الإثنين 29 ابريل 2024

جذوة الأمـل

14-1-2017 | 21:36

من الأمم والشعوب، ومن الأفراد، من لا يتخاذل أو يهن أو يقنط، أو من يترفع مهما عاني عن «قبول الدنية».. أي عدم قبول الدانئ أو الأدني، وإنما ينشد الأسمي مهما طالت واشتدت معاناته.

هذه السجية، الفردية أو الجمعية، هي في جوهرها «ثقة» في الجدارة بالأحسن، وفي استحقاق الأفضل.. هذه «الثقة» فرع علي «الإيمان».. الإيمان بالله تعالي وبالنفس.. هي نوع من «الاقتناع» العميق المطمئن ـ باستحقاق الأفضل والجدارة بتحقيقه ونوله مهما بدا بعيدًا، أو بدا صعب المنال، وعر الطريق.. فهو في نفس الواثق قريب يؤمن مطمئنًا أنه لابد قابض عليه بإيمانه وبثقته وبقدرته علي الوصول إليه.. لا يهن ولا يتواني ولا يضعف، مهما اعترضته الصعاب أو أحاطت به الأرزاء أو ناهضته البلايا والمحبطات !

هذه «الثقة» المؤمنة البصيرة المطمئنة، هي «القوة الدافعة» لكل شمائل النجاح والفلاح.. هي أساس الصبر، والمثابرة، والجلد، والإصرار، والتصميم، والعزم، والإرادة، والمضاء.. فيها يكمن الفارق بين الاطمئنان والقلق، بين الثبات والجزع، بين الشجاعة والجبن، بين المضاء والخوف، بين الطموح والخبو، بين القوة والضعف، بين التفوق والتخلف، بين الحماس والاستكانة، بين الصمود والتخاذل. تتبع «الثقة» فستجدها مصاحبة للأمم المتقدمة، مثلما هي مصاحبة وملازمة للشخص النابه المثابر المصمم الطامح.. لا يمكن أن يتقدم فرد ولا أن يرتقي شعب بغير «شعلة الثقة» المؤمنة بغير غرور أو اغترار أو انخداع، بأنها تستحق الأفضل، وبأنها تملك من المقومات والقدرات والصفات والإمكانيات ما يحقق لها «الجدارة» و«الاستحقاق»، وتعي وتفهم ما حولها، وتدرك كيف تتعامل بإصرار ومضاء مع الواقع، وكيف تحقق باتخاذ الأسباب ومواصلة السعي الدءوب، ما تريده وتأمله وتتمناه.

الثقة هي «قاطرة» الأمل، والأمل هو «قاطرة الإنسانية».. هي القوة الدافعة لكل إنجاز إنساني، فردي أو جمعي أو مجتمعي. من المحال أن يحيا الإنسان بغير رجاء يأمله أو يتوقعه أو يتمناه أو يصبو إليه.. فالرجاء «تطلع» ملازم لوعي الآدمي ملازمةً مصاحبةً لحياته.

بين «الوعي» و«الحياة» تلازم لا ينقطع حبله.. فالحياة امتداد زمني واع، أي مصحوب بالوعي وما هو مسطور فيه ويتغياه أو يستهدفه ويتمناه. هذا الهدف أو التمني من الطبيعي أن يكون نشدانا للأفضل، وهذا التطلع أو الطموح هو غاية ومسعي.. غاية مرجوة، وسعي مبذول، كلاهما محوط بالثقة والأمل.. وعلي قدرهما يكون صبره ومثابرته وثباته ومضاؤه وعزمه وتصميمه وإصراره.. لا ينال الكرامة من يرتضي الدنية، ولذلك كان الكريم لا يقبل الضيم ويأبي الدنية، ولا ينال السلام إلاَّ القادر علي الحرب، ولا ينال الثمرة إلاَّ المثابر علي العمل والسعي والبذل.. لا يطيق المؤمن العاقل أن تنطفئ فيه «جذوة الأمل».. هذه «الجذوة» صدي يترجم عما يحتشد فيه من قدرات ومكنات وتوثب ورنو وتطلع وطموح.. والثقة هي الشعلة المحركة لكل هذه الطاقات، بدونها تهتز خطوات الآدمي وتتعثر إن لم تقعد وتعجز !

كانت هذه «الثقة «هي «الجذوة» التي قاوم بها أصحاب العاهات الجسدية عاهاتهم، وأثبتوا ذواتهم بإصرار وعزيمة.. لولاها لما نجحت «هيلين كيللر» في مقاومة العاهات الثلاث: العمي والصمم والبكم، وهي كفيلة بإغلاق كل سبل التعامل مع الحياة والأحياء، ومع ذلك لم تيأس هذه السيدة، ولم تهن أو تضعف أو تستسلم، واستمدت من الإيمان والثقة قوة أشعلت «جذوة الأمل» الذي شَدَّها إلي تحقيق ما تتمناه.. لم تنطفئ «جذوة الأمل» في «بتهوفن» عبقري الموسيقي حين فقد سمعه وهو لا يزال في الثلاثينيات من عمره، وصَنَّفَ رغم ذلك أجمل أعماله الموسيقية الرائعة التي هزت «أسماع» الدنيا بينما هو محروم من نعمة «السماع». ولا انطفأت هذه «الجذوة» في طه حسين حين فقد بصره طفلاً، فاستمد من «الثقة» ومن اشتعال «جذوة الأمل» ما تبوأ به عن جدارة «عمادة الأدب» العربي. ولا انطفأت هذه «الجذوة» في العبقري

«فان جوخ» الذي لم يقنطه أنه لم يبع حال حياته سوي لوحة واحدة، ومع ذلك ورغمه، استمر بجذوة أو بسمة الأمل ـ في مواصلة الرسم بعزيمة وإصرار، فصار بإنتاجه في المرتبة الأولي بين كبار الرسامين العالميين في تاريخ الفنون.

من يدرك " الأمل و دوره ، يدرك أن حياة الإنسان لا تتكرر فى قوالب و أنماط ثابته . إلا إذا اهتزت الثقة و توارت و انسحبت و انطفأت مع انسحابها " جذوة الأمل " أو انقلبت إلى تسليم سلبى وحصور فى شرنقة الاعتياد القانعة - فى خذلان - بلطف المقادير ، أو ما نسميه الرضا بالنصيب و المقسوم بلا روح و لا تطلع و لا توثب و لا سعى !

إن الله تعالى لم يقسم لأحد من عباده الهوان أو القعود أو اليأس و القنوط أو الخبو أو الخذلان ، فهو سبحانه القائل : " و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون " ( التوبة 105 ) .. و التخاذل و الاستسلام مناهضان لسنه الحياة ، و قوامها العمل و السعى و البذل و الصبر و التصميم و المثابرة .

الانطفاء انسحاب ضرير تموت و تنطفئ به أرواح الأفراد كما تموت و تنطفئ به روح الجماعات . لا سبيل لتجاوز هذا " الخبو " و " الانطفاء " إلا بحفز و تكريس " الثقة " و اشعال " جذوة الأمل " .. هذه الثقة الآملة لا ترتضى الخذلان ، و لا تعنو للصعاب أو تستسلم للعقبات .. روح التفوق قوامها " جذوة الأمل " التى تبقيها مشتعلة ثقة متينة قوامها اللإيمان بالله و بالنفس ، هذه " الجذوة " تحرك السواكن ، و تشق الطريق وسط الصعاب ، فى سعى دءوب لا ينى و لا يهدأ يرنو و يتطلع دائما نحو الأفضل !

كتب : رجائى عطية

    Dr.Randa
    Dr.Radwa