رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عاطف مصطفى إسماعيل: صوت والدى «تخت موسيقى كامل»


4-4-2025 | 01:49

.

طباعة
حوار أجراه: صلاح البيلى

يحتفظ «عاطف»، الابن الأكبر للشيخ مصطفى إسماعيل بتراث أبيه، من تسجيلات نادرة، وصور مع الرؤساء، فى الحفلات النادرة، كما يحتفظ بالأوسمة والجوائز التى نالها، وكذلك عمامته! ويتحسر الابن على أن عصرنا لا يوجد فيه من يهتم بجمع تراث عباقرة التلاوة، أيضًا لم يعد يوجد (سميعة) يميزون بين الأصوات، ويؤكد أن لديه ثروة تربو على 300 ساعة من التسجيلات النادرة مع آهات (السميعة).

فى هذا الحوار يفتح لنا ابن الشيخ «مصطفى» خزينة أسراره، ويضع أيدينا على سر عظمته كقارئ لم يتكرر.

 

 

قلت لعاطف مصطفى إسماعيل: دعنا نبدأ بداية مختلفة، وأنت كسميع وابن للشيخ، ما هو سر قوته، ولماذا يتربع على القمة مع جيل الكبار حتى الآن ولماذا يقلده عشرات القراء إلى اليوم؟

هناك أكثر من سبب لقوة الشيخ الوالد، أولها، أنه لم يقلد أحدًا منذ حفظ القرآن فى قريته (ميت غزال) قرب طنطا، ثانيًا، أن الله أعطاه صوتًا معبرًا غنيًا به كل العناصر الفنية، ثالثًا، أنه كان فنانًا بطبيعته، ومنذ سيطر على القراءة فى طنطا، وقبل أن يأتى للقاهرة، فلم يجد حساده فيه خطأ، فقالوا عنه إنه يتغنى ويرقص بالقرآن!

فتمكن من علم القراءات، وصوته كان قويًا ويساعده فى الأداء، فكان يتجلى ويبدع، فقالوا إنه يغني! رابعًا، لم يترك مقامًا موسيقيًا إلا وقرأ منه، لدرجة أن أم كلثوم عندما التقته قالت له: (إن صوتك تخت موسيقى كامل). 

وأذكر أنه عندما مات أبى، وأقمنا له سرادق العزاء فى مسجد (عمر مكرم) فى آخر ديسمبر سنة 1978، وكنت جالسًا وبجوارى الكاتب كمال النجمى، وقد أشار إلى رجل يرتدى جلبابًا وطاقية بيضاء ويجلس فى صمت، وقال إنه (رياض السنباطي)، فذهبت إليه لأشكره على حضوره، فقال لى بالحرف الواحد: (إننى لم أخرج من بيتى فى مصر الجديدة منذ سبع سنوات، إلا الآن بسبب أبيك، لأن كل من فتحوا حناجرهم من قراء ومطربين لا يقدرون على أن يعملوا العقلة الصغيرة فى صباع يده الشمال!).

فقلت له: لو كنت قلت له ذلك فى حياته لما مات! فقال لي: (أبوك سمع كل القراء، وتمكن من كل القراءات، ثم أبدع هو قراءته الخاصة). فتذكرت أن أبى قال لى مرة: (محدش فاهمني!).

كابن أكبر للشيخ، ما الأصوات التى كان يحبها الوالد من بين جميع القراء؟

الشيخ رفعت فى المقدمة، وقد سمعت أبى وهو يقول: إن الدخول الخاص بالشيخ رفعت لا يقدر قارئ على الإتيان به، بمن فيهم أبى، كما أن صوته ربانى وكله أدب وخشوع، وهو يجيد فى كل المقامات، ولكن الإجادة الكاملة فى مقامى (الرصد والسيكا)، وتكوينه غير التقليدى فى شخصيته كتب له الخلود. أيضًا، أحب أبى صوت الشيخ عبد الفتاح الشعشاعى، مع أن صوته خشن.

كان الرئيس أنور السادات معجبًا بالشيخ.. فكيف كانت علاقته بجمال عبدالناصر؟

أبى قرأ فى المسجد الأحمدى بطنطا فى بدايته، ثم قرأ فى ذكرى سعد باشا زغلول، وقرأ فى عزاء القصبى باشا، وقرأ أمام الشيخ رفعت، وتنبأ له بالتفوق، ثم طلبته الخاصة الملكية فى الأربعينيات عن طريق مراد باشا محسن، فقرأ فى قصر عابدين، وفى قصر رأس التين للملك فاروق، ثم قرأ بعد ذلك فى احتفالات الثورة، ومنحه الرئيس عبدالناصر وسام الجمهورية فى (عيد العلم) سنة 1959، فى نفس الحفل الذى كُرِّم فيه د. طه حسين، وفكرى أباظة، وأم كلثوم، وعبدالوهاب. أما علاقة أبى بالرئيس السادات فتحتاج لحوار وحده، لأنه كان يحبه، ويقلد صوته، واصطحبه معه فى رحلته للقدس الشريف، فقرأ أبى بالمسجد الأقصى صباح يوم عيد الأضحى، بحضور السادات، وعندما مات أبى وكان قد أوصى أن يُدفن فى حديقة بيته فى قريته (ميت غزال)، القريبة من طنطا، ذهب عمى للرئيس السادات فى (ميت أبو الكوم)، واستأذنه فى تنفيذ وصيته، فأمر السادات بتنفيذها على الفور وبكاه، وتحدث مع محافظ طنطا لتنفيذ وصية الشيخ مصطفى بدفنه فى حديقة بيته.

وهل لديك تسجيلات نادرة للشيخ مصطفى لم تُسمع بعد؟

نعم، عندى نحو 300 ساعة من التسجيلات الخارجية بالسميعة وآهات إعجابهم، لأن الشيخ كان يتألق فى الحفلات الخارجية، بعكس استوديو الإذاعة، حيث يجلس الشيخ ليقرأ 45 دقيقة بدون تواصل مع الجمهور، لذلك كان لا يحب القراءة فى الاستوديو. ومرة أخذت أربعة حفلات نادرة وذهبت بها لكامل البوهى مراقب الشؤون الدينية بالإذاعة، فأذاعها مرة واحدة ولم يكررها، فسألته عن السبب فقال لي: (خلى المركب تمشى، فقد أذعت مرة سورة الحج للشيخ فجاءنى كل القراء شاكين، وقالوا لي: أنت عايز توقف حالنا وتخرب بيتنا)!.

وذهبت مرات إلى شركة (صوت القاهرة) التى حبست تسجيلاته، ورفعت ضدها قضية وكسبها، وللأسف تصور الجيل الجديد أن كل القراء واحد، وأن كل شيخ بعمة يسد وخلاص، وهذه كارثة! والذى لا يعرفه البعض أن أم كلثوم خلدتها حفلاتها الخارجية، وليست تسجيلات الإذاعة، لأن تفاعل الجمهور السميع فى الحفلات يدفع القارئ أو المطرب للتجويد، وكان أبى يقول: (القرآن أُنزِل للناس، وأحب أن أقرأ للناس، وليس فى استوديو والمخرج يقول لي: ستاند باى 3، 2، 1، ابدأ)!

وقد شهد له عمار الشريعى بأنه لا يوجد قارئ يمتلك الإمكانيات التى يمتلكها. وأبى سجل القرآن المجود والمرتل كاملًا، ومجموع تسجيلاته الخارجية تربو على 2000 ساعة على الهواء مباشرة، وظل يقرأ لأكثر من ستين سنة حتى يوم 22 ديسمبر 1978، وكان يقرأ يومها فى جامع البحر بدمياط بحضور الرئيس السادات، ورحل بعدها بثلاثة أيام. ولو أنه تم تسجيل كل حفلاته وقراءاته الخارجية لبلغت خمسين ألف ساعة، إذ كان يقرأ يوميًا فى الليالى حتى الفجر، وكان التليفون بجوار مخدته، ويرد على الجميع، ولا يخذل أحدًا، ولا يرد دعوة للقراءة، وكثير من السور سجلها أكثر من مرة، مثل (يوسف، الكهف، مريم، هود، فاطر، الفرقان، الحجرات، ق، الذاريات، النجم، القمر، الرحمن، التحريم، الحاقة، آل عمران، النساء، المائدة، إبراهيم، وقصار السور).

ومن هم عشاق صوت الشيخ من مشاهير اليوم؟

كثيرون، وعلى رأسهم عمرو موسى، ومصطفى الفقى، ود. سعد الهلالى، ومن الراحلين، الفنان صلاح السعدنى، والناقد الموسيقى فرج العنترى الذى قال عنه: (إنه سيد التلوين النغمى فى عصر الراديو)، والراحل خيرى شلبى الذى قال إنه أعظم من تلا القرآن، كما يحب وكما يحلم. ولويس جريس الذى قال إنه صنع نهضة التلاوة فى القرن العشرين.

وكيف كان حال الشيخ مصطفى فى رمضان؟

لم يجلس معنا فى رمضان منذ اشتهر وهو فى طنطا ولم يأتِ للقاهرة بعد، إذ كان محجوزًا عند فؤاد باشا سراج الدين فى بلدته (كفر الجرايدة) بكفر الشيخ، لمدة عشر سنوات بقيمة 300 جنيه لشهر رمضان كاملًا، فى وقت كان الفدان بسبعين جنيها، ثم طلبته الخاصة الملكية، فنزل ضيفًا على الملك فاروق فى فندق (شبرد) لمدة تسع سنوات.

وماذا عن الشيخ فى البيت؟

أبى وُلِد فى 20 يونيو سنة 1905، وتزوج من (فاطمة محمد عمر)، وهى من دمياط سنة 1931، وأنجب 3 ذكور و3 بنات، وكان أنيقًا، يحب أطيب الطعام، ويرتدى أحسن الثياب، وكان يفصل ملابسه الأسطى (فتوح)، أشهر ترزى جلباب بلدى فى القاهرة آنذاك، وسكن فى الزمالك، واشترى أول سيارة سنة 1941، وكان عنده بيانو يعزف عليه، ويحب صوت عبدالوهاب، وأم كلثوم، وكان حازمًا جدًا فى البيت، وضربنى مرة لأنى نظرت من النافذة على بنت الجيران. وكان يشغله أن نحصل على أرقى الشهادات العلمية، التى لم يُتح له أن يحصل عليها، لذلك أدخل بناته (الأمريكان كوليدج) فى الزمالك ونشأن نشأة عصرية. وكان أول أجر له خمسين قرشًا فى طنطا، ثم وصل أجره لألف جنيه فى الليلة قبل رحيله، وكان ينفق بسخاء، وزارنى فى (هايدلبرج) بألمانيا أربع مرات، حيث كنت أعيش، وشاهد زوجتى الألمانية وأثنى عليها. كان مخه كبيرًا وعصريًا، واشترى لنا فيلا بالإسكندرية للمصيف، ومنعنى من أن أجبر زوجتى على الإسلام، حتى أسلمت هى طواعية بعد ذلك.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة