رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عصر ما بعد الناتو.. «القارة العجوز» تراهن على «السلاح»


27-3-2025 | 04:11

.

طباعة
تقرير: يمنى الحديدى

لعقودٍ، اعتمدت القارة العجوز على المنتجات العسكرية الأمريكية لتسليح جيوشها، لكن الأيام الأخيرة شهدت توترًا فى العلاقات الأمريكية الأوروبية، ولم تعد أوروبا ترى أمريكا كحامية لحلف الناتو، ولا حتى حليفًا موثوقًا يمكن الاعتماد عليه. ولحلّ المعضلة، بدأت أوروبا بالاعتماد على نفسها بإعادة تنظيم جيوشها والتوسع فى صناعة السلاح.

 

طفرة صناعية فى صناعة السلاح، هذا ما يمكن أن يقال عما تنوى أوروبا البدء به للحفاظ على هويتها ولردع أى عدوان روسى على أراضيها، فمن بروكسل إلى برلين يستعد جميع قادة أوروبا لإنفاق مئات المليارات لإعادة بناء جيوشهم، هذا الإنفاق الذى يقولون عنه إنه ضرورى لإعداد أوروبا لمواجهة خطر العالم الذى لم تعد فيه الولايات المتحدة ضامنة لأمن هذه الدول.

لكن الأمر لن يتوقف على مجرد حماية القارة العجوز، بل يتجه أيضًا إلى إنعاش المجال الصناعى المتعثر فى القارة، وذلك من خلال التوسع فى الصناعات العسكرية بضخ المزيد من التدفقات المالية، حيث صرّحت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، فى خطاب ألقته أخيرًا، أن القوة الاقتصادية وخطة أوروبا لإعادة التسليح وجهان لعملة واحدة. لكن حتى الآن، ليس من المعروف إن كان الأمر سيسير على ما يرام أم أن التحديات الهائلة التى تواجه أوروبا قد تعوق ذلك.

ويُذكر أن معظم اقتصادات أوروبا لديها صناعات دفاعية متواضعة نسبيًا، مع أن فرنسا وألمانيا تحديدًا تسعيان إلى تنميتها منذ وقت طويل. واعتادت أوروبا لعقود أن تعتمد بشكل كبير على واردات الأسلحة والمعدات الأمريكية، لا سيما الأكثر تطورًا، مما يجعل القارة غير مستعدة نسبيًا لحجم الإنفاق العسكرى الجديد فورًا. وعلى الرغم من ذلك، يحرص القادة الأوروبيون على البدء فى الأمر بسرعة لتحقيق أقصى استفادة اقتصادية ممكنة ولتعزيز أمن بلادهم.

فعلى سبيل المثال، يحثّ الرئيس الفرنسى ماكرون حلفاءه، بما فى ذلك ألمانيا، على شراء أنظمة دفاع صاروخية فرنسية بدلًا من الأمريكية. كما صرّح وزير الدفاع البرتغالى الأسبوع الماضى بأن بلاده قد تستبدل الطائرات المقاتلة القديمة بأخرى أوروبية، مشيرًا إلى مخاوف بشأن احتضان إدارة ترامب لروسيا.

كما أعلن مسؤولون يوم الأربعاء الماضى أن برنامج قروض الاتحاد الأوروبي، الذى كُشف عنه أخيرًا بقيمة 150 مليار يورو، أى حوالى 163 مليار دولار، والمخصص لتمويل التطوير العسكرى المشترك، سيعطى الأولوية للمنتجات الأوروبية الصنع، ويتعين على الدول الأعضاء ضمان أن 65 فى المائة من مشترياتها تأتى من داخل الاتحاد الأوروبى أو من شركاء، بما فى ذلك أوكرانيا والنرويج.

لكن الأمر سيستغرق وقتًا، بحسب الخبراء. والجدير بالذكر أن الدول الأوروبية زادت إنفاقها على الدفاع بنحو الثلث منذ عام 2021 ولكن حتى الآن، تمثل جميع ميزانياتها مجتمعة أقل من نصف ميزانية الولايات المتحدة. كما استطاعت أوروبا توظيف 600 ألف شخص فى مجال الصناعات الدفاعية العام الماضي، وهو عدد قليل مقارنة بشركات السيارات، مثلًا، التى قامت بتوظيف أكثر من ثلاثة ملايين شخص، مما يوضح حجم الفجوة فى السوق الأوروبي.

كما وجّه بعضهم الأنظار إلى خطر التكرار أو الازدواجية فى الأسلحة، بمعنى تكرار شراء أنواع الأسلحة نفسها، حيث سيؤدى ذلك إلى تضاؤل الفائدة الاقتصادية المرجوة. وعلى العكس، إذا استطاع الاتحاد الأوروبى إضافة صناعات جديدة من خلال الاستثمار والشراء المنسق، فستكون آثار النمو كبيرة.

كما يمكن الاستفادة من مصانع السيارات المغلقة وتحويلها إلى مصانع متطورة للدبابات أو الطائرات المسيّرة. وقد قامت بالفعل شركة راينميتال الألمانية لصناعة السلاح بدور رائد فى تعزيز قدرات إنتاج السلاح فى البلاد، وبالفعل وفّرت فرص عمل لعشرات العمال من شركة كونتيننتال إيه جى لصناعة السيارات المتعثرة. كما أجرت محادثات مع فولكس فاجن حول إمكانية الاستحواذ على مصنع يعانى من ضعف الأداء بالقرب من أوسنابروك.

هذا التوسع من شركة راينميتال لم يقتصر فقط على ألمانيا، فمنذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا، قامت الشركة ببناء مصانع فى إسبانيا وليتوانيا ورومانيا، لتصبح واحدة من أكبر منتجى الذخائر فى العالم. ويقول البعض إن ألمانيا ستتحول قريبًا من صناعة السيارات إلى صناعة الدبابات. ورغم أن فرنسا لديها مساحة محدودة للاقتراض لزيادة إنفاقها العسكرى الخاص، إلا أنها ستستفيد من زيادة نفقاتها العسكرية فى المنطقة، بالإضافة إلى أن لديها أكبر جيش فى منطقة اليورو.

فكرة زيادة النفقات العسكرية الأوروبية ربما أتت فى البداية، كما يقول السفير رخا حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصرى للشؤون الخارجية، فى تصريحاته الخاصة لـ”المصور”، بدايةً من دعوة ترامب لدول أوروبا منذ فترته الأولى إلى زيادة نفقاتها والتهديد بالانسحاب من حلف الناتو، وذلك للتخفيف من أعباء الولايات المتحدة التى تمرّ بأزمة اقتصادية غير عادية، حيث تعانى من ديون خارجية تتراوح بين 34 إلى 36 تريليون دولار. وقد طالب الدول الأوروبية بالفعل برفع مساهمتها وزيادة إنفاقها فى حلف الناتو إلى 5 فى المائة، وهو ما يُعدّ كثيرًا على الدول الأوروبية التى أنهكت أيضًا بسبب الحرب الأوكرانية، وأقصى ما تم الاتفاق عليه وقتها هو 2.5 فى المائة.

ربما لهذا السبب، ولعدة أسباب أخرى، أحدثها التقارب الروسى الأمريكي، أصبح هناك حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الولايات المتحدة فى حلف الناتو، سواء فى عهد ترامب أو حتى فى عهد الإدارات القادمة.

وأضاف أن احتمالية احتفاظ روسيا بالأراضى الأوكرانية تثير مخاوف أوروبا من أن تكون دولها هى الدول القادمة أمام روسيا، والدولة الأولى هى بولندا، لا سيما أن ترامب يظن أنه قادر على حل أزمة أوكرانيا. وذلك لن يحدث، لأن كل ما سيفعله ترامب إذا وُفِّق فى ذلك هو مجرد وقف القتال، وستظل روسيا محتفظة بالأراضى الأوكرانية، وهو ما يزيد قلق أوروبا، وربما يدفعها إلى إنشاء قوة أوروبية موازية لحلف الناتو لضمان حماية أراضيها حتى بدون الولايات المتحدة.

 

 

 

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة