مهنة، تنتمي إلى سجل المهن غير النظيفة، يقوم بها بعض الأفاقين، بمهارة فائقة، يستغلون أي فرصة لاستخراج مكسب من جيوب الآخرين، حتى ولو كانوا لا يعرفونهم، فقط يتربص ثم يلقي أسبابه الواهية التي قد تكون مقنعة للبعض، ثم يقتنص مال فريسته بلا رحمة.
مهنة "النصب والتسول المقنع"، التي يفرد صاحبها الأسباب الكاذبة لضحيته، في شدة الاحتياج، حتى ينصاع له صاغرا، إما ضجرا من إلحاحه المستمر، أو تصديقا لادعائه، أو رغبة في الثواب والأجر.
روى لي صديقي المقيم في إحدى المدن عن هذا الشخص الذي اعتاد التسول من الآخرين، ويرتدي ثيابا مهندمة، والذي ما إن يلتقي فريسته حتى يسرد له الأسباب ويعدد له الابتلاءات التي تبرر حاجته الشديدة إلى المال.
وأكمل صديقي إن هذا الشخص طلب منه في إحدى المرات، مبلغا كبيرا من المال، كي يبادر إلى إجراء جراحة عاجلة لإحدى قريباته، مؤكدا له أنه جمع بالفعل ما يقرب من ثلثي المبلغ ويتبقى له الثلث، وعرض الصديق بالفعل مساعدته من خلال إحدى الجمعيات الخيرية التي عرضت التكفل التام بإجراء الجراحة، إلا أن "الزلنطحى" عندما علم بهذا وانقطاع أمله في الحصول على المال، تهرب من الموضوع برمته، معللا الأمر بأن الأطباء قالوا بأنه لا فائدة مرجوة منها.
يعمل هذا النموذج "الزلنطحي"، في إحدى الشركات الخاصة الشهيرة براتب كبير منذ ما يقرب من 20 عاما، فضلا عن إرثه عن أسرته، عقارا ومبلغا كبيرا من المال، لكنه يأبى إلا أن يمارس "بغاءه المقنع"، فينتهز مثلا عودة أحد أبناء المدينة من الخارج، أو قدوم أحدهم من القاهرة، وفي غمضة عين يطرق باب بيته طالبا منه أي نقود، ذارفا الدمع على حاله، مختلقًا الأسباب المتعددة في حاجته إلى هذا المال.
أمثلة كثيرة، لا يمكن حصرها، على تمثيليات محترفي مهنة "التسول المقنع"، الذين يختلقون أسبابا وهمية لا وجود لها من الأصل، لاستنزاف جيوب الآخرين، عن طريق دغدغة مشاعرهم، واللعب على أوتار العواطف لديهم.
يقول الله عز وجل فى محكم آيات التنزيل في سورة البقرة الآية (273): بسم الله الرحمن الرحيم (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) صدق الله العظيم.
كما ورد في السنة النبوية المطهرة عن هذا الأمر: (عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس على وجهه مزعة لحم»، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم).
والمزعة هي القطعة، أي يأتي يوم القيامة ذليلاً لا وجه له أمام الله عز وجل، ولا أقصد هنا من يحتاجون فيبادرون بالاستدانة والرد حال تيسر الحال، وكلنا قد نكون عرضة لهذا، لكن أشير إلى ما يطلبونه على سبيل الصدقة والإحسان، بينما خزائنهم عامرة بالمال الوفير وبيوتهم مكتنزة بالخيرات.
كلنا معرضون لعثرات الزمن، نعم، ولا يضمن أحدنا حاله فى هذه الدنيا التى تقلبنا بين الضيق والسعة، ولا أقول بعدم اللجوء إلى الآخرين حال الضيق الشديد والحاجة القاهرة إلى طعام وشراب ودواء، بل نلجأ إليهم ولكن مع الوعد الصادق بالرد حال التيسر والوفرة وبموعد مشروط ومحدد.
لكل "أفاق" دع الفهلوة جانبا، فهذا المال المتسول من أجله، قد يكون وبالا وحراما عليك، وكلمة في أذن المتصدقين بأموالهم تحروا عن المتعففين وأعطوهم وساعدوهم، ولا تصدقوا "الزلنطحية" وأشباه الرجال وأفضحوهم على رؤوس الأشهاد.