الإثنين 1 يوليو 2024

الإرهاب ومكافحته فى بر مصر

31-5-2017 | 13:15

بقلم: السفير د. عزمى خليفة

عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية 

تزامن حادث المنيا مع ليلة حلول شهر رمضان ليطفئ بهجة المصريين بحلول الشهر الكريم المبارك وليعيد إلى الأذهان خطاب الرئيس السيسى أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض لمكافحة الإرهاب وهو الخطاب الذى اعتبرته الأمم المتحدة وثيقة رسمية لمكافحة الإرهاب وعقد مجلس الأمن اجتماعا دعم فيه الموقف المصرى فى مواجهة الإرهاب وقامت مصر بضرب معاقل تدريب الإرهابيين فى ليبيا فى نفس لحظة إعلان وسائل الإعلام نبأ وفاة زيجنيو برزينسكى مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق ومهندس استخدام الحركات الإسلامية فى الجهاد ضد الروس الشيوعيين فى أفغانستان وهى الفكرة التى طورتها بعد ذلك المخابرات المركزية الأمريكية بمشاركة منه إلى تقسيم هذه الحركات على أسس مذهبية لتقسيم الدول العربية وفقا للمصالح الأمريكية فى المنطقة وبمشاركة من بعض الدول العربية. 

وأود أن أكرر أننا فى عصر المعلومات الذى ازدادت فيه جميع الظواهر السياسية بدون أدنى استثناء تعقيدا، وتعدد أبعادها وتعدد تفاعلاتها بصورة كبيرة، لم تعد تجدى معها التعامل مع أحد الأبعاد وإهمال أبعاد أخرى، وقد أحسن الرئيس السيسى التعبير عندما طالب بمكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله وتدريبه وتجنيده وبضرورة معاقبة الدول التى تقف خلف دعم الإرهاب فى أى صورة كانت.

أبعاد الظاهرة الإرهابية:

فالإرهاب اليوم كظاهرة سياسية ازداد تعقيدا فى تركيبه ويمكن رصد سبعة أبعاد تكون الظاهرة الإرهابية فى الوقت الراهن هى البعد الدينى، والبعد الاجتماعى، والبعد الإعلامى، والبعد الثقافى، والبعد الاقتصادى، والبعد السياسى، وأخيرا البعد الخاص بعلاقة الدولة بالمجتمع.

فإذا تناولنا البعد الدينى نجد أننا مع مطلع الثمانينيات من القرن العشرين برزت الظاهرة الأصولية فى شكل تعصب دينى، وانتشر هذا التعصب إلى الفلسفات الوضعية التى تسود آسيا وتحل محل الأديان السماوية بما تشمله من رؤية للكون والحياة والإنسان وعلاقته بخالقه والتفاعل بين هذه المكونات كلها مثل البوذية والكونفوشيوسية والهندوسية، وازدادت أهمية هذه الفلسفات مع ما حققته النمور الآسيوية من طفرات فى التنمية الاقتصادية فى ذلك الوقت تم إرجاع سببها إلى القيم التى تشملها هذه الفلسفات وأطلق عليها القيم الآسيوية للنمو الاقتصادى. وشملت الظاهرة الأصولية بطبيعة الحال أتباع الإسلام والمسيحية واليهودية، فادعى كل فريق امتلاكه للمعرفة والحقيقة المطلقة وأنهم بالتالى على صواب فى كل ما يعرفونه ويؤمنون به فى مقابل خطأ ما يطالب به أتباع الديانات الأخرى، ووصل الأمر إلى اعتلاء أحزاب يمينية متعصبة سدة الحكم فى بعض البلاد، إلا أن الباحثين اعتقدوا أن الظاهرة سياسية فى إطار التنافس الديمقراطى ولم يكن ذلك دقيقا فقد اتسعت الأصولية لتشمل الاتجاهات السياسية فيما بعد حتى إننا نتابع حركة الأحزاب اليمينية فى أوربا والاتجاهات اليمينية فى أمريكا فاختلط الدين بالسياسة ورأينا الفتاوى الدينية ودورها فرغم أن الإرهاب ظاهرة سياسية إلا أن لها شقا دينيا ينبغى معالجته وعدم إهماله ومن هنا ارتبط الإرهاب بأهمية تجديد الخطاب الدينى وبالعملية التعليمية وبدور الجامع والكنيسة فى مصر وتنظيم عمليات الخطابة فى الجوامع وأهمية متابعة الحركات الدينية المختلفة التى تتشكل فى المجتمع وظاهرة بناء الجوامع والكنائس بالالتفاف حول القوانين لدرجة أننا شهدنا سباقا محموما حول بناء الجوامع والكنائس، وشعارات دينية على السيارات، وانتشرت المحال التى تبيع ما يسمى بالزى الإسلامى وظهرت موضة مدارس اللغات الأزهرية الخاصة التى تجمع بين تدريس مناهج الأزهر التعليمية وتدريس اللغات وخاصة الإنجليزية وهى مدارس تولى إنشاءها غير التربويين مثل المقاولون والمهندسون والأطباء دون رقيب عليها. 

أما البعد الاجتماعى للإرهاب فهو أحد نواتج عدم المساواة فى الدولة فى عصر الإنترنت وعدم المساواة فى توزيع عوائد العولمة والتنمية على العالم. فمن المؤكد أن جميع مناطق الدولة لا تتساوى فى درجة النمو بصفة عامة سواء أكان نموا اقتصاديا أو ثقافيا أو تعليميا وتتسم بنقص الخدمات الثقافية والتعليمية إضافة إلى الخدمات المادية من مياه للشرب وصرف صحى وخدمات طبية وهندسية وتكثر بها عشوائيات سكنية اكتسبت استقرارا بالتقادم الزمنى عبر أجيال عديدة وعقود زمنية، فليس غريبا أن ٨٠ ٪‏ من القرى الأكثر فقرا فى مصر تقع فى جنوب مصر أى الصعيد. 

فى مثل هذه البيئة تكتسب سلوكيات البشر سمات معينه منها اللجوء إلى العرف للتقاضى وليس إلى الدولة، وتكتسب القوة والعنف والعصبية أهمية خاصة فى التعامل اليومى وإذا ينتشر امتلاك السلاح بصورة غير شرعية وهى بيئة مثالية ليلجأ اليها كل جانح اجتماعيا. وللأسف فى مثل هذه البيئة تلجأ الأجهزة الحكومية المصرية لترسيخ العرف من خلال ما تعقده من جلسات عرفية ومحاكم عرفية خاصة وإن بعض المناطق يعيش فيها جماعات بشرية ذوى ثقافات مختلفة كالبدو فى سيناء وفى مطروح وفى الواحات وهو ما يرسخ غياب الدولة بدلا من إدماج سكان هذه المناطق فى الدولة من خلال دعم المواطنه بالتنمية وتقديم الخدمات وتطبيق القانون.

أما البعد الإعلامى للتطرف الذى يؤدى فى النهاية إلى انتشار الإرهاب فيتمثل فى أن البث التليفزيونى وخاصة عبر استخدام الإنترنت أصبح متاحا فى جميع ربوع مصر فأدرك سكان المناطق الأكثر فقرا أنهم يعيشون عيشة غير آدمية، وهنا دخل الإعلام المصرى بنشره لمعلومات خاطئة أحيانا واستفزازية أحيانا أخرى وتلعب الإعلانات هنا دورا حيويا، مع تجاهل الإعلام فى معظم الأحيان لقضايا حيوية يعانى منها المجتمع حتى إن المصريين عامة انصرفوا عن هذا الإعلام خاصة مع غياب القدوة الصالحة عنه وندرة البرامج الهادفة لجذب الشباب 

إضافة لذلك جاء انتشار مواقع التواصل الاجتماعى والإنترنت ليزيد من قدرات الجماعات الإرهابية التى استفادت من التطور العلمى بصورة أكبر من الدولة فى كثير من الأحيان وبخاصة فيما يتعلق بالعائلة والإعلان عن عملياتهم وفى تصنيع القنابل والتجنيد وتنسيق العمليات ونقل الرسائل. 

أما البعد الثقافى فإنه أحد الأبعاد الهامة والرئيسية المكونة للظاهرة الإرهابية فإذا كان الرئيس والدولة اهتما بتصويب الخطاب الدينى فإنه أحد أبعاد البيئة الثقافية ككل، فقد تلاحظ أن غالبية الإرهابيين ينتمون لمستوى ثقافى محدود وهو ما يتطلب إنشاء وتجديد بيوت الثقافة الجماهيرية وتفعيل دورها ودور المكتبات العامة بالمحافظات لتقديم محتوى ثقافى يتسق وصحيح الدين مع نشر القيم الثقافية التى تحض على قبول الآخر وعلى العمل والمواطنة بمعنى أننا فى مسيس الحاجه إلى صياغة مشروع ثقافى يمكن تجميع الشباب حوله كما فعل عبدالناصر بفكرة القومية العربية وكما فعل السادات بفكرة الوطنية المصرية. 

وهنا أشير إلى أن القيادات فى مختلف المحافظات مسئولة مسئولية كاملة عن ذلك، ولا ينقصها سوى التحرك بدليل أننى تلقيت دعوة كريمة من أحد المحافظين من خارج القاهرة والجيزة والإسكندرية لإلقاء محاضرة أمام شباب المحافظة واختار للمحاضرة عنوانا هو الإشاعات على الفيس بوك إلا أنه استجاب لاقتراحى بأن تتناول المحاضرة عنوانا أكثر قبولا هو المعرفة ودورها فى بناء المجتمع على أن تكون معلومات مواقع التواصل الاجتماعى جزءا من المحاضرة وتكرم مشكورا بالموافقة إلا أنه اقترح عمل عدة ندوات وطبعا مات الاقتراح لأنه من الصعب أن يوفق بين أربعة أو خمسة متحدثين ليجتمعوا فى يومين لإلقاء المحاضرات. 

لهذا اقترح أن يحدد كل محافظ يوما فى الأسبوع للاجتماع بشباب المحافظة فى ندوة ثقافية يتناول جزء منها موضوعا يشغل بال الشباب ويتناول الجزء الثانى الاستماع إلى مقترحات شباب المحافظة للنهوض بها والتفكير فى إنشاء جمعيات لخدمة المجتمع فبدون تشجيع العمل التطوعى لن تنهض مصر ولكن تتيحوا الفرصة للشباب للتعبير عن نفسه وهذه مسئولية المحافظين وليست مسئولية الرئيس. 

أما البعد الاقتصادى المكون للظاهرة الإرهابية فأقصد به عدم توزيع الدولة لعوائد التنمية والاستثمار بعدالة بين المحافظات المختلفة، وهو وضع أدى لانتشار البطالة فى بعض المحافظات، والأخطر منه أدى إلى انسداد قنوات الحراك الاجتماعى فى الدولة وعدم وجود أى أمل فى الترقى الاجتماعى مما أفقد المواطنين الثقة فى الدولة وأصبح غاية أملهم الهجرة للخارج. 

هذه الوضعية تطورت فى عصر المعلومات لتتحول إلى حالة نفسية من الاغتراب للمواطن وهو يعيش داخل وطنه مما أصابه بالاكتئاب الجماعى كما ذكر د. أحمد عكاشة قبيل الثورة ونبه إلى ذلك فى كتاب له هام بعنوان ثقوب فى الضمير المصرى على ما أذكر. 

وهذه أوضاع نفسية تتراكم فتؤدى إلى الاستهانة بالحياة مما يتجسد فى حالات انتحار أو الانضمام لجماعات إرهابية للخروج من شظف العيش إلى الحياة التى عجزت الدولة عن توفيرها ومن هنا كان من المهم النهوض الاقتصادى بجميع المحافظات من خلال تشجيع توطين بعض المشروعات فى مختلف محافظات مصر. 

أما البعد السياسى فإنه مشكلة المشكلات فى العالم أجمع حتى إننا شهدنا إرهابا فى الدول الديمقراطية مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا مما طرح تساؤلات عديدة عن مصدره والواقع يؤكد أن الإرهاب أضحى ظاهرة معولمة، ورغم نشأة الإرهابيين فى أرقى مواقع الديمقراطية إلا أنهم لم ينفوا مسئولية هذه الدول فيما آلت إليه الأحوال فى بلدهم الأم، كما أننا لا يمكننا إعفاء الغرب عامة وأمريكا خاصة من مسئولية إنشاء وتدريب وتمويل وتسليح هذه الجماعات ثم التخلى عنها وتركها هائمة على وجهها دون عمل مطاردة من الدول الأم. 

ويزيد من خطورة ذلك أن هؤلاء الإرهابيين أصبحوا مؤمنين بقيم وأفكار مختلفة عن قيم المجتمع مما أدى لإيجاد فجوة اجتماعية بين ما يؤمنون به وما يؤمن به المجتمع مما أدى إلى حالة الاغتراب التى تحدثت عنها على المستوى المحلى، فى عصر تحول فيه الصراع من خلاف بين الدول والجيوش إلى صراع بين الذات والشبكة التى ينتمى إليها، أى صراع بين الخصوصية الثقافية للإنسان وبين جهود العولمة لطمس هذه الخصوصيات الثقافية، لضمها إلى الثقافة العالمية والقيم العالمية التى تدعو إليها العولمة، ففى دراسة عن اللغات المحلية ثبت أن ٣٠٠٠ لغة محلية اندثرت مما دفع الباحثين للبحث عن وسيلة للإبقاء على ما تبقى من لغات محلية وهو ما تجسد فى مشروع ضخم بعنوان لغة التشبيك العالمية.

عصر المعلومات والعلاقة بين الدولة والمجتمع:

أما البعد السابع والأخير والخاص بالعلاقة بين الدولة والمجتمع فإنه أهم بعد على الإطلاق فنتيجة للتحولات التكنولوجية فى الدولة تأكدت الهوية المحلية للدولة القومية بينما المجتمع تحول لظاهرة عالمية بفضل الشبكات التى أصبحت وحدة المجتمع بالفعل وهذه الازدواجية طرحت تساؤلات عديدة عن علاقة الدولة التى مازالت أكثر قربا لنموذج الدولة الرأسية المكونة من ثلاث سلطات مستقلة بينما المجتمع أصبح يتكون من آلاف من الشبكات المتفاعلة مع بعضها البعض ولكل شبكة القيم التى تروجها فى المجتمع مما أدى لاختلاط المعايير وَمِمَّا أدى إلى زيادة قوة المجتمع ومرونته إذا ما قورن بالدولة التى مازالت راسخة فى إطار التنظيم الراسى الجامد مما أشعر الدولة أن قوتها تتسرب من بين قبضتها وهذه حقيقة فإذا كانت القوة تنتقل من الغرب إلى الشرق فى آسيا فإنها تنتشر داخليا من يد الدولة إلى المجتمع ومؤسساته.

والأهم أن المجتمع ومؤسساته نتيجة التضييق عليها نجحت فى تشكيل شبكات ذات وضعية متقدمة للآخر مثل شبكات الاستشعار الإنسانى وهو نمط من الشبكات يبحث عن ذاته من خلال نشر الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعى مثل الشبكات التى ألقت الضوء على حياة المهاجرين فى البحر أو فى الدول المختلفة وهى شبكات من نفس مجتمع المهاجرين، هذا النوع من الشبكات تكون فى المجتمع المصرى لأسباب مختلفة ونشرت نماذج لهذه الشبكات فى ورقة سبق نشرها وهذه الشبكات بعضها اهتم بجنودنا فى إطار مكافحة الإرهاب واستفادت منها الجماعات الإرهابية وليس الدولة لأن الدولة غير مؤهلة للتعامل مع الشبكات مازالت بعيدة عن العقلية الشبكية كما أن مختلف مؤسساتها الأمنية مازالت عاجزة عن فهم تحولات المجتمع وفهم كيفية التعامل مع الشبكات لأن اهتمامها منصب على الرقابة ولا يوجد أى برنامج علمى يمكنه فرض رقابة على الشبكات فرقابة الأفراد تختلف عن رقابة الشبكات والحل الأمثل التعامل مع شبكات المجتمع من منطلق أنها أساس المجتمع. 

سيظل المجتمع المصرى يتطور إلى أشكال مستحدثة من الشبكات وستظل الدولة المصرية عاجزة عن فرض سيطرتها عليه، ولكن الحل الأمثل التعاون بين الطرفين لتحقيق أهداف التنمية وإنقاذ الدولة من الوقوع فى براثن التفكك والفساد وذلك من خلال الإسراع فى إصدار قانون منظمات المجتمع المدنى مع توفير الضمانات الكافية لكلا الطرفين. 

أيضا لابد من إشراك المجتمع فى مكافحة الإرهاب من خلال تشكيل فرق عمل مدنية على مستوى المحافظات والقرى للتوعية وتحديد أسلوب نهضة هذه القرى والمحافظات ومن خلال نشر ميزانية كل محافظة على الإنترنت لإتاحة الفرصة لهذه الفرق للرقابة على أوجه صرف الميزانية مما يسمح بكشف حالات الفساد.

إن أفضل مركز لمكافحة الإرهاب موجود فى فرنسا ويتبع وزارة الدفاع ونجح فى الحد من الفساد والإرهاب معا استفادة من جهود المجتمع الفرنسى نفسه لأنه فتح أبوابه لجهود المدنيين من أساتذة الإعلام والسياسة والاقتصاد وعلم النفس والاجتماع وكانت الفكرة فى أحد كتب أساتذة علم الاجتماع وهو ميشيل فوكو وعلينا الاستفادة من تجارب الآخرين لأن العالم من حولنا يتغير تغييرات حادة ينبغى علينا فهمها للاستفادة منها. 

إن المواجهات الأمنية للإرهاب هامة للغاية ومصر حققت فيها إنجازات هامة ولكنها ستظل قاصرة عن حسم القضية لأنها بطبيعتها تعالج أحد أبعاد ظاهرة مركبة من أبعاد عديدة تحتاج جهود الدولة والمجتمع معا وليس الدولة فقط، ببساطة لأن الاتجاه العالمى الآن تقليص وظائف الدولة إلى التعليم والصحة والضمان الاجتماعى وحماية الدولة من أى عدوان خارجى أما الداخل وانتقال الإرهاب إلى الاحتماء فى المجتمع فلا يحدث إلا فى حالة استبعاد المجتمع من المشاركة فى الكشف عنه وهى مسألة تحتاج أن نلتفت إليها.

والأمر لا يتوقف عند مجرد استكمال أبعاد الظاهرة ولكن الأخطر والأهم ضرورة فهم أسلوب تفاعل هذه الأبعاد المختلفة مع بعضها البعض، بل والتعرف على الثقل النسبى لكل بعد على حدة وعلاقة ذلك بالقيم التى تهتم بها الدولة مثل أهمية الوطنية المصرية ورسائله التى يوجهها إلى الشباب وعلاقتها بما عبر عنه الشباب من قيم فى ٢٥ يناير و٣٠يونيو وهى قيم عالمية وبخاصة فيما يتعلق بالحكم وأسلوب ممارسة السلطة بحكم أن الشبكات التى تكون المجتمع ظاهرة عالمية وتتضمن قيما عالمية مثل الحكم الرشيد والتشاركية والمساءلة فما رفضه الشعب فى هاتين الثورتين لن يقبله اليوم فالفكرة السائدة لدى البعض عن الفصل بين الثورتين هى فكرة أثبتت فشلها لأن ما رفضه الشعب فى الثورتين كان الحكم الفردى والفساد غاية ما فى الأمر أن الثورة كانت ضد حكم مدنى فى يناير وضد حكم دينى فى يونيو ولكنه كان حكما فرديا فى الحالتين.

هذه القيم للثورتين هى قيم عالمية أيضا وتبث عبر شبكات عالمية يشارك فيها الشباب المصرى خاصة والعربى عامة وقد اعترف بعض كبار أساتذة علم الاجتماع الأمريكيين أنهم نجحوا فى بث قيم التحرر قبيل الربيع العربى وهذه القيم تشمل أهداف الثورتين مثل الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والكم الرشيد والتشاركية والمساواة بين الجنسين والعلمانية الإيجابية وحقوق المواطنة.

ورغم اهتمام الأجهزة الأمنيه فى مختلف الدول العربية بفرض رقابتها على الشبكات إلا أن هذا الهدف لم يتحقق لعدم وجود أى برنامج لعمل هذه الرقابة واستحالة تنفيذه علميا، وغاية ما فى الأمر أن البرامج الموجودة تراقب أفرادا على شبكات وهو أمر مختلف، لأن قيم الشبكات لم تمس لأنها فى برنامج الشبكة نفسة فمثلا الفيس بوك ينشر قيم المساواة والتشاركية والحراك الاجتماعى بالدرجة الأولى بينما تويتر يركز على قيم الإنجاز والعمل والدقة والسرعة والتواصل ونشر المعلومات. 

وبطبيعة الأحوال هذه الأوضاع المترتبة على العصر التكنولوجى الذى نعيشه ساهمت بشكل مباشر فى تغيير أساليب العمل السياسى فأصبح الصراع صراعا على العقول من أجل احتلالها وأصبحت المعلومة تلعب دورا حيويا فى إعادة تشكيل العقول وأولوياته وأصبح التعبير عن الذات فى قمة هرم احتياجات المواطن المصرى وهو ما يتطلب إيلاء اهتمام أكبر لتحسين البيئة السياسية فى مصر وليس المقصود بذلك المصالحة مع الإخوان التى أعتقد أن أوانها قد انتهى ويجب محاكمتهم جنائيا عن كل ما اقترفوه من جرائم ولكن المقصود انفتاح المجتمع على العمل الديمقراطى ومناقشة برنامج الحكومة للعمل السياسى.

والخلاصة أن نجاح الدولة فى مواجهة الإرهاب سيظل رهنا لتكامل جهود الدولة مع جهود المجتمع خاصة أن الإرهاب فى عصر المعلومات له سمات وخصائص مختلفة عن ذى قبل فضلا عن استخدام دول عظمى وكبرى له لتحقيق أهدافها فى المنطقة، فالدولة تتحمل عبء المواجهة الأمنية والعسكرية وعبء المواجهة الدبلوماسية والمجتمع يتحمل عبء تعبير الشباب عن ذاته وتأكيد تماسك اللحمة الوطنية ودعم الدولة فى جهودها وتصويب توجهات الشباب وقت اللزوم.