الخميس 23 مايو 2024

الدخان الرمادي

مقالات1-6-2021 | 13:46

أن يكون دخلك ضئيلا لا يكفى معيشتك، ثم تنفق نصفه تقريبا فى الهواء، لشراء وجبة نيكوتين المختلط بالزفت والقطران، تضيق بها أوردتك، وتكوى بها شرايين قلبك، ثم تنعى حظك من ضيق المعيشة وتردي الحال، فى حين تمارس أنت فعليا أكبر مسببات ضعف الرزق وبسطته، ألا وهي عادة التدخين القبيحة.

أذكر أبي رحمه الله بإذنه تعالى، وقد كان مدخنا شرها لا يشق له غبار، حين قرر فجأة ذات مساء شتاء قارس، وبلا أى مقدمات، وبعد أن فتح علبته "السوبر" الذهبية، وتناول منها السيجارة الأولى، تمزيقها وإلقائها فى القمامة، عازما عزما أكيدا بلا رجعة على العودة مهما كانت المغريات من حوله.

كان أبي ممن يشترون السجائر بالخرطوشة، مخافة اختفائها أو ضعف المعروض منها بالأسواق يوما ما، واستمر على إقلاعه للتدخين طيلة 37 عاما مستمرة، قبل أن يتوفاه الله وهو لا يحتسي سوى مشروبين اثنين فقط، القرفة والجنزبيل.

وعلى وقع احتفال العالم أمس الاثنين الموافق 31 مايو، باليوم العالمي لمكافحة التدخين، نقول بأن الله عز وجل ميز بنى آدم بالعقل، يتدبر به أمره ويقيم المزايا والمخاطر وحجم الاستفادة والخسارة من كل شيء فى حياته أرفلنا فى النعم لكي ينظر كيف نتصرف ونعيش، حتى فى أحلك الظروف وأشدها قسوة.

لنفرض أنك شعرت بالجوع والرغبة فى التدخين سويا، وكان ما فى حوزتك يكفى فقط ثمن سيجارة واحدة "فرط"، فأيهما تفضل الشراء لسد احدى هاتين الحاجتين، سيجارة أم رغيف خبز؟.

كثيرون من الله عليهم بالإقلاع عن تلك العادة القبيحة الذميمة، ووجدوا نعم الخلاص فى هذا، وكثيرون يتمنون الإقلاع ولكن لا يفعلون، مجرد أمنيات، كونهم أسرى ضعفاء أمام حفنة من قصاصات التبغ، وهؤلاء الذين نشد على أيديهم بأن اتخاذ القرار ليس بالصعب ولكن، هى العزيمة والعزيمة فقط.. دمتم أصحاء بعيدا عن الدخان الرمادي القاتل.