للمرة الأولى منذ أربع سنوات فى 17 أبريل 2025، جاء قرار البنك المركزى المصرى لخفض أسعار الفائدة بمقدار 2.25 فى المائة، لتصل إلى 25 فى المائة للإيداع و26 فى المائة للإقراض، حيث جاء هذا الخفض بعد تراجع معدل التضخم السنوى من ذروته البالغة 38 فى المائة فى سبتمبر 2023 إلى 13.6 فى المائة فى مارس 2025، مما أتاح للبنك المركزى بدء دورة تيسير نقدى.
بشكل عام، يُعد هذا القرار خطوة إيجابية نحو دعم النمو الاقتصادى وتحسين مناخ الاستثمار فى مصر، وهناك العديد من المكاسب التى ستترتب على هذا القرار، والتى تتمثل فى التالي:
1. تحفيز الاستثمار والقطاع الخاص:
يساهم خفض الفائدة فى تقليل تكلفة الاقتراض، مما يشجع الشركات على التوسع وزيادة الإنتاج، ويعزز مناخ الاستثمار المحلى.
2. دعم النمو الاقتصادى:
أشار البنك المركزى إلى أن مؤشرات النمو فى الربع الأول من 2025 تجاوزت 4.3 فى المائة، مما يعكس تعافى النشاط الاقتصادى، ويعزز من فرص خلق وظائف جديدة.
3. خفض تكلفة خدمة الدين العام:
من المتوقع أن يؤدى خفض الفائدة إلى تقليل تكلفة خدمة الدين العام بنحو 175 مليار جنيه سنويًا، مما يخفف العبء على الموازنة العامة.
4. تعزيز جاذبية البورصة:
يساهم خفض الفائدة فى تحويل جزء من رؤوس الأموال من أدوات الدخل الثابت إلى الأسهم، مما يدعم أداء سوق المال على المديين القصير والمتوسط.
5. تحسين بيئة الاستثمار الأجنبى المباشر:
يعكس القرار قدرة البنك المركزى على إدارة ملف الاستثمارات الأجنبية، ويعزز ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصري، فيمارس البنك المركزى دورًا هامًا فى العمل على تحديد مستوى معدلات العائد الرئيسية التى تتوافق مع تحقيق معدل التضخم المستهدف، مع الحفاظ على استقرار الأسعار على المدى المتوسط، ويوازن بين العديد من المخاطر المرتبطة بعملية صنع هذا القرار على المستويين العالمى والمحلى.
ومراعاة لتأثير الأزمات الاقتصادية المتلاحقة على ارتفاع معدلات التضخم على المستوى العالمى ومن ثم المحلى؛ فقد انتهج البنك المركزى المصرى سياسة نقدية تشديدية، برفع معدل العائد ليصل سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى إلى 27.25 فى المائة و28.25 فى المائة و27.75 فى المائة على الترتيب.
وقد قام البنك المركزى المصرى بالتوجه التدريجى نحو تيسير السياسة النقدية بخفض أسعار الفائدة فى نطاق يتراوح بين 100 و300 نقطة أساس للحدّ من تأثير استمرار سياسة سعر الفائدة المرتفع على النمو والاستقرار المالى استنادا إلى عدة مبررات منها تباطؤ وتيرة التضخم، فقد سجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى العام لأسعار المستهلكين للحضر، الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء 1.6 فى المائة فى مارس 2025 مقابل 1.0 فى المائة فى مارس 2024 و1.4 فى المائة فى فبراير 2025.
وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم العام للحضر 13.6 فى المائة فى مارس 2025 مقابل 12.8 فى المائة فى فبراير 2025، وسجل معدل التغير الشهرى فى الرقم القياسى الأساسى لأسعار المستهلكين، الذى يعده البنك المركزى المصري، 0.9 فى المائة فى مارس 2025، مقابل 1.4 فى المائة فى مارس 2024، و1.6 فى المائة فى فبراير 2025. وعلى أساس سنوى، سجل معدل التضخم الأساسى 9.4 فى المائة فى مارس 2025 مقابل 10.0 فى المائة فى فبراير 2025.
وأسفرت هذه التطورات عن ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية إلى نحو 14 فى المائة، مما يجعله من أكثر المعدلات العالمية ارتفاعا.
تُظهر المؤشرات الدورية استمرار علامات التعافى خلال الربع الثانى من العام المالى «2024/2025»، مدفوعا بالاستثمارات الخاصة، ويشير مؤشر مديرى المشتريات إلى استمرارية التعافى التدريجى لنشاط القطاع الخاص، حيث استقر المؤشر فوق المستوى المحايد مع بداية عام 2025، وهو أعلى مستوى وصل إليه منذ ما يقرب من 4 سنوات واستمر هذا فى فبراير 2025، ما يعكس التحسن فى بيئة الأعمال.
تراجع معدل البطالة إلى 6.4 فى المائة فى الربع الرابع من عام 2024 مقارنة بنسبة 6.7 فى المائة فى الربع الثالث من عام 2024.
فى مفاجأة أربكت الأسواق وأذهلت المراقبين، اتخذ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إجراء تجاريا أحاديا صُنِّف على أنه الأكبر والأعنف، وأعلن عن أكبر تصعيد فى التعريفات الجمركية الأمريكية منذ 200 عام، وذلك بفرض رسوم جمركية بنسبة 10 فى المائة على جميع واردات السلع إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى رسوم أعلى على المنتجات القادمة من نحو 60 دولة.
وفى رد فعل عنيف شهدت أسواق الأسهم العالمية ارتباكا شديدا، وتسببت هذه الإجراءات فى عمليات بيع واسعة فى أسواق الأسهم العالمية، وخسرت شركات مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» خسائر غير مسبوقة، وتراجعت أسعار النفط والسلع، بينما لجأ المستثمرون إلى السندات الحكومية كملاذ آمن.
ومن المتوقع أن يكون لهذا الإجراء تداعيات غير مسبوقة على الاقتصاد العالمى الذى ما زال يعانى تباطؤ التعافي، حيث تشير التوقعات إلى بلوغ النمو العالمى 3,3 فى المائة فى عامى 2025 و2026، أى أقل من المتوسط التاريخى الذى بلغ 3,7 فى المائة فى الفترة من (2019-2020)، فضلا عن تعاظم الآثار على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى كافة الدول بدرجات متفاوتة.
وعلى الرغم من تراجع «ترامب» عن موقفه فقد أُصيبت الأسواق العالمية بحالة من الذعر ومخاوف بشأن ارتفاع التضخم، وركود الاقتصاد العالمي، اتخذت العديد من البنوك المركزية فى الاقتصادات المتقدمة والناشئة قرارات بالخفض التدريجى الحذر لأسعار العائد لديها، وذلك على الرغم من حالة عدم اليقين التى لا تزال تحيط بآفاق النمو الاقتصادى والتضخم عالميا، فى حين قررت بنوك مركزية أخرى اتباع نهج حذر تحسبا للتطورات الاقتصادية العالمية المتلاحقة.
وقد قام الفيدرالى الأمريكى بخفض سعر الفائدة 3 مرات خلال عام 2024، لتستقر بين مستوى 4.25 و 4.50 فى المائة حتى اجتماع 19 مارس 2025 استنادا إلى استمرار نمو النشاط الاقتصادى بوتيرة قوية، ومن المتوقع قيام البنك الفيدرالى الأمريكى تخفيض سعر الفائدة خلال اجتماعه القادم فى مايو 2025.
كذلك، خفّض بنك كندا سعر الفائدة الرئيسى بمقدار 225 نقطة أساس على مدار تسعة أشهر ليصل إلى 2.75 فى المائة، مما يجعله أحد أكثر البنوك المركزية جرأةً على مستوى العالم فى التوجه نحو إنهاء التشديد الكمي.
وأعلن البنك المركزى الأوروبى بدء وتيرة تيسير السياسة النقدية منذ يونيو 2024، لخفض الفائدة من المستوى 4 فى المائة، وخفض سعر الفائدة عدة مرات جاء آخرها فى شهر مارس 2025، إذ قرر تقليصها بواقع 25 نقطة أساس، ليصل سعر الفائدة إلى 2.5 فى المائة، بما يتماشى إلى حد كبير مع التوقعات التضخمية فى منطقة اليورو، فمن المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم 2.3 فى المائة عام 2025، و1.9 فى المائة عام 2026، و2.0 فى المائة عام 2027.
أما بالنسبة للتضخم باستثناء الطاقة والمواد الغذائية، فمن المتوقع أن يصل إلى 2.2 فى المائة فى 2025، و2.0 فى المائة فى 2026، و1.9 فى المائة فى 2027، ما يشير إلى اقتراب معدلات التضخم الأساسى من الهدف المتوسط الأجل للبنك والمحدد عند 2 فى المائة، ومن المتوقع أن يقرر البنك المركزى الأوروبى فى اجتماعه القادم خفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.
من ناحية أخرى، هناك العديد من العوامل التى تمثل قيودا على مرونة البنك المركزى المصرى وقدرته على اتخاذ قرار الخفض التدريجى لمعدل الفائدة؛ منها قرار رفع أسعار الوقود الصادر مؤخرا وانعكاساته المتوقعة على معدلات التضخم والذى قد يشكل قيدا على قرار البنك المركزى ويدفعه إلى تبنى نهج أكثر تحفظًا، فضلا عن المخاوف من تخارج الأجانب من أدوات الدين كرد فعل لقرار فرض الرسوم الجمركية الأمريكية.
على الرغم من هذه الإيجابيات، لا تزال هناك تحديات أمام البنك المركزي، مثل تأثيرات رفع أسعار الوقود محليًا، ومخاوف تخارج استثمارات الأجانب فى أدوات الدين، فى ظل التوترات التجارية العالمية المفاجئة كقرارات الإدارة الأمريكية السابقة بفرض رسوم جمركية مرتفعة.
ختامًا، فإن خفض سعر الفائدة خطوة مدروسة، توازن بين تحفيز الاقتصاد والحفاظ على استقرار الأسعار، وتُبرهن على مرونة السياسة النقدية فى التعامل مع التطورات المحلية والعالمية.
