القاسم الطهطاوي.


وعن طقوس التعبد والإنشاد كل حسب طريقته قال الشيخ علاء أبو العزائم في الحوار ذاته إن هناك طرقا متميزة جدا فى الإنشاد الديني حتى أنها تمتلك فرقة موسيقية خاصة بالإنشاد مثل الطريقة الجازولية، وهناك طرق تهتم بعلوم التصوف والشريعة، وهناك طرق تهتم بالإنشاد والعلوم، وهناك طرق لا تهتم لا بالعلوم ولا الإنشاد ويجمعهم فقط محبة الشيخ. وكل طريقة لها أذكارها وأرادها التي وضعها مؤسس الطريقة ولا يتم تغييرها، وهناك طرق مختلفة للذكر، هناك التمايل يمينًا ويسارًا، أو للأمام وللخلف، وهناك طريقة يقوم فيها المريد بالدوران حول نفسه، وتتكون الأذكار من أدعية مقتبسة أو مستوحاة من القرآن الكريم، وصلوات على النبي، وذكر لله بأعداد محددة وضعها مؤسس الطريقة، ويتم ترديدها بشكل جماعى خلال "الحضرة" والتى تعقد مرة أسبوعيًا أو شهريًا حسب كل طريقة.


وكذلك كان هناك فوارق بين الطرائق الصوفية ظاهرة للعيان، مثل طريقتهم في الزي المميز لكل طريقة، مثل الطريقة الأحمدية التي تتميز بالزي الأحمر، والبرهامية بالزي الأخضر، والرفاعية بالزي الأسمر٠


أما عما يتردد بأن الصوفية وسيلة لنشر الخرافات مثل قدرة بعض الأولياء على شرب السم أو المشي على الماء فالإجابة لدى الإمام الجنيدي الذي قال: "إذا كان شيخك يمشي على الماء ويطير فى الهواء ويخترق الجدران ولم يكن على الشريعة فأنت متبع لشيطان." ومن الممكن أن يكون هناك بعض الأولياء قاموا بأشياء خارقة - بإذن الله - ولكن هذه الأشياء لا يجب ذكرها ويجب أن تكون بين العبد وربه. الحقيقة أن هناك بعض البسطاء من مريدي الطرق الصوفية يحبون مشايخهم، فيقومون بتأليف كرامات وأشياء خارقة لم تحدث من الأساس، والكتب المذكورة فيها بعض القصص الخارقة عن الأولياء تم تحريفها ودس هذه القصص عليها.


وعن أهم الطرق الصوفية الرئيسية في مصر والتي تتفرع منها بقية الطرق، نلخصها في نبذة مختصرة وهم:


الطريقة البدوية


تنسب الطريقة البدوية إلى الشيخ أحمد بن على البدوى المولود في مدينة فاس بالمغرب سنة 596هجرية، 1199ميلادية، وهاجر مع أسرته إلى مكة ثم جاء إلى مصر في مدينة طنطا، ويعتبره الصوفية أحد الأقطاب الأربعة إلى جانب الجيلانى والرفاعى والدسوقى، وتعد من أكبر الطرق الصوفية في مصر ولها فروع كثيرة وشارتهم العمامة الحمراء والعلم الأحمر.


وتنتشر هذه الطريقة في جميع أنحاء مصر، ويقال إن مريديها يتجاوزون المليونين، وتتفرع منها الطريقة الشناوية والمرازقة وشيخها عصام الدين شمس الدين، والطريقة الشعبية وشيخها محمد الشعيبى، والزاهدية وشيخها حسن السيد يوسف، والجوهرية وشيخها الحسين بن حسن الجوهرى، والفرغلية وشيخها أحمد صبرى الفرغلى، والسطوحية وشيخها هانى سليمان، والبيومية وشيخها حامد فضل، والمحمودية والتسقيانية والمنايفة والجعفرية والحريرية والحلبية والسلامية والكتانية ومن أبرز رموز هذه الطريقة عبد العال البدوى الذي أوصى الرفاعى بأذكاره والشريف حسن أخو الرفاعى ومن المعاصرين الشيخ عصام الدين أحمد شمس الدين والشيخ حسن الشناوى.


الطريقة الرفاعية


تنسب الطريقة الرفاعية إلى الشيخ أحمد الرفاعى المولود بالعراق، واسمه أبو العباس أحمد أبى الحسم المنتسب إلى الإمام موسى الكاظم.


والرفاعى في مصر يتردد أنه من نسله ولكنه أول من ذاع الطريقة في مصر، وتنتشر هذه الطريقة في كافة ربوع مصر، وكان يقودها الشيخ أحمد كامل ياسين نقيب الأشراف السابق، ويتردد أن عدد مريديها 6 ملايين مريد.


الطريقة القادرية


تنسب الطريقة القادرية إلى الشيخ عبد القادر الجيلانى المولود بجيلان ببلاد فارس،ـ ويعتبره المتصوفة أول من نادى بالطرق الصوفية، وتنتشر هذه الطريقة في القاهرة، وأغلب محافظات مصر وتتفرع منها الطريقة الفارضية والطريقة القاسمية والطريقة الشرعية ويتجاوز عدد مريديها المليون شخص ومن أبرز رموزها الشيخ عبد الوهاب الجيلانى وأبو بكر عبد الرازق الجيلانى المشهور بأبو رمانة والشيخ جمال الدين عبد القدوس.


الطريقة الشاذلية


تعتبر الطريقة الشاذلية من أكبر الطرق الصوفية المعروفة في مصر، وتنسب إلى أبى الحسن على بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلى المولود بالقرب من سبتة بالمغرب، وتنقل إلى تونس ومنها للإسكندرية، ويبلغ عدد مريديها أكثر من مليونين ومن أشهر رموزها أبى المرسي العباس وابن عطاء السكندرى.


الطريقة الدسوقية


 هي إحدى الطرق الصوفية التي تنتشر بشكل كبير في مصر، وتسمى البرهامية وتفرعت منها عدة فروع، وينتسبون إلى برهام الدين إبراهيم أبو المجد المعروف بالدسوقى، وهو أحد أقطاب الصوفية الأربعة، ويزعم أتباعها بأنها خاتمة الطرق الصوفية، وأكثرها انتشارا ومن فروعها الطريقة الشرنوبية وشيخها محمد عبد المجيد الشرنوبى والسعيدية الشرنوبية والشهاوية ومن رموزها الحاليين الشيخ محمد عبده البرهانى، ومحمد على عاشور، ومحمد عبد المجيد الشرنوبى.


الطريقة الخلوتية


وتنسب الطريقة الخلوتية إلى الشيخ محمد بن أحمد الخلوتى الذي نشأ في بيت المقدس ورحل إلى عدد من المدن حتى استقر بمصر، واشتهرت هذه الطريقة بهذا الاسم لقيامهم بتربية المريد في الخلوة وأشهر رموزها الشيخ عمر الخلوتى ومحمد الخلوتى وتنسب في مصر للشيخ مصطفى كمال الدين البكرى الذي أدخل الخلوتية إلى مصر، وتنتشر هذه الطريقة في معظم محافظات مصر ولها فروع عديدة منها الغنيمية والهراوية والحبيبية والبكرية وغيرها.


ولهذه الطرق احتفالات خاصة بذكرى مولد شخصيات دينية أبرزها مولد السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، وعبد الرحيم القنائي، وأبو الحجاج الأقصري، لكن وفي وقتنا الحالي ونظرا للظروف التي يمر بها العالم بسبب تفشي وباء كورونا فقد اتخذت الدولة المصرية إجراءات استثنائية لمواجهة الوباء من بينها إلغاء الاحتفالات الخاصة بالموالد، وكذلك الأمسيات الرمضانية والتي تكتسب طابعا خاصا في شهر رمضان لدى مريدي الطرق الصوفية في مصر، حيث يتوافد آلاف على ساحات الذِكر الخاصة بهم لقضاء الشهر في العبادة وترديد الأناشيد الدينية، ولأن قيادات الصوفية "تعلم خطورة المرحلة" التي تمر بها البلاد بسبب تفشي الوباء، لذلك جرت الموافقة على هذا القرار بإلغاء جميع التجمعات الصوفية رغم صعوبته بالنسبة إلى الكثيرين.