نقلة كبيرة وخطوات ملموسة حققتها مصر على مدار السنوات الماضية فى رفع معدلات صادراتها إلى الخارج كأحد الحلول العاجلة لتوفير العملة الصعبة من الدولار وفتح الأسواق العالمية أمام المنتجات المصرية خاصة الزراعية منها التى تواصل مصر تحقيق نجاحات غير مسبوقة فى قطاع الزراعة، حيث أصبحت الصادرات الزراعية واحدة من أبرز محركات الاقتصاد الوطني، وانعكس ذلك على الأرقام الرسمية التى أظهرت ارتفاعًا ملحوظًا فى حجم الصادرات الزراعية.
وتشير تقديرات وزارة الزراعة إلى أن الصادرات الزراعية حققت رقماً قياساً غير مسبوق خلال عام 2024، حيث تجاوزت 8.6 مليون طن من المنتجات الزراعية، بما يعادل نحو 9.2 مليار دولار، بزيادة قدرها أكثر من مليون و172 ألفاً و705 أطنان عن عام 2023، ومن المتوقع أن تتجاوز الصادرات المصرية 10 مليارات دولار خلال العام الجارى 2025.
وكان علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى قد تلقى تقريراً من د. محمد المنسى، رئيس الحجر الزراعي، حول إجمالى الصادرات الزراعية خلال عام 2024، وأشار التقرير إلى أن أهم الصادرات الزراعية هى الموالح، والبطاطس الطازجة، والبصل الطازج، والعنب، والفاصوليا (طازجة وجافة)، والبطاطا، والمانجو، والطماطم الطازجة، والثوم الطازج، والفراولة الطازجة، والجوافة، والرمان.
حيث بلغ إجمالى الصادرات الزراعية من الموالح ٢ مليون 392 ألفا 266 طنا، بالإضافة إلى تصدير 977 ألفا 233 طنا من البطاطس الطازجة، لتحتل المركز الثانى فى الصادرات الزراعية بعد الموالح، بينما تم تصدير 321 ألفاً و 1 طن من البصل، ليحتل المركز الثالث من الصادرات، واحتلت الفاصوليا (طازجة + جافة) المركز الرابع بإجمالى 291 ألفاً و 920 طناً، واحتلت البطاطا المركز الخامس بإجمالى 267 ألفا و 743 طنا، واحتل العنب المركز السادس فى الصادرات الزراعية بإجمالى 181 ألفا و981 طنا، فى حين احتلت المانجو المركز السابع فى الصادرات بإجمالى 148 ألفا و 18 طنا، بينما احتلت صادرات مصر من الرمان المركز الثامن بإجمالى كمية بلغت 125 ألفا و 168 طنا، بينما احتلت صادرات مصر من الطماطم المركز التاسع بإجمالى 52 الفا و 242 طنا، يليه فى المركز العاشر الفراولة بإجمالى 47 الفا و 164 طنا، بينما حصل الثوم على المركز الحادى عشر فى الصادرات بإجمالى كمية بلغت 25 ألفا و 545 طنا، فى حين احتلت الجوافة المركز الأخير فى الصادرات بإجمالى 20 ألفا و 480 طنا.

ونجحت مصر فى تعزيز مكانتها كأحد أبرز منتجى النباتات العطرية والطبية فى العالم، حيث تُزرع ما يقرب من 30 نوعًا من هذه النباتات على مساحة تصل إلى 130 ألف فدان موزعة على مختلف المحافظات، وتعد هذه الأنواع ركيزة أساسية للعديد من الصناعات الحيوية، مثل الصناعات الدوائية، الغذائية، ومستحضرات التجميل، مما يجعلها عنصرًا استراتيجيًا فى منظومة الزراعة والصادرات المصرية، حيث أوضح تقرير صادر عن وزارة الزراعة أن الحبوب العطرية أو “العائلة الخيمية”، مثل الكمون، الكزبرة، وحبة البركة، تمثل 50 فى المائة من المساحات المزروعة بالنباتات العطرية والطبية، وتأتى فى المرتبة الثانية “العائلة الشفوية”، التى تضم النعناع بأنواعه، البردقوش، المرمرية، الزعتر، والريحان.
وهذه الطفرة فى الصادرات جاءت نتيجة استراتيجيات متكاملة تهدف إلى زيادة الإنتاجية وتعزيز تنافسية المنتجات الزراعية المصرية، يشمل ذلك تطوير أنظمة الزراعة والري، تحسين جودة المحاصيل، وتوسيع قاعدة الأسواق الدولية لتشمل مناطق جديدة فى آسيا وإفريقيا، وتعمل الدولة على تنفيذ نحو 37 مشروعًا قومياً زراعياً، تشمل تنمية المحاصيل البستانية، التصنيع الزراعي، والإنتاج الحيواني، بالإضافة إلى مشروعات استصلاح الأراضى وتطوير الرى الحقلي، ومن أبرز هذه المشروعات، التوسع الأفقى بإضافة 4 ملايين فدان إلى الرقعة الزراعية، مع استكمال استصلاح 700 ألف فدان ضمن مشروع توشكى.
الدكتور إبراهيم درويش، أستاذ الزراعة بجامعة المنوفية، يرى أن الصادرات الزراعية سجلت لعام 2024 نحو 8 ملايين طن بقيمة الـ9.2 مليار دولار، وبلغ إجمالى الصادرات من المنتجات الطازجة نحو 6.9 مليون طن بقيمة تتجاوز 4.1 مليار دولار (205 مليارات جنيه)، بينما وصلت قيمة الصادرات الزراعية المصنعة إلى 5.1 مليار دولار (255 مليار جنيه).
“درويش” تحدث عن العوامل الرئيسية التى وقفت وراء تحقيق هذا النجاح ليصل إجمالى العائدات الزراعية إلى 9.2 مليار دولار، موزعة بين 4.1 مليار دولار من المنتجات الطازجة و5.1 مليار دولار من المنتجات المصنعة، مشيرا إلى أن عوامل ارتفاع الصادرات الزراعية جاءت نتيجة الأسباب الآتية:
وأوضح أن هذه الطفرة جاءت نتيجة لتركيز الدولة المصرية على دعم القطاع الزراعى باعتباره ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، من خلال إضافة أكثر من 2 مليون فدان جديدة إلى المساحة المزروعة ضمن مشروعات استصلاح الأراضي، وتنفيذ مشروعات التحسين الرأسى التى أسهمت فى تعظيم إنتاجية الأرض الزراعية، كما أدت التطورات فى نظم الرى إلى تحسين جودة المحاصيل، تقليل الأمراض، وزيادة الإنتاجية، إلى جانب فتح أكثر من 160 سوقًا عالميًّا أمام المنتجات الزراعية المصرية، بفضل جهود التفاوض وتوقيع اتفاقيات تعاون دولي، الأمر الذى منح مصر فرصة أن تصدر 405 سلع زراعية، تتمتع بميزة تنافسية قوية فى الأسواق العالمية.
أحمد زكي، عضو شعبة المصدرين، قال إن أسباب الطفرة فى صادرات الحاصلات الزراعية يرجع إلى زيادة حجم الإنتاج المحلى من المنتجات الزراعية بشكل كبير سواء نتيجة التوسع الأفقى فى زيادة الرقعة الزراعية والمساحة المحصولية خلال آخر 10 سنوات، أو التوسع الرأسى فى كميات المحاصيل المنتجة من الأراضى القائمة وزيادة جودتها نتيجة اهتمام المزارعين بتطوير الحاصلات الزراعية سواء كصنف المحصول أو مواصفاته، وكذلك فى كميات المبيدات المستخدمة وفقاً للمعايير الدولية، لتصبح مؤهلة للتصدير للأسواق الخارجية.

وأضاف أن مصر استطاعت تحقيق الصدارة فى تصدير عدد من المحاصيل الزراعية ومنها البرتقال الطازج، وتحل فى المركز الأول عالميًا فى هذا المحصول منذ أكثر من 7 سنوات، وفى طريقها لأن تصبح فى صدارة تصدير الموالح الطازجة بصفة عامة، كما تحل فى المراكز الأولى فى تصدير البطاطس، والفاصوليا (الخضراء والجافة)، والفراولة، وكذلك تستحوذ على حصة جيدة فى تصدير العنب.
وأشار الى أن أكبر الدول المستوردة من الحاصلات الزراعية المصرية هى الاتحاد الأوروبي، وتستحوذ هذه الكتلة على نسبة 40 فى المائة من إجمالى الحاصلات، يليها الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، كما تصدر مصر لعدد يتراوح بين 70-80 دولة منها الصين، واليابان، والولايات المتحدة، والبرازيل وجنوب شرق آسيا، مشيرًا إلى صعوبة التصدير لدول هذه المنطقة-قاصدًا جنوب شرق آسيا- فى ظل توترات الملاحة بقناة السويس.
وربط عضو شعبة المصدرين استمرار زيادة الصادرات الزراعية المصرية، باستكمال الدولة فى خططها فى التوسع فى استصلاح الأراضى الزراعية، لزيادة حجم الإنتاج المحلي، واستمرار جهود وزارة الزراعة فى توقيع اتفاقيات مع الدول المستهدف التصدير إليها لتوقيع بروتوكولات للتعاون فى تصدير الحاصلات الزراعية المصرية، مشيرًا إلى أن موسم التصدير الزراعى هذا العام يشهد تحديات صعبة بسبب التوترات فى قناة السويس، ولكنه توقع زيادة فى صادرات البرتقال الطازج والموالح المصرية.
وبحسب هشام عبيد، الخبير الزراعي، فإن زيادة حجم الإنتاج الزراعى محليًا وراء تحقيق مصر رقمًا قياسيًا فى حجم الصادرات الزراعية، فى المقابل انخفض حجم الإنتاج الزراعى فى عدد كبير من الدول نتيجة التغيرات المناخية وندرة المياه وارتفاع تكاليف الإنتاج مما ساهم فى زيادة الطلب على الحاصلات الزراعية المصرية، وتحولت دول مثل إسبانيا من المنافسة فى الصادرات الزراعية إلى استيراد احتياجاتها من دول شمال إفريقيا ومنها مصر، علاوة على إطلاق الدولة برامج لتشجيع الشركات على التصدير، والمشاركة فى المعارض الدولية.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبى ودول الخليج وروسيا فى صدارة الأسواق المستوردة للحاصلات الزراعية يليها دول جنوب شرق آسيا وأبرزها الصين وسنغافورة وماليزيا والهند، كما صدرت مصر لأول مرة لأسواق البرازيل والأرجنتين واليابان وكوريا وفيتنام، وكذلك لعدد من الأسواق الإفريقية، مضيفًا أن زيادة الصادرات الزراعية يساهم فى نمو تدفقات النقد الأجنبى للبلاد، وكذلك يساهم فى زيادة معدل نمو الاقتصاد الوطنى وتوفير المزيد من فرص العمل.
وتوقع “عبيد” زيادة الحاصلات الزراعية المصرية خلال عام 2025، وعلى رأسها الموالح والعنب والبطاطا والطماطم والفلفل والخضراوات الورقية والأعشاب، كما ترتفع صادرات الخضراوات والفواكه المجمدة بشكل لافت خلال الفترة الحالية، وهناك استثمارات ضخمة فى هذا القطاع يتم ضخها خلال الفترة الحالية لتلبية الطلب المتزايد من روسيا والاتحاد الأوروبي.
فيما يرى سمير النجار، خبير زراعي، أن سبب زيادة الصادرات الزراعية المصرية هو تشجيع الدولة للمصدرين على فتح أسواق جديدة وزيادة حجم المنتجات المصدرة من خلال برنامج المساندة التصديرية، عبر سرعة صرف مستحقات المصدرين المتأخرة مما شجعهم على فتح أسواق جديدة خاصة فى ظل المنافسة القوية مع الدول الأخرى، إضافة إلى التوسع فى استصلاح مساحات واسعة من الأراضى الصحراوية مما ساهم فى زيادة الإنتاج المحلى الزراعي.
وأضاف أن الحكومة تستهدف زيادة حجم الصادرات إلى 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030، ولتحقيق ذلك تضع منظومة جديدة لبرنامج دعم الصادرات قائمة على سرعة صرف مستحقات المصدرين، بحيث لا يتجاوز ذلك مدة 3 أشهر، والالتزام بالمتأخرات على فترات سداد محددة للمستحقين، مع إمكانية أن تكون هناك مقاصة من الضرائب أو أى مستحقات أخرى للحكومة، وكذا الحصول على أراضٍ جديدة، وفق بيان رسمي.
وقال الدكتور شريف سمير فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن مصر تسعى إلى زيادة صادراتها من المنتجات الزراعية عبر النهوض بالقطاع الزراعى وتطويره، وفتح أسواق جديدة للمنتج المصرى ويمكن للدولة زيادة الصادرات الزراعية لتوفير العملة الصعبة، من خلال الاهتمام بعمليات التصنيع الزراعية، موضحا، أنه تم فتح أسواق جديدة للمنتجات الزراعية المصرية لم تكن إتاحتها سهلة فى السابق، منها تصدير منتجات مصر من الموالح لأول مرة للسوق اليابانية، وكذلك فتح السوق الصينية للعنب المصري.
وأشار إلى أن الصادرات الزراعية المصرية شهدت طفرة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، بفضل تبنى سياسات زراعية متطورة والالتزام بمعايير الجودة العالمية، مما عزز تنافسية المنتجات المصرية فى الأسواق الدولية، مشيراً إلى أن هذه القفزة فى الصادرات تعكس نجاح الجهود المبذولة لفتح أسواق جديدة وزيادة التنوع فى المنتجات المصدرة، لافتاً أن المحاصيل المصرية، مثل الموالح، البطاطس، الفراولة، والعنب، تتصدر قائمة المنتجات الأكثر طلبًا عالميًا، موضحاً أن تطبيق معايير الجودة الصارمة والرقابة المشددة على المنتجات الزراعية ساهم فى تعزيز سمعة الصادرات المصرية وزيادة الطلب عليها، كما أن الاستثمار فى تقنيات الرى الحديث والزراعة الذكية ساعد فى تحسين الإنتاجية وتقليل الفاقد، مما انعكس إيجابيًا على حجم الصادرات.
ولفت “سمير” إلى أن التصنيع الزراعى أحد العوامل الحاسمة فى تحقيق الاستفادة القصوى من الإنتاج الزراعي، سواء للسوق المحلية أو العالمية، يعزز التصنيع الزراعى قيمة المنتجات الزراعية، ويساهم فى توفير فرص عمل وزيادة الدخل، وفى سياق السوق العالمية، يمكن للتصنيع الزراعى أن يعزز التنافسية ويدعم تصدير المنتجات الزراعية بقيمة مضافة أعلى