الإثنين 25 نوفمبر 2024

السيسى والدولة المصرية.. من تثبيت المؤسسات ومواجهة الإرهاب .. إلى التطوير والابداع

  • 24-5-2017 | 14:28

طباعة

بقلم : د. حسن أبوطالب

فى أدبيات نظم الحكم والعلاقات الدولية فإن الدولة القومية أو الوطنية هى عصب النظام الدولى وهى العنصر الحاسم فيه، وهى الفاعل الرئيس الذى يتكون من عناصر محددة كالأرض والشعب والحكومة، وهى بذلك لديها شقان؛ أولهما مادى يتعلق بالأرض تحدها حدود معترف بها، وما فيها من موارد طبيعية، وكلاهما يحتاجان إلى حماية من القائمين على الحكم بتفويض من الشعب. أما الشق المعنوى فهو يتعلق بالسيادة، وهى جملة الصلاحيات المطلقة التى يملكها الشعب ويفوض بها الحكومة لكى تمارس مهامها أمام الغير. والحكومة هنا تعبير مجازى يعنى النظام السياسى ككل، والذى يتشكل بدوره من مؤسسات يتحدد دورها وعلاقتها بالشعب وبالمؤسسات الأخرى من خلال عقد اجتماعى يعرف بالدستور، وهو أبو القوانين الذى ينظم حياة المجتمع تفصيلا. والهدف الجامع لهذه المؤسسات هو حماية الدولة وبقاؤها ومجابهة ما تواجهه من تحديات أو تهديدات أيا كان مصدرها فى الداخل أو من الخارج.

منظومة عمل ديناميكية

وهكذا فالدولة الوطنية هى منظومة عمل ومنظومة قيم ومنظومة أداء تستهدف صيانة أسلوب حياة المواطنين الذى يرتضونه بدون إجبار أو قهر من أى طرف كان، وتراعى التطور السلمى التدرجى، وتحمى حقوق الشعب وكرامته.

مفهوم الدولة على هذا النحو المتداخل بين المادى والمعنوى، بين الحركى والقيمى ليس مفهوما ساكنا، بل مفهوم يتمتع بالديناميكية والحركية، لاسيما فى ظل التطورات والمتغيرات التى تعيش فى ظلها الدولة الوطنية. وهنا نلاحظ:

أولا أن هذه التطورات نفسها كالتى نعرفها بالعولمة مثلا هى نتاج تفاعلات الدول نفسها فيما بينها فى مجالات الاتصالات والتجارة والاقتصاد والرياضة والمفاهيم الثقافية والأفكار، وهذا يعنى أن ما تنتجه الدولة الوطنية يسهم فى تشكيل البيئة الدولية العامة التى تتفاعل معها هذه الدولة.

والملاحظة الثانية هى أن تفاعلات الدول فيما بينها ليست سلمية دائما، ففيها من التحديات والتهديدات والعنف النظامى الكثير والكثير، وهى ما يفتح أبواب الحروب النظامية جنبا الى جنب الحروب التى تعرف الآن بحروب الجيل الرابع وقوامها الدعاية والتحريض بهدف كسر حالة التماسك المجتمعى فى بلد ما، تمهيدا لإسقاطه فى يد مجموعات تحركها الدول المعادية.

الملاحظة الثالثة أن هناك ما بات يعرف بالفواعل غير الدول، وهى تلك الجماعات والمنظمات التى تتعامل مع المجتمعات ومع الأفراد وتدعى أحيانا أنها تعمل لصالحهم ضد دولهم مثل جماعات ومنظمات حقوق الإنسان، أو أنها تعمل لهدم النظام الدولى القائم بما فيه من دول ومجتمعات ومنظمات دولية، وتسعى لبناء نظام دولى جديد تماما مثل سيادة العالم والخلافة العالمية والأمة الواحدة ووسيلتها فى ذلك الإدعاء بما يعرفونه الجهاد المطلق والمستمر. وبينما تتعامل منظمات حقوق الإنسان وفق أساليب سلمية بشكل عام من خلال البيانات والتقارير ونشر معلومات لغرض التأثير على أداء الدولة تجاه مواطنيها، فإن الصنف الثانى يستخدم التحريض والعنف واستقطاب الأفراد للقيام بمهام عنيفة لغرض إسقاط الدولة وهو ما نعرفه بظاهرة الإرهاب، والتى تعانى منها دول عديدة فى عالمنا المعاصر وإن كانت بدرجات مختلفة، ومن بينها مصر.

رؤية مبكرة للسيسى

الدولة الوطنية بهذا المعنى وما تواجهه من تحديات وتهديدات ومخاطر مختلفة المصادر مثلت جانبا مهما من فكر ورؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى، حتى قبل أن يكون فى موقع الرجل الأول فى البلاد، ومن الأفكار المُبكرة التى عبر عنها السيسى حين كان نائبا أول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى، تلك التى تعبر عن العلاقة الجدلية بين فكر الدولة وفكر الجماعات الموجودة فى الدولة، وكيف أن هذه العلاقة قائمة على أن فكر الدولة هو أكثر رحابة من فكر كل الجماعات والمنظمات التى تعمل فى كنفها، وأن فكر أى جماعة مهما كانت شعبيتها فى مرحلة ما لا يمكنه وحده استيعاب الدولة ككل، بل عليه أن يرقى أولا إلى رحابة فكر الدولة بشموليته واتساعه وتسامحه وقبوله للجميع بلا إقصاء، وإن لم تفعل الجماعة ذلك فمصيرها هو السقوط.

هذه الفكرة الجدلية وإن كانت تحاول شرح أسباب سقوط حكم جماعة الإخوان بعد عام واحد فقط، جاءت بوضوح فى حواره المنشور فى “المصرى اليوم” بتاريخ ٨ اكتوبر ٢٠١٣ ، حيث قال “ إن هناك فارقًا كبيرًا جدًا بين النسق العقائدى والنسق الفكرى لأى جماعة، وبين النسق الفكرى والعقائدى للدولة، ولابد أن يتناغم الاثنان مع بعضهما، وحين يحدث التصادم بينهما هنا تكمن المشكلة، وحتى يتناغم الاثنان مع بعضهما (نسق العقيدة ونسق الدولة) يجب أن يصعد أحدهما للآخر، إما أن تصعد الدولة إلى الجماعة، وهذا أمر مستحيل، وإما أن تصعد الجماعة إلى الدولة، من خلال التخلى عن نسقها العقائدى والدينى، وهذا أمر أعتقد أنهم - الإخوان ـ لم يستطيعوا فعله، لأن ذلك يتعارض مع البناء الفكرى للجماعة، وسيبقى هذا الفارق بين النسقين مؤديًا إلى وضع متقاطع يقود إلى وجود مشاكل وفوارق، تجعل الناس تشعر بهذا الوضع وتخرج للتظاهر»

هذه الإشكالية حسب إدراك السيسى لا تتوقف عند حد التصادم المحتمل بين جماعة منغلقة على نفسها ورافضة قبول الآخر فى منظومة الدولة وساعية الى اقتناص الدولة نفسها دون القدرة على ذلك، ولكنها – أى الإشكالية بين نسق الدولة ونسق الجماعة – تمتد الى التشابك والتداخل بين النسق العقائدى للدولة والنسق العقائدى للفرد، ولكن النتيجة أن هناك مسارا مختلفا، ذلك أن للفرد أيضا «نسق وبناء فكرى وعقائدى»، لكن هذا البناء العقائدى للفرد قد ينسجم مع الدولة، لأنه فى هذه الحالة قد يختار الصعود إلى نسق الدولة للتناغم معها، لكن ذلك يصعب حدوثه فى حالة المجموعة، لأن لها عقيدة واحدة، وتتصور أنها لو فرَّطت فى فرد منها، فإنها تفرّط فى الفكرة نفسها». وهنا نلاحظ أن المرونة تتحقق فى علاقة الفرد غير المتورط فى جماعة منغلقة على نفسها وتكره الآخر، بينما لا يمكن أن يتحقق ذلك مع الجماعة ذات الفكر الإقصائى.

حتمية المواجهة مع الجماعات الشمولية

جوهر الفكرة هنا يتعلق بأن الدولة ككيان هو الإطار الجامع للأفراد والجماعات أيا كانت الأنسقة الفكرية التى يؤمنون بها شرط الا تتصادم هذه العقائد مع فكرة الدولة نفسها، وهو ما يؤدى إلى الاستنتاج بأنه طالما أن جماعة ما لا تسعى إلى التكيف مع المساحة الفكرية والعقائدية الرحبة للدولة، فسيكون هناك صدام حتمى، إلى أن تتراجع هذه الجماعة عن طموحاتها غير الواقعية وغير الممكن تحقيقها، وإن لم يحدث هذا التراجع فليس أمام الدولة سوى الاستمرار فى المواجهة حتى يزول خطر تلك الجماعة تمام الزوال.

مثل هذا الفكر المُبكر للسيسى يؤشر إلى أسلوب المواجهة المشروع قانونا ودستورا والذى تم التعامل به مع كل الجماعات الرافضة للانصياع للدولة بدستورها وقوانينها ومؤسساتها، سواء كانت الجماعة أو داعش أو القاعدة وفروعها متعددة الأسماء والشعارات. فالبقاء للدولة ولا انصياع لعنف مهما كان مصدره. وكان السيسى قد لخص هذه الفكرة أمام حشد من ضباط الشرطة ١٨ اغسطس ٢٠١٣ بقوله «لو كان فيه تصور إن العنف هيركع الدولة أو الناس، ده أمر محتاج مراجعة»، والرسالة هنا واضحة الدلالة وموجهة لمن توهم يوما أنه يستطيع أن يتغول على الدولة بالعنف والتحريض واسقاط المؤسسات. ومقابلها أن العنف المنظم قانونيا ودستوريا هو عنف الدولة ضد من يجرؤ على مواجهتها فى الداخل أو فى الخارج. وعنف الدولة منوط حصريا لأجهزة الأمن المشروعة وهما الشرطة والجيش حصرا، حيث الانتماء والولاء لهما للدولة بحدودها وشعبها ومواردها، ومن ثم «حماية الدولة ستبقى أمانة فى أعناق الجيش والشرطة والشعب المصري»، حسب قول السيسى فى ١٨ اغسطس ٢٠١٣.

تحديات التطلع الى الأمام

ولما كانت الدولة كائنا متحركا لا يعرف السكون، يتطلع دائما الى الأمام، فى الآن نفسه تواجه مشكلات وتحديات مختلفة، نابعة من تراكمات سابقة أو تطورات حديثة فى العالم أو الإقليم، فهنا يكون السؤال كيف تتصرف الدولة؟ جاءت الإجابة المبكرة لدى عبدالفتاح السيسى مركزة على ثلاث قضايا محورية:

الأولى قضية التطور الديمقراطى فى مصر وحسب السيسى “الممارسة الديمقراطية لأى دولة زى مصر فى البداية بتاعتها تبقى هشة وضعيفة، عقبال الناس ما تعرف تشتغل وتتحرك وتحكم نفسها وتدير أمورها بتاخد سنين»، والمسألة هنا مرتبطة بالممارسة الفعلية وفى ظل أى ظروف، ولما كانت مصر تعانى اضطرابات الفترة الانتقالية، فبدا منطقيا لدى السيسى أن الأمر سوف يتطلب بعض الوقت إلى أن يعتاد المجتمع ككل أسس الممارسة الديمقراطية وقيمها الكلية، وأن الزمن كفيل بالتغلب على هذه الإشكالية.

الثانية وهى العلاقة بين التحديات التى تواجه الدولة المصرية بإمكانياتها المحدودة والقدرة على احتواء تلك التحديات والتغلب عليها، ووفقا للسيسى فإن «حجم التحديات كبيرة جداً، لأنها تراكمات سنين طويلة جداً، التحديات أكبر من مصر، ضخمة جداً قد تكون أكبر من قدرة مصر كدولة لكنها ليست أكبر من قدرات المصريين». فإذا كانت الدولة إمكانياتها محدودة ولا يمكنها التغلب بمفردها على هذه التحديات، فإن الاعتماد على المصريين وقدراتهم فى التضحية، وفى قبول الإجراءات الصعبة والتجاوب معها، إذ تشكل بؤرة إيمان قوية لدى السيسى منذ فترة مبكرة. فالشعب هو الرهان، والذى يمكنه وحده أن يُعوض محدودية إمكانات الدولة فى مواجهة تحديات هائلة.

الثالثة وهى مرتبطة بأحداث تلك الفترة المبكرة فى مواجهة العنف والتخريب الذى شاع فى مواقع مختلفة فى مصر، فى وقت لم تكن الأجهزة الأمنية الشرطية قد استطاعت أن تستجمع قواها، وهنا لاحظ السيسى أن الأمر يتطلب انتقالا جوهريا فى أسلوب المواجهة مع جماعات العنف والتخريب والانتقال من الاحتواء السلبى إلى المواجهة النشطة، «فعملية ضبط النفس والاستمرار فى تلقى الضربات لن تستمر لأنها ستؤدى إلى مخاطر شديدة على أمن مصر، لا المديرية ولا القسم ولا المحافظة وممتلكات الناس، هذا الأمر لن يستمر وسنتصدى له بكل قوة وحسم، الأمر واضح خلاص اللى بيهاجم ده عايز يهد مصر، وإن لم تدافع فأنت تساهم فى هد مصر».

وفى هذا الإدراك يتضح أن تغيير أسلوب المواجهة بات أمرا لا مفر منه، فإن لم تكن هناك مواجهة، ستكون النتائج وخيمة، بل ستؤدى عمليا إلى تحقيق أهداف جماعات العنف والتخريب. بعبارة أخرى أن المواجهة هى طريق الخلاص للدولة والناس والمؤسسات، فهى «التى ستحقق الاستقرار الأمنى لكن بشرط أن يصاحبها بنفس التوقيت ونفس الجهد عملية تنمية شاملة»، حسب ما جاء فى حوار السيسى ٤ مايو ٢٠١٤ مع الإعلامييْن إبراهيم عيسى ولميس الحديدى أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية. وفى الحوار ذاته بَيّن السيسى أن التغلب على حالة الضيق التى تصيب المواطن البسيط مرتبط ببناء الثقة فى الحكم، فالمصريون «لو وجدوا أملا حقيقيا على الأرض سيتحملوا كثيراً أكثر من أى شعب ودورنا – أى من يتولون السلطة - هو إزالة حالة الشك وإحلالها بحالة ثقة فى الدولة والنظام ببعضنا البعض».

بقاء الدولة مرتبط برضاء الناس

وفى البرنامج الانتخابى للمرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى نلاحظ تفصيلا أكثر فى مفهوم الدولة وصلتها بنظام الحكم ورضاء المواطنين من خلال تعميق المواطنة وحيادية الدولة، إذ «من حق المواطن المصرى أن يطمئن تماما إلى سيادة مبدأ المساواة والمواطنة، فيضمن حياد مؤسسات الدولة كلها، وحرصها على الفصل بين الدولة والنظام السياسى الحاكم رئيسًا وحكومة وأحزابا، بحيث تقدم الدولة خدماتها لجميع المواطنين على أساس العدالة والمساواة الكاملة بينهم بصرف النظر عن انتمائهم السياسى أو عقيدتهم الدينية أو غير ذلك من الفروق الطبيعية بين الأفراد» ، ويستطرد البرنامج الانتخابى «ففى هذا العهد الجديد لا بد أن تنطلق عملية جادة لإعادة بناء مصر ومراجعة طريقة حكمها وأسلوب إدارتها والعمل على إصلاح المؤسسات العامة بعد أن أصابها الترهل والرتابة، كى تستعيد كفاءتها وتقوم بتطوير أجهزتها الإدارية وتحديثها حتى تصبح قادرة على القيام بمسئولية النهوض بمصر الحديثة. وهو ما يتطلب إصلاحات جذرية لكنها ضرورية لا مفر منها الآن».

وهنا يتضح أن بقاء الدولة المصرية على ما هى عليه ليس خيارا ملائما، بل المطلوب هو مراجعة كل شئ وإصلاح المؤسسات العامة واستعادة كفاءتها لكى تقوم بمسئولية النهوض التى لم تعد خيارا بل فرضا، وإلا ضاعت الدولة نفسها. ولكى لا تضيع مصر فالمطلوب حسب رؤية السيسى «استكمال عملية البناء الديمقراطى على اعتبار أن ضمان استقرار مصر وتطورها لن يتم بالحفاظ على المؤسسات فحسب، بل باحترام هذه المؤسسات للدستور ومبادئ دولة القانون دون أى خروج عليه أو انتهاك لقيمه أو استئثار لفصيل أو طبقة دون أخرى».

ولكى تنجو مصر من أى فشل فلابد أن يترسخ الوعى لدى الجميع «بأن أخطر ما يمكن أن تتعرض له دولة مثل مصر يعيش على أرضها نحو ٩٠ مليون نسمة تواجه تهديدات من الداخل وعلى الحدود هو أن تسقط فى براثن الفشل، وتعجز عن تحقيق الحد الأدنى المطلوب من الأمن والتنمية والعدالة لمواطنيها». فالبقاء للدولة ككيان كفؤ ومتطور مرتبط بالأمن والتنمية والعدالة لكافة المواطنين. ومرتبط أيضا بأن «تكون مصر جمهورية ديمقراطية دولة قانون ومؤسسات بمشاركة كل الاتجاهات فى العملية السياسية وبتداول للسلطة يتم فى إطار دستورى وقانونى يكون مكفولاً للجميع». 

الإرهاب وخطره

مع تولى المسئولية كرئيس للبلاد، ركز الرئيس عبدالفتاح السيسى على أهم تحدى يواجه الدولة المصرية وهو تحدى الإرهاب، وفى حواره مع قناة «سى إن إن» العربية ٢٥ /١٠ / ٢٠١٤ أوضح أن معركة مصر مع الإرهاب فى سيناء طويلة «وأن هدفها هو إسقاط الدولة المصرية، ونحن نكافح الإرهاب منذ شهور وتمت تصفية المئات من الإرهابيين والمعركة فى سيناء مازالت ممتدة» لأن هناك «دعما خارجيا تم تقديمه لتنفيذ هذه العملية ضد الجيش المصري.. الكلام هذا يحدث لكسر إرادة مصر والمصريين، وكسر إرادة الجيش المصرى الذى يعتبر عمود مصر» لأن المطلوب «ألا تنجح مصر».

ونظرا لشدة المعركة مع الإرهاب ومن يمولونه ويسلحون أطرافه حدد الرئيس السيسى هدف الفترة الأولى من رئاسته فى تثبيت الدولة ومؤسساتها وعدم السماح بسقوطها، مع الاستمرار فى الإصلاح التدريجى وفقا للإمكانات. وقد عبر عن هذه الفكرة بعمق وتفصيل فى كلمته أثناء إطلاق استراتيجية مصر للتنمية المستدامة فى ٢٤ فبراير ٢٠١٦، مشيرا إلى «أن هدفنا هو الحفاظ على الدولة المصرية».. فأى دولة غايتها القومية هى بقاؤها، بمعنى أن الدولة المصرية خلال الفترة الماضية أو السنوات كانت معرضة لتهديد حقيقى وما زالت، وتحدثت أمام البرلمان بكل وضوح هل من كانوا يتمنون ويعملون من أجل أن يكون مصير مصر كمصير الآخرين قائم أم انتهي، إذا كان انتهى فذلك خير ولكنه لم ينته بعد، ما زالت المحاولات تبذل لكى تسقط مصر».

وفى توضيح مبسط لمعنى الغاية القومية للدولة قال السيسى «هو أن يستمر البيت المصرى، ولكى يستمر فلابد من البناء والمحافظة على الدولة» والدولة هنا هى مؤسساتها «وكلما كانت هذه المؤسسات قوية ومستقرة وسليمة وتمارس دورها كما حدده الدستور أصبحت الدولة لها القدرة على البقاء والدفاع عن النفس، وأى عبث فى ذلك سيكون عبث فى البقاء» ، ولكى يحدث ذلك –أى بقاء الدولة ومؤسساتها - فلابد من «إصلاح الجهاز الإدارى للدولة وتحمل الثمن الواجب لذلك بدون أن يكون على حساب الأسر أو مرتباتهم، مع التحذير من أن يؤدى إصلاح المؤسسات إلى كسرها مع «عدم التهاون فى أدائها». والمهم أيضا حسب السيسى «تعزيز الروح المعنوية للبقاء لدى المواطنين» من خلال «المحافظة على التوافق وتقويته وتحسينه من خلال برامج من الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى والإعلام لكى يظل هذا النسيج قويا، فالتحدى لم ينته، والإرهاب ما زال يستهدف بقاء الدولة»، وطالما «أن المصريين كتلة واحدة، لن يستطيع أحد أن ينال من مصر».

مهام قيد التطبيق

وعن مهام ما تبقى من فترته الرئاسية الأولى حدد السيسى فى حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية الثلاثة - الأهرام والأخبار والجمهورية- ١٧ يناير ٢٠١٧ تلك المهام فى «تنمية مصر وشعبها، من خلال النهوض بالتعليم والصحة وتعميق الوعى وتعزيز الأمن والارتقاء بالاقتصاد ومعيشة المواطنين». ومشيرا إلى أن الحرب على الإرهاب هى حرب ضروس لا تقل فى خطورتها عن الحرب النظامية، ولكننا كمصريين «نسجل نجاحات فى الحرب على الإرهاب، ونطور من مواجهتنا للإرهابيين ونغير منها بتغير أساليب جماعات الإرهاب، وحجم ما هو موجود الآن لا يقارن بما كان موجوداً منذ عامين ونصف، كانت أعداد الإرهابيين بالآلاف، وكانت لديهم بنية أساسية من مخازن سلاح وذخيرة وملاجئ وأشياء كثيرة لا يعرفها أحد، وقمنا بتدميرها، وحرصنا ألا نثير فزع المصريين أكثر مما يجب». ومن هنا تتجسد أهمية تطوير الجيش المصرى من حيث التسليح والتدريب وتدشين مصر للأسطول الجنوبى، وهو معنى بالأمن القومى المصرى بالبحر الأحمر بدءاً من باب المندب حتى شمال بورسعيد، فالجيش المصرى «له مهام مقدسة هى حماية الوطن ضد أى عدوان وهو ليس موجها ضد أى دولة، وهدفه تأمين أراضينا وحماية الأمن القومى العربي، وأبدا ليس موجها ضد أحد، فنحن لدينا ثوابت قوامها أننا لا نهدد أحدا، وليست لدينا تطلعات ولا ننجرف إلى مغامرات”.

الدولة عادت ولا مساس بها

وفى سياق الفكرة ذاتها، وفى لقاء مع طلاب كلية الشرطة ٢٤ فبراير ٢٠١٧ ، كانت رسالة السيسى محددة وموجزة، فالشرطة موجودة لكى «توفر الأمن لأهلنا والاستقرار، ومستعدين أن نفدى مصر بأرواحنا حتى يعيش المصريون فى أمن وأمان.. فالدولة فى مصر رجعت ثانية ولا يوجد من يستطيع أن يمس أمنها». وأمام شباب مصر فى مؤتمرهم بالإسماعيلية ٢٤ فبراير ٢٠١٧ ، ذكر أنه ومهما كانت أعمال الجهات الشريرة ومساعيها لزعزعة استقرار الدولة المصرية «فتحمل المصريين ووعيهم يفشل كل شئ».

بعد هذا الاستعراض المكثف لرؤية السيسى لمفهوم الدولة المصرية وما تتعرض له من مخاطر ومؤامرات، وما تواجهه مؤسساتها من تحديات وتراكمات سابقة أدت الى تعميق المشكلات بدلا من حلها، وصار مطلوبا السير فى اتجاهين فى آن واحد، اتجاه حماية الدولة وبقائها، واتجاه تنمية الدولة وإصلاح مؤسساتها تدريجيا وزيادة وعى الشعب بما يحيط به، وهو ما يمكن تلخيص فكر السيسى تجاه الدولة على النحو التالى:

الدولة كيان رحب يتسع الجميع فى إطار القانون والدستور ومنظومة القيم التى يرتضيها الشعب.

أن مصر مرت بفترة اضطراب ألقت بظلالها على كافة مؤسسات الدولة، ولذا كانت الخطوة الأولى هى حماية تلك المؤسسات وعدم السماح بوقوعها مهما كانت الظروف.

أن الحرب ضد الإرهاب لا تقل خطورة عن الحرب النظامية مما يستوجب وعيا خاصا من الشعب وجهودا جبارة من الجيش والشرطة.

أن إمكانيات الدولة المصرية الضعيفة مقارنة بالتحديات الأمنية والتنموية الهائلة يمكن تعويضها بالاعتماد على قدرات الشعب فى التضحية وتقبل المعاناة، شريطة أن تكون هناك ثقة متبادلة بين الشعب والحاكم، ودون تلك الثقة سيكون من العسير مواجهة التحديات التى تواجه الدولة ومؤسساتها.

أن واجب الرئيس ومن يعملون معه أن يعطوا دائما الأمل للشعب بأن المستقبل المقبل سيكون أفضل، استنادا إلى أعمال حقيقية يتم إنجازها وليست مجرد وعود فارغة المضمون.

أن قوة مصر وجيشها هى قوة لمنع العدوان وحماية الدولة وبقائها، وليست من أجل المغامرات الخارجية أو العدوان على أحد.

من التثبيت إلى الإبداع

ويظل السؤال مطروحا، ماذا عن مهام فترة رئاسية ثانية تعد احتمالا مرجحا بقوة للرئيس السيسى؟ أعتقد جازما أن المطلوب الآن هو الانتقال من مرحلة تثبيت الدولة إلى مرحلة تطوير الدولة وإبداع النموذج الفعال الرشيد بكل ما يعنيه ذلك من أداء تنموى شامل يبدأ بإصلاح جذرى للهيكل الإدارى للدولة، ووضع برنامج عمل لتطوير أداء المؤسسات جميعها، التشريعية والقضائية والتنفيذية، واتخاذ القرارات الصعبة لتطوير المنظومة التعليمية مصحوبة بتطوير منظومة البحث العلمى وربط نتائجه بواقع الصناعة والإنتاج، وتحديث أداء الأجهزة الأمنية بداية من أصغر رتبة إلى أعلى قيادة، وتطبيق رؤية متطورة لمواجهة فى العمق للمشكلات الحياتية التى تنغص معيشة المواطنين خاصة الطبقة المتوسطة التى تمثل العمود الفقرى للدولة والمجتمع وعدم تركها تغوص إلى أعماق المجهول فتأخذ معها كل شئ، وتطوير منظومة الإعلام لاسيما المملوك للدولة ليصبح خادما للشعب ورافعا لوعيه، وأن تكون الدولة رافعة للثقافة والفنون وليس عقبة كؤود،فبدون تطوير مبرمج قد يصبح هدف تثبيت الدولة نفسه فى مهب الريح أعاذنا لله من مثل هذا المصير المجهول.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة