الخميس 23 مايو 2024

الإعلام والمشروعات القومية

مقالات14-6-2021 | 15:28

على مدار ما يزيد على ست سنوات، دشنت الدولة المصرية العديد من المشروعات القومية والكبرى التى ساهمت فى رفع مستوى الاقتصاد الوطنى والدخل القومي، بما عظم من مردوداتها على حياة المواطنين والارتقاء بمستويات معيشتهم، وهو ما يمثل دافعا مهما لدعمهم للدولة فى مواجهة التحديات والتهديدات، إذ ثبت تاريخيا أن الشعب المصرى يلتف حول المشروعات القومية على غرار ما حدث فى مشروع توسعة قناة السويس، ذلك المشروع الذى اعتمد كلية على أموال المصريين وسواعدهم، لتمويل حفرها فى عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام طبقا لما كان هو مخططا له.

 

وغنى عن القول إن ما تحقق من إنجازات متعددة ونجاحات متنوعة على مدار الأعوام الستة الماضية كان نتاجا لرؤية قائد يحمل طموحا للمستقبل، وتخطيط وتنفيذ حكومة وطنية تعمل بروح التحدى للصعوبات، ومساندة قوية من أبناء الشعب بكل عطاء وإخلاص. تلك هى ثلاثية النجاح الذى تحقق على الأرض المصرية.

 

ويؤكد على ذلك ما جاء فى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال افتتاحه لعدد من المشروعات القومية بنطاق محافظة الإسكندرية فى التاسع والعشرين من أغسطس 2020، حيث أشار إلى أنه "لا يوجد أحد فى العالم يفتتح مشروعات على الهواء إلا فى مصر"، معللا ذلك بأن الهدف هو "مشاركة جميع المصريين لتوضيح حجم الجهد المبذول والتكلفة والتحدى الذى نواجهه فى تنفيذ تلك المشروعات".

من هذا المنطلق يصبح ثمة ضرورة ملحة أن ننظر بتمعن ودقة إلى الدور الذى يقوم به الاعلام فى مساندته ودعمه للمشروعات القومية والكبرى التى تقيمها الدولة فى إطار رؤيتها الطموحة بتأسيس دولة عصرية تلبى طموحات مواطنيها وتحمى سيادتها وتصون استقلالها فى مواجهة الاطماع المتزايدة فى الدولة المصرية بمكانتها التاريخية وبموقعها الجيواستراتيجيى وبحضارتها الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ.

 

لذا، أضحى الحديث عن العلاقة التشابكية أو بدقة أكثر العلاقات التبادلية بين الاعلام والمشروعات القومية والكبرى، حديثا يرقى إلى الفرض الذى يجب ان يؤديه كل مسئول فى وسيلة إعلامية سواء أكانت مقروءة أم مرئية أم مسموعة. ويمتد هذا الفرض إلى المواطن الذى اصبح بحكم التطورات التكنولوجية فى مجال الاعلام، فاعلا رئيسيا ولاعبا أساسيا فيما يبث عبر وسائل التواصل الاجتماعى والتى تزايدت تأثيراتها، وتشعبت أبعادها، وتنوعت مصادرها، وتباينت مرجعياتها.

 

وإذا كان صحيحا أن للإعلام دورا فى دعم المشروعات القومية والكبرى، فإنه من الصحيح أيضاً ان تفعيل هذا الدور يجب أن يستند إلى مرتكزين رئيسيين: الأول، أن يكون اعلاما شارحا ومفسرا ومبسطا لما يُرسم من أهداف وما يُنفذ من سياسات وإجراءات، حتى تصل الرسالة الإعلامية بكل يسر وسهولة إلى جميع المستهدفين وخاصة الفئات الأقل تعليما وتثقيفا. بمعنى أكثر وضوحا كلما كانت الرسالة الإعلامية رسالة واضحة ومباشرة كلما نجحت فى الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمعات بمختلف ثقافتهم وتعليمهم واختصاصاتهم. شريطة ألا يكون هذا التبسيط مخل فيما يُعرض من حقائق ترصد ما يجرى على الأرض من إنجازات ونجاحات.

المرتكز الثانى يتمثل فى أن يكون الاعلام مدركا لكافة جوانب ومردودات المشروعات القومية، حتى تكون الصورة المقدمة إعلاميا واضحة جلية للدور الذى تلعبه هذه المشروعات فى رفد الاقتصاد الوطنى وترسيخ جذور مؤسساته القادرة على تحقيق طموحات المواطنين وتلبية احتياجاتهم. فعلى سبيل المثال يجب على الاعلام حتى يكون سندا قويا لهذه المشروعات أن يوضح مردوداتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إذ تلعب هذه المشروعات دورا فى توفير المزيد من فرص العمل للحد من ازمة البطالة المتصاعدة، هذا من ناحية.

 

ومن ناحية أخرى، تعمل هذه المشروعات على ترسيخ العدالة الاجتماعية فى السماح لكافة المواطنين من الحصول على السلع والخدمات بأسعار تناسب دخولهم. ومن ناحية ثالثة، تحمى هذه المشروعات الدولة من الوقوع فى براثن الفوضى والصراع والاحتراب الداخلى، فحينما تنجح الدولة فى توفير السلع والخدمات بما يناسب دخول مواطنيها، وحينما تنجح الدولة فى توفير المزيد من فرص العمل للشباب والعاطلين بما يحسن من مستويات معيشتهم، وحينما تنجح الدولة فى توفير احتياجات شعبها وقت الازمات والطوارئ التى تفرض حالة من الحصار أو الاغلاق على غرار ما جرى مع تفشى جائحة فيروس كورونا المستجد، تستطيع هذه الدولة تحقيق قدرا معقولا من الاستقرار السياسى والتماسك المجتمعى الذى يمكنها بدوره من استكمال خططها والحفاظ على مكتسباتها.

 

وفى ضوء ذلك، يصبح من الأهمية بمكان أن تولى الدولة اهتماما كبيرا بالإعلام ودوره فى مساندة خططها التنموية واستراتيجياتها المستقبلية، فى مقابل هذا الاهتمام يجب على الاعلام بمختلف صوره ووسائله أن يلتزم بمسئولياته الوطنية فى توثيقه لهذه المشروعات بشكل يعكس واقعها الراهن ودورها المستقبلى والجهود والتضحيات التى بذلت فى سبيل اقامتها وانطلاق عملها حتى يشعر المواطن بحجم ما دُفع فيها، فيكون داعما ومحافظا عليها بل ومدافعا عن استدامتها وتطويرها.

كما يجب على الاعلام أن يحقق العدالة فى تغطيته للمشروعات القومية، بحيث تشمل جميع المناطق الجغرافية المستفيدة، إذ فى بعض الأحيان يتوجه التركيز على منطقة معينة أو مناطق معينة أو مشروعات محددة، فى حين لا تحظى مناطق أو مشروعات أخرى بذات القدر من الاهتمام والتغطية الإعلامية.

 

فضلا عما سبق، على الإعلام أن تكون تغطيته للمشروعات الكبرى متسمة بالموضوعية والدقة ونقل المعلومات الصحيحة والاستناد إلى الأرقام والبيانات الموثقة، بما يكسبه رأيا عاما مؤيدا بل ومتابعا مستمرا لما يُنشر، ومشاركا فيما يجرى على الأرض على غرار ما جرى مع مشروع قناة السويس الجديدة وغيرها من المشروعات التى شهدت اقبالا جماهيريا كبيرا سواء للمشاركة فيها والعمل بها.

 

ما نود أن نؤكد عليه أن دور الاعلام الوطنى هو دور رئيسى فى نجاح خطط الدولة وتنفيذ استراتيجياتها، بما يخلقه من رأى عام مؤيد ومساند ومشارك على ارض الواقع فيما تقيمه الدولة من مشروعات قومية تحتاج إلى تكاتف جهود الجميع وتعاضد مساعيهم وتكامل رؤاهم، ولتحقيق ذلك يتطلب الامر العمل على مسارين مهمين لضبط العلاقة بين الحكومة والقائمين على الاعلام بمختلف صوره وخاصة الاعلام التقليدي: المسار الأول، يركز على دور الحكومة فى أهمية تزويد الاعلام بالبيانات والمعلومات والحقائق بشكل سريع ودقيق حتى يتمكن من نشرها على نطاق واسع فى مواجهة سيل الاتهامات والاكاذيب التى تواجهها الدولة من وسائل اعلام معادية. أما المسار الثانى، يركز على مسئولية القائمين على وسائل الاعلام التقليدية، حيث تكمن هذه المسئولية فى ضرورة تحرى الدقة والمصداقية فيما يُنشر من اخبار وتحليلات ورؤى حتى يعطى صورة حقيقة عن الواقع الراهن دون افراط أو تفريط. فضلا عن دورهم كذلك فى تنظيم العديد من الفعاليات وخاصة فى المناطق النائية (سواء على الحدود أو فى القرى والنجوع) لتوضيح الحقائق على الأرض والمجهودات المبذولة بما يضمن تجسير الفجوة التى تحاول جماعات التطرف والإرهاب استغلالها لكسب نقاط ضد الدولة المصرية التى سرعان ما تستعيد مكانتها محليا وإقليميا ودوليا.

إلى جانب مسئولية القائمين على وسائل الاعلام، ثمة مسئولية أكبر على المواطنين كافة، تتعلق هذه المسئولية بما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعى التى تشهد بحكم عدم خضوع ما ينشر عليها إلى تقييم مهنى كما يحدث مع وسائل الاعلام التقليدية، تشهد سيلا من الشائعات والاكاذيب التى يتناقلها المواطنون دون أدنى جهد من التحرى والتيقن بما قد يخلق حالة من البلبلة والارتباك، وهو ما يعزز من دور الاعلام الرسمى فى كشف الحقائق وزيفها وتكذيب المغالطات وتصحيحها، مع أهمية توعية المواطنين بحجم التحديات وخطورة التهديدات حتى يكونوا سندا قويا لمجهودات الدولة.

 

ملخص القول إن الإعلام فى عصر التكنولوجيا الرقمية أضحى سلاحا ذا حدين، وأضحت إدارته من المهام الصعاب التى تتطلب وضع رؤى ورسم خطط وتحديد سياسات وتنفيذ إجراءات بدقة ومتابعة وتقييم. وإذا كان الامر بهذا الشكل بصفة عامة، فإن دوره فى تغطية نجاحات الدولة فى المشروعات القومية يصبح أكثر أهمية وخصوصية فى نشر الوعى بما تحقق من إنجازات وما هو مستهدف من طموحات، بما يخلق تلاحما عميقا بين الدولة وأجهزتها والمجتمع ومؤسساته، وهذا هو خط الدفاع الأول والأخير عن الدولة الوطنية فى مواجهة أية تهديدات تأتى من الخارج أو تتحرك من الداخل. فالإعلام الوطنى هو الاعلام المهنى القادر على تقديم صورة حية عن واقع المشروعات القومية واهميتها ومستهدفاتها فى بناء دولة تتطلع إلى المستقبل على أسس صحيحة ومرتكزات سليمة.