فى شوارع مصرية بعيدة عن ضجيج العاصمة، يسطر مصريون قصص نجاح صغيرة لكنها مؤثرة، قصصًا تنسجها وزارة التنمية المحلية بقيادة الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، من خلال برنامجها القومى للتنمية المجتمعية والبشرية والمحلية «مشروعك»، الذى لم يكن مجرد تمويل، بل كان طوق نجاة وحلمًا تحقق على أرض الواقع.
من الورش الصغيرة فى قنا، إلى مصانع الملابس فى كفر الشيخ، ومحال الشنط والأحذية فى الإسماعيلية، وصناعات يدوية فى سيناء يرسم «مشروعك» خريطة جديدة للعمل الحرّ وتمكين الشباب، ويمنح الفرصة لمَن يملكون الحلم ولا يملكون رأس المال.
وراء الأرقام الرسمية التى تجاوزت 213 ألف مشروع بتمويل فاق 32 مليار جنيه، وأكثر من 1.4 مليون فرصة عمل، هناك وجوه وأسماء وأحلام تحولت إلى واقع بدعم من الدولة وإشراف مباشر من وزارة التنمية المحلية، التى أكدت أن المشروع القومى للتنمية المجتمعية والبشرية والمحلية «مشروعك» نجح منذ انطلاقه فى عام 2015 وحتى مارس 2025 فى تنفيذ 213,313 مشروعًا بقيمة تمويل تجاوزت 32.1 مليار جنيه، مما أسهم فى توفير 1,422,779 فرصة عمل للشباب فى مختلف محافظات الجمهورية.
وقالت «د. منال»: إن «مشروعك» يأتى فى إطار حرص الدولة على تمكين الشباب ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل، مشيرة إلى أن المبادرة تمثل ذراعًا تنفيذية قوية للوزارة فى دعم الاقتصاد المحلى وتنمية المجتمعات.
وتابعت: محافظات الصعيد جاءت فى مقدمة المحافظات المستفيدة من البرنامج، وهو ما يعكس توجه الدولة نحو دعم أبناء الصعيد وتوفير فرص عمل حقيقية لهم، مشيرة إلى أن محافظة المنيا تصدّرت قائمة المحافظات بتنفيذ أكثر من 23.3 ألف مشروع بقروض تجاوزت 3.3 مليار جنيه، أسفرت عن توفير 157.3 ألف فرصة عمل، تلتها محافظة سوهاج بعدد 23.1 ألف مشروع بتمويل 4.2 مليار جنيه وفرت حوالى 152.1 ألف فرصة عمل، ثم بنى سويف بـ16.3 ألف مشروع بقروض تتجاوز 2 مليار جنيه، وفرت 97.5 ألف فرصة عمل، تلتها أسيوط بـ14.5 ألف مشروع واستثمارات قدرها 2.6 مليار جنيه أسفرت عن توفير 107.3 ألف فرصة عمل.
وفى سياق متصل، كشف الدكتور خالد قاسم، المتحدث الرسمى لوزارة التنمية المحلية، أن «البرنامج شهد أيضًا إقبالًا كبيرًا فى محافظات الدلتا، حيث نفذت محافظة البحيرة أكثر من 19.2 ألف مشروع بقيمة 1.7 مليار جنيه وفرت 101.6 ألف فرصة عمل، تلتها محافظة الدقهلية بـ17.3 ألف مشروع بتمويل تجاوز 2.2 مليار جنيه وفرت 105.5 ألف فرصة عمل، بينما بلغ عدد المشروعات المنفذة فى الشرقية حوالى 16.8 ألف مشروع بتمويل 2.9 مليار جنيه أسهمت فى توفير 132.6 ألف فرصة عمل».
وأضاف أن الوزارة مستمرة فى التوسع فى دعم «مشروعك» خلال المرحلة المقبلة من خلال تقديم تسهيلات ائتمانية جديدة لتوسيع قاعدة المستفيدين، إلى جانب مواصلة تقديم الاستشارات الفنية والدورات التدريبية التى تهدف إلى رفع كفاءة أصحاب المشروعات وتحسين مهاراتهم، مؤكدًا أن «مشروعك» يعكس رؤية الوزارة فى تحقيق التنمية المحلية المستدامة، وتعزيز دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة كأداة فعالة لخلق فرص العمل، وتعزيز الاقتصاد الوطنى فى مختلف ربوع الجمهورية.
فى سياق متصل، أكد مصدر مسئول أن «مشروعك» هو مشروع قومى أطلقته وزارة التنمية المحلية بهدف توفير فرص عمل مستدامة للشباب فى جميع قرى ومدن مصر، والحدّ من الهجرة الداخلية، وتحقيق التنمية المجتمعية الشاملة. يقوم المشروع على دعم المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فى مختلف القطاعات (التجارية، الزراعية، الصناعية، والخدمية)، عبر تسهيلات تمويلية من خلال التعاون مع عدد من البنوك الوطنية، وتيسير الإجراءات داخل مقرات «مشروعك» المنتشرة فى الوحدات المحلية.
وتابع: المشروع يسعى إلى خلق ملايين فرص العمل خلال خمس سنوات، وتحفيز الشباب والمرأة على العمل الحر، ما يعزّز شعور الانتماء للدولة ويدفع عجلة الاقتصاد. وتتنوع شرائح التمويل بين 1,000 جنيه وحتى مليون جنيه، بحسب نوع المشروع ومساهمة صاحبه، ما يجعل «مشروعك» منصة فعالة لصناعة مستثمرين جدد، وخفض معدلات البطالة والفقر فى المجتمع المصرى.
ومن الفكرة إلى التنفيذ، فتحت وزارة التنمية المحلية أبواب الأمل والعمل فى كل مكان، ففى محافظة كفر الشيخ كانت البداية مختلفة لشاب قرر أن يصنع لنفسه طريقًا خاصًا، بعيدًا عن المسار التقليدى، ياسر أبو الفتوح عنان، ابن مدير مدرسة، تربّى على أهمية التعليم، وأتمّ دراسته بالفعل، لكن قلبه كان فى مكان آخر، عالم التجارة.
«من وأنا صغير بحب البيع والشراء، واشتغلت فترة فى تجارة الأعلاف، وكان عندى فكرة عن المشروع ده، بس ما كانش عندى رأس مال أبدأ به»، هكذا بدأ «ياسر» قصته.
الحلم لم يتوقف، ومع البحث عن فرصة، سمع ياسر عن إدارة «مشروعك» بمجلس مدينة كفر الشيخ، لم يتردد، وتوجه مباشرة إلى هناك، وسأل عن الإجراءات، «استقبلونى كويس، وقدّمت أوراقي، وساعدونى أعمل دراسة جدوى مبسطة».
وبعد خطوات مرت بسلاسة، حصل «ياسر» على قرض بقيمة 250 ألف جنيه من البنك المركزى عبر البرنامج، وبدأ فى تنفيذ حلمه، وقال: «اشتريت معدات، وجهزت المكان، وبدأت شغل فعلى فى مطحن وعلافة».
اليوم، أصبح لدى «ياسر» مشروع متكامل لإنتاج الأعلاف، يعمل معه عدد من الشباب من أبناء القرية، ويوفر لهم دخلًا ثابتًا، وقال عنه: «الحمد لله، المشروع بيكسب، وعندى دخل شهرى كويس، وسددت القرض فى مواعيده».
لم يكن الدعم المالى فقط هو ما حصل عليه «ياسر»، بل يشير أيضًا إلى استفادته من استشارات إدارة المشروع ورفع كفاءة الإنتاج التى وفّرها له القائمون على البرنامج، وقال «ياسر»: «اللى عنده فكرة مشروع ومحتاج دفعة، يروح مشروعك، الطريق ممكن يبدأ بخطوة واحدة».
آية رفعت، شابة طموحة من محافظة الإسماعيلية، بدأت مشروعها بوسيلة بسيطة ومجانية: جروب على «فيسبوك» كانت تعرض من خلاله شنطًا وأحذية، وتروج لها بين صديقاتها ومعارفها. ومع الوقت، بدأ الإقبال يزداد، لكن ظل العائق الأكبر أمامها هو ضعف رأس المال.
وروت «آية»، تفاصيل رحلتها، وقالت: «ما كانش عندى دخل ثابت أقدر أطوّر بيه المشروع، لحد ما سمعت عن برنامج مشروعك، ورحت بنفسى مجلس المدينة، وسألت عن الإجراءات».
قدّمت «آية» أوراقها، وبعد مراجعتها، توجّهت لجنة إلى المحل الذى قامت بتأجيره لبدء النشاط بشكل فعلي، رغم أن البضاعة وقتها كانت بسيطة جدًا لكن بعد دراسة الحالة، حصلت على قرض ساعدها على تطوير المشروع وزيادة المعروضات.
«الإقبال زاد جدًا بعد التمويل، وقدرت أسدد القرض بتسهيلات كبيرة، الحمد لله»، أوضحت «آية»، التى أصبح المشروع اليوم مصدر دخل رئيسيا لها ولزوجها، اللذين يعملان سويًا فى هذا المجال. وقدّمت آية الشكر لوزارة التنمية المحلية، مؤكدة أن «مشروعك» كان طوق نجاة للكثير من الشباب، وساهم فى تحويل أفكار بسيطة إلى مشاريع ناجحة على أرض الواقع.
فى قلب محافظة قنا، وتحديدًا بين أيادى شاب طموح اسمه عبدالناصر محمود، بدأت قصة كفاح حقيقية فى مجال صناعة الألوميتال. وقال «عبدالناصر»: «كنت بشتغل فى المجال ده على قدّي، وبفكر إزاى أطور شغلي، لحد ما سمعت عن مبادرة حقق حلمك بمشروعك بالمحافظة، واتعلمت واتدربت على فنيات صناعة الألوميتال. وتم توجيهى بشكل سليم، وساعدونى فى إعداد دراسة جدوى. وبعد استيفاء الإجراءات، حصلت على قرض بقيمة 150 ألف جنيه من بنك مصر، ضمن تسهيلات البرنامج».
وأضاف: «ما كنتش أتخيل سهولة الإجراءات ولا التسهيلات فى السداد، وكمان وفّروا لنا تدريبات عن تنمية وتطوير المشروعات، استفدت منها جدًا، ولقيت الدعم فعلًا، من خلال جهود وحدة سكان المحافظة ووزارة التنمية المحلية ومفيش تعقيدات زى ما الناس بتفتكر.. بالعكس، كل حاجة كانت واضحة وسهلة».
واختتم «عبدالناصر» حديثه موجهًا رسالة للشباب: «أهم شيء الإصرار على تحقيق الهدف، والاستعانة بالله على السداد.. البداية دايمًا بتكون خطوة صغيرة، بس ممكن تغيّر حياتك كلها».
ومن الجنوب، إلى شمال سيناء، برزت مبادرات خاصة لتعزيز الصناعات اليدوية والحرف التراثية، حيث استفاد عدد من الشباب والنساء من البرنامج فى تمويل مشروعات مثل صناعة السجاد اليدوى ومنتجات الزيتون والملح. هذه المبادرات لم تُعد فقط بإحياء التراث، بل أصبحت مصدر دخل أساسيا للكثير من العائلات، وساهمت فى تثبيت الشباب بأرضهم من خلال فرص عمل مستدامة.
كما أولى البرنامج اهتمامًا خاصًا بذوى الهمم، حيث تم توفير تسهيلات خاصة لهم للحصول على التمويل والدعم الفني. ومن أبرز النماذج قصة محمد علوانى من محافظة بنى سويف، وهو شاب من ذوى الإعاقة الحركية، الذى نجح فى افتتاح ورشة لصيانة الهواتف المحمولة بعد حصوله على قرض صغير، وحاليًا يقوم بتدريب شباب آخرين من ذوى الهمم، فى تجربة ملهمة تؤكد أن الفرصة يمكن أن تصنع المعجزات.
جانب آخر لافت هو ما قدمه «مشروعك» فى مجال الاقتصاد الأخضر، حيث شجع البرنامج مشروعات صديقة للبيئة مثل إعادة تدوير البلاستيك والمخلفات العضوية والتى برزت فى محافظات وجه بحرى
