رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ليس السلاح الوحيد لكبح جماح التضخم.. قراءة هادئة فى قرار خفض سعر الفائدة


24-4-2025 | 14:06

.

طباعة
بقلـم: د.وفاء على

لاشك أن العالم يمر بمرحلة انتقائية جديدة للجغرافيا الاقتصادية تسمى «الغموض الاستفزازى» خصوصاً بعد تصريحات سيد وول ستريت جيروم باول رئيس الفيدرالى الأمريكى بأنه لايمكن التنبؤ بما تتركه التعريفات الجمركية من آثار للسيطرة على التضخم وسوق العمل بالإضافة إلى تراجع النمو وقد تكون آثار التضخم أكثر ديمومة، وهنا لابد أن يقف العالم ليدرس أحواله

فالإكراه الاقتصادى الذى أدى إلى التشديد النقدى لم يعد مثالياً مع ارتفاع تكلفة الائتمان، وسلاح رفع الفائدة هو أحد الأسلحة لكبح جماح التضخم وليس كل الأسلحة، ومع حالة المعنويات المضطربة فى العالم كله الذى يعانى من حالة عدم اليقين والضبابية.

ويلهث الجميع للبحث عن حل للخروج من مأزق حقيقي وهو الموجة التضخمية التى تحيط به وتمثل الفائدة أحد معاول البنوك المركزية فى كسر هيبة التضخم عبر امتصاص فوائض السيولة من الاقتصاد وتقويض الطلب، إلا أن رفع سعر الفائدة الذى جاء عبر بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى والتى كانت أساساً وخطوة يعتبرها المحللون الماليون والاقتصاديون أكثر شراسة وعدوانية حتى الآن فى معركته ضد ارتفاعات التضخم، وقام على أثر ذلك رفع عدد من البنوك المركزية فى الدول سواء أوروبية أو عربية سعر الفائدة ومنها إنجلترا والسعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2020 وبعد 7 مرات من التثبيت إلى أن جاءت لحظة المركزى المصرى يوم 17/ 4 الحالى لمناقشة السياسة النقدية بما فى ذلك رفع سعر الفائدة أم التثبيت ام النزول بها ورأى المركزي النزول بمعدلات الفائدة 2.25 فى المائة ومن خلال عرضنا سوف نتناول جوانب هذا القرار مع الأخذ فى الاعتبار أن سياسة الإكراه النقدى التى فرضها الفيدرالى الأمريكى بالأصل لأن من الواضح جلياً أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تسقط بمفردها فهى تريد أن تعانى كافة دول العالم معها من دوامة الانهيار الاقتصادي نفسها بسبب التضخم الذى لم تشهد له مثيلاً منذ 40 عاماً فهى تريد أن تدخل العالم فى نفق مظلم.

السؤال المهم: هل رفع سعر الفائدة هو كل الحل؟

من المتعارف عليه أن رفع سعر الفائدة يعنى الكثير بالنسبة لحركة رؤوس الأموال حول العالم والدول التى رفعت سعر الفائدة على الفور سيكون لها أثر على محفظة مواطنيها والبداية ستكون على تكلفة الاقتراض وبالتالى فإن الاحتياجات التمويلية ستكون أكثر تكلفة فى الوقت الراهن خاصة القروض بفوائد ثابتة إذ إنها تحمل فى طياتها مخاطر أعلى بالنسبة للممولين من البنوك وشركات التمويل مع احتمالية رفع جديد لأسعار الفائدة كما أن القروض القائمة بأسعار فائدة متغيرة سواء كانت قروض تمويل عقارى أو تمويل سيارات فإنها هى الأخرى ستشهد ارتفاعاً، وعلينا مراجعة القروض فى هذه الأوقات والتواصل مع الجهة الممولة لمعرفة حجم التأثير على الميزانيات الشخصية أو العمومية، ولابد من التنويه أيضاً عن القروض بفوائد متغيرة « متحركة» ، فالقروض شقان، أحدهما ثابت وهو هامش الفائدة التى يحصل عليها البنك الممول وتختلف من بنك إلى آخر حسب كل عميل وجدارته الائتمانية بالإضافة إلى شق متغير وهو سعر الفائدة الرسمى المعلن من البنك المركزي، أما عن المشروعات فإنه مع ارتفاع أسعار الفائدة تصبح تكلفة تمويل الأنشطة الاقتصادية أعلى وتقل الجدوى الاقتصادية للعديد من المشروعات؛ إذ يلجأ المستثمرون لاستثمار أموالهم فى الأوعية ذات العائد الثابت والخالية من المخاطر مع ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي ووجود أعلى عائد من البنوك وهو ما قد يؤثر على كافة الأنشطة الاقتصادية وفى أغلب الأحيان ترتفع الودائع المصرفية بصورة كبيرة مع ارتفاع أسعار الفائدة وهو الأمر الذي قد يقلل من المعروض النقدى ويقود الأسعار للهبوط مرة أخرى وبالتالى مستويات التضخم حسب مدى سرعة الاستجابة لقرارات الفائدة.

أما ما يخص سوق الأسهم والسندات فيعتمد فيه المحللون على ما يسمى بسعر «العائد الخالى من المخاطر» أو سعر الفائدة على أذون الخزانة والسندات فى تقييم أسهم الشركات إذ يتم خصم التدفقات المستقبلية للشركات بسعر فائدة أعلى لاحتساب القيمة الحالية لتلك الأموال وبالتالى كلما ارتفع معدل الخصم مرادفًا لسعر الفائدة بنسبة أكبر قلت القيمة الحالية للتدفقات المستقبلية وبالتالى تقييم أقل للأسهم.

ومن المتوقع أن تقوم كثير من المراكز البحثية وبنوك الاستثمار في تعديل توصياتها وقيمها المستهدفة للشركات التى تغطيها بشكل أكثر فاعلية وبشكل مغاير لتلك الصورة خاصة أن أسهم البنوك عادة ما تشهد ارتفاعا بسبب هامش صافى الفائدة والذى يتحرك إيجابياً مع ارتفاع أسعار الفائدة مما يعرف بسياسة التبعية النقدية».

والسؤال المثار حالياً أنه مع رفع الفائدة الفيدرالى الأمريكى فإن العديد من البنوك المركزية العالمية باتت مجبرة على اتباع خطاه إذ إنه حتى ولو لم تكن معدلات التضخم المسجلة لديها بصورة تدعو لزيادة أسعار الفائدة فقد تكون مضطرة إلى هذا القرار إما للحفاظ على تدفقات رؤوس الأموال القادمة إليها نتيجة المنافسة مع أسعار عائد أعلى تقدمها سندات الخزانة الأمريكية أو لارتباط عملتها بصورة مباشرة بالدولار وبالتالى ضرورة المحافظة على أسعار الصرف مع الدولار، والمتوقع أن يشهد ارتفاعاً كبيراً بالمقارنة مع العديد من العملات، وبدورها ومع ارتباط عملاتها بالدولار رغم قرارات التضخم التى كانت أقل بصورة كبيرة عن مثيلاتها فى الولايات المتحدة الأمريكية وعززت البنوك قراراتها إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمى وتجنب اقتصاداتها صدمات تضخمية مستوردة من ارتفاع أسعار السلع العالمية والطاقة.

نأتى إلى مصر ونحن نحلل قرار «المركزى المصرى» ولكن نحتاج إلى قراءة ما مضى لنبنى عليه توقعاتنا

الحقيقة الواضحة أن البنك المركزى المصرى يتبع سياسة الترقب والحذر والاختبار للأسواق ومدى تأثير القرار على سحب الأموال وهنا يقرر سياسته فى الرفع أو التثبيت لأن الواقع يقول ذلك كما فعل فى المرة الماضية عندما قرر التثبيت وهى سياسة نقدية أفضل بكثير من سياسة التبعية للفيدرالى الأمريكى لأن كل دولة لها ظروفها وحساباتها ولقد استطاعت مصر خلال الفترة الماضية أن توقف تراجع الجنيه المصري فقد عملت على عدة محاور منها:

-جذب ودائع واستثمارات خليجية.

- تخفيض الاستيراد على السلع غير الاستراتيجية مع وجود زيادة 20 فى المائة فى الصادرات المصرية فى الربع الأول من العام الحالي.

- زيادة إيرادات الضرائب لتعويض ما تم فقده من إيرادات قناة السويس.

وبالتالى كل السيناريوهات متاحة والترقب هو سيد الموقف فلدينا خبراء يعلمون جيداً أن سياسة التبعية ليست مجدية فى الوقت الحالى وقد يكون الخفض أحد الخيارات للأسباب الآتية:

أولاً: التضخم ما زال فى النطاق الهبوطى الآمن وليس هناك قلق كونه مستورداً وليس نتيجة لزيادة المعروض النقدى

ثانياً: شهادة الوعاء الادخارى لاقت إقبالاً كبيرًا.

ثالثاً : حزم الإيداع النقدى بالفرق هزت الثقة في المضاربة الدولارية وعززت خفض الفائدة، أما عن الأموال الساخنة فهى تحتاج إلى التغلب عليها عن طريق الحزم المالية السريعة والحوافز والأطروحات الحكومية القادمة.

رابعاً: التنوع في الاحتياطى النقدى والبحث عن الذهب كمخزن للقيمة واختيارك مقوم وثابت ووعاء صلب يحتاج منا إلى حديث آخر.

بالإضافة إلى تشجيع الدولة للصناعة والاستثمار فليس من المنطق أنه مع النهوض بالصناعة نرفع الفائدة إذن رفع الفائدة بالتبعية ليس سياسة ذات جدوى إلا فى حالة خروج الأموال بسرعة تفوق قرار الفيدرالى الأمريكى.

لاشك أن العالم يحتاج إلى تضافر الجهود لعمل تنويع لمصادر العملات فقرار الفيدرالى الأمريكى لأسعار الفائدة لن يكون الأخير فأمريكا التى تطبع الدولار بدون غطاء سوف تتخذ قراراً آخر بتثبيت أو رفع أو خفض الفائدة والذي سيؤدى إلى انهيار العالم اقتصاديا فى حالة عدم سعى العالم لتنوع مصادر العملات ولقد حان الوقت ليتخذ العالم قراره فى تغيير سياسته النقدية لينزل الدولار عن عرشه باستخدام عملات دولية متنوعة.

والخلاصة، رأت لجنة السياسات النقدية خفض معدل الفائدة 225 نقطة أساس للحفاظ على سياسة نقدية ملائمة تهدف إلى ترسيخ التوقعات ودعم التراجع المتوقع للتضخم مع ضبط المالية العامة مع الأخذ في الاعتبار الفجوة بين معدل الفائدة والتضخم تحسباً للتحديات الراهنة عالمياً وحالة القلق التى تشهدها الأسواق مع تباطؤ مؤشر أسعار المستهلكين والمؤشر النزولى لنسبة التضخم تلاشيا لتبعات الغموض الاستفزازى العالمى.

 

 

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة