شهدت الصادرات الزراعية المصرية طفرة ملحوظة فى السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت إلى 8 ملايين طن من المنتجات النباتية فى عام 2024، محققة زيادة كبيرة مقارنة بالأعوام السابقة.. جاء هذا الإنجاز بفضل جهود وزارة الزراعة فى تعزيز قدرة القطاع، من خلال تطوير الأنظمة والآليات التى تضمن جودة المحاصيل من زراعتها حتى التصدير، مثل نظام التكويد الذى يوفر تتبعًا دقيقًا للمنتجات
فى هذا السياق، أجرَت «المصور» حوارًا مع المهندس سيد عباس، المدير الفنى للحجر الزراعي، حيث استعرض خلاله دور الأخير فى تطبيق معايير الجودة والسلامة فى الإنتاج الزراعي، والتحديات التى تواجه ضمان سلامة المنتجات، بالإضافة إلى دوره فى توفير الشهادات اللازمة التى تعزز الثقة لدى المستوردين الأجانب فى المنتجات المصرية، فضلًا عن تشجيع المزارعين على اتباع معايير الجودة والسلامة الغذائية والصحية من خلال الدعم الفنى والتدريب والإرشاد.
بداية، حدثنا عن الأسباب والخطوات الرئيسية وراء تحقيق نمو حجم الصادرات الزراعية المصرية خلال السنوات الأخيرة؟
أولاً فى عام 2017، بدأت خطة وهيكلة تطوير الحجر الزراعي، مما أدى إلى مضاعفة الصادرات الزراعية، حيث ارتفعت من 4 ملايين طن فى 2017 إلى 7.5 مليون طن فى بداية عام 2024، ثم وصلت إلى 8 ملايين طن بنهاية العام، وجاء هذا الإنجاز نتيجة العمل على عدة محاور، منها فتح 96 سوقًا جديدة فى دول لم تكن تستورد المنتجات الزراعية المصرية، مما أحدث طفرة كبيرة فى حجم الصادرات.
ثم توالت الخطوات بعد عام 2017، كانت بعض الدول تفرض حظرًا على عدد من المحاصيل بسبب سوء سمعتها، ثم بدأنا بعقد لقاءات مع هذه الدول لتحديد أسباب الخلل ونواحى الضعف، وأطلقنا منظومة تكويد الحاصلات الزراعية، تتابع المحاصيل منذ الزراعة وحتى النضج والإنتاج ثم التصدير.. وأسهمت هذه المنظومة فى تحسين جودة المحاصيل المصرية وتعزيز صورتها عالميا، مما أدى إلى رفع الحظر عن جميعها.. واليوم، لا يوجد أى حظر على المنتجات الزراعية المصرية، التى باتت تتمتع بجودة عالية وأسعار تنافسية، مما زاد من الإقبال الدولى عليها.
هل هناك تحديات واجهها الحجر الزراعى فى العمل على تحسين الصادرات الزراعية.. وكيف تغلبتم عليها؟
واجهنا بالفعل تحديًا يتمثل فى قلة القوة البشرية، وتمت الموافقة على تعيين 200 مهندس حجر زراعى من حديثى التخرج، حيث تم التعاقد مع الدفعة الأولى وجارٍ التعاقد مع الدفعتين الأخريين، كما تم التغلب على تحدى عمل الموانئ لفترة واحدة، وأصبحت تعمل الآن على مدار 24 ساعة، مع توفير لجان دائمة فى الموانئ، مثل مطار القاهرة وميناءى الإسكندرية والدخيلة.

وماذا عن أبرز المحاصيل التى حققت نجاحاً ملحوظاً على مستوى التصدير؟
حققنا المركز الأول عالميًا فى تصدير البرتقال والفراولة المجمدة.. وخلال العام الماضي، بلغت صادراتنا من أبرز المحاصيل: الموالح (البرتقال والفراولة) 2.3 مليون طن، البطاطس 980 ألف طن، البصل 350 ألف طن، والبطاطا الحلوة والعنب والمانجو 150 ألف طن.
وما الخطوات التى اتخذتها وزارة الزراعة لتحسين القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية المصرية فى الأسواق العالمية؟.. وهل منظومة التكويد ساهمت فى ذلك، وكيف تتم؟
اتخذت الوزارة خطوات شملت إنشاء منظومة تكويد لمتابعة الحاصلات الزراعية من الزراعة وحتى التصدير، ورفع الحظر عن المحاصيل المحظورة، وفتح 96 سوقًا جديدة عالمية، مما عزز جودة المنتجات وزاد الطلب عليها بأسعار تنافسية.. وساهمت منظومة التكويد فى تحسين متابعة 11 نوعًا من المحاصيل التى تُطبق عليها المنظومة، حيث نتم مراقبتها بدقة بدءًا من الزراعة وحتى التصدير.. وفى حال حدوث أى خلل فى المنتج، يمكن بسهولة تحديد المصدر ومعالجة المشكلة بسرعة.. وهذه المنظومة عززت الثقة بين المستورد والدولة، بخلاف الماضي، حيث كانت المشكلات تتطلب وقتًا أطول لتحديد المصدر.
صف لنا ماهية نظام التكويد؟
التكويد هو نظام يطبقه الحجر الزراعى لمتابعة المحاصيل الزراعية بدقة، يبدأ بإجراء معاينة للأرض وأخذ إحداثياتها باستخدام تقنية GPS، ثم تُرسل لجنة للمعاينة والفحص الميداني، وتتم متابعة المحصول عبر الأقمار الصناعية لمراقبة مراحل نموه حتى الحصاد، وعند اكتمال النمو، تُرسل لجنة لفحص المحصول وأخذ عينات لتحليلها والتأكيد على خلوها من أى مبيدات..
ثم بعد التأكد من سلامة العينة، يُنقل المحصول من المزرعة التى تحمل رقماً كودياًّ مسجلاً فى الحجر الزراعى إلى محطة تعبئة تحمل أيضاً رقماً كودياًّ خاصاًّ..
وتوضع أرقام المزرعة والمحطة على كل عبوة.. وفى الميناء، تخضع الشحنة لفحص ثالث للتأكد من مطابقتها للمواصفات..
وإذا حدث أى خلل أو رفض من قبل الدول المستوردة، يُمكن تتبع مصدر العبوة بسهولة، تتم معالجة المشكلات وفقًا لنوعها: كوجود حشرات قد تكون ناجمة عن بويضات غير مرئية بالعين المجردة، والتى تُعالج بالتبخير أو التبريد أو الحرارة.. وفى حال وجود آفات خطيرة، تُتخذ الإجراءات المناسبة مثل إعادة الشحنة، إعدامها، أو إعادة تصديرها، وهذا البروتوكول يُطبق بالتوافق مع الاتفاقيات الدولية، وتُعامل المنتجات المستوردة إلى مصر بالمعايير والضوابط نفسها لضمان الجودة.
هل سيتم تعميمه بشكل كامل على جميع المحاصيل؟
حاليًّا، تمثل 11 محصولًا أكثر من 60 فى المائة من صادرات مصر الزراعية. ومع ذلك، يتم تنفيذ الخطة تدريجيًّا بسبب نقص القوة البشرية، مما يجعل توسعة الصادرات تتم بشكل مرحلى مقارنة بالماضي.. وأذكر هنا أنه فى عام 2017، كانت هناك مشكلات فى تصدير العنب إلى أوروبا، ولكن بعد تطبيق نظام التكويد، أصبح العنب مطلوبًا بشكل كبير، تلاه نجاح تصدير الفراولة والفلفل إلى دول الخليج والسعودية، ثم الجوافة والرمان، وأخيرًا الفول السوداني..
وقد بدأنا زيادة الكميات المصدرة مع تجنب المشكلات السابقة، مما أدى إلى ارتفاع الإقبال على المنتجات الزراعية المصرية سنويًّا، حيث يتم اختيار المحاصيل بعناية بناءً على المجهود والتكلفة، فمثلاً، رغم أن التين الشوكى يُنتج بكميات أقل من الموالح، إلا أنه يتطلب مجهودًا أكبر. لذلك، يُفضل التركيز على تصدير الموالح لتحقيق عائد أكبر ومنفعة أوسع مقارنة بمحاصيل أخرى.

كيف يتم تدريب المزارعين والمصدرين على نظام التكويد؟
يتضمن الحجر الزراعى إدارة خاصة بخدمة المصدرين، تعمل على تقديم الإرشادات اللازمة لصاحب المزرعة، وفور تقديم طلب لتأهيل مزرعته، يتم إرشاده ومتابعته بشكل دوري، مع تزويده بكتيب إرشادات شامل، كما تقوم اللجان المختصة بتدوين ملاحظاتها خلال المتابعة، لضمان إنتاج محصول مطابق للمواصفات المطلوبة من الدول المستوردة، وحتى فى حال عدم تصدير المحصول، يمكن لصاحب المزرعة بيعه محليًّا بسعر مرضٍ نظرًا لجودته العالية.
اذكر لنا أهم الدول التى تستورد منتجاتنا الزراعية حالياً.. وهل هناك خطة لتوسعة الأسواق العالمية؟
أهم الدول المستوردة للصادرات الزراعية المصرية السعودية التى تستورد 800 ألف طن بنسبة 10 فى المائة، ثم روسيا 700 ألف طن بنسبة 9.5 فى المائة، الإمارات 600 ألف طن بنسبة 7.5 فى المائة، تليها هولندا بـ 450 ألف طن بنسبة 6 فى المائة، ثم السودان والصين بحوالى 350 ألف طن، كما تستورد إسبانيا وإيطاليا وإنجلترا متوسط 270 ألف طن..
أما بالنسبة للأسواق الجديدة، فقد تم فتح 96 سوقًا لمنتجات مصرية مختلفة، أى ما يعادل 96 محصولًا جديدًا.. وعلى مستوى العالم، هناك 220 دولة، وتم فتح أسواق لهذه الأصناف المصرية، مثل فتح سوق التمور والرمان والمانجو والبرتقال فى الصين.. وتتطلب هذه المفاوضات فترة قد تتجاوز السنوات، إذ يمكن أن تستغرق بعض الدول مثل اليابان 9 سنوات لفتح سوق الموالح، فيما وصلت مفاوضات التصدير مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى 14 عامًا لتصدير الموالح والمانجو والفاصوليا..
والآن، نحن فى مراحل تفاوض مع العديد من الدول لفتح أسواق جديدة لمنتجات مصرية متنوعة، على سبيل المثال، هناك مفاوضات مع دولة المكسيك لتصدير الكراث وشتلات الفراولة والثوم، ومع بنما على الموالح، ومع باراجواى على البصل، ومع الإكوادور على الموالح والعنب والبصل والتمر، ومع الأرجنتين على العنب والبطاطس، ومع البرازيل على التمور والرمان، ومع شيلى على الموالح وشتلات الفراولة. كذلك هناك تفاوض مع كولومبيا على الموالح والبطاطس والعنب، ومع فنزويلا على الموالح..
أما فى الأسواق الآسيوية، فنتفاوض مع تايلاند على الموالح والعنب، ومع اليابان على العنب والرمان، ومع الصين على المانجو والفلفل، ومع نيوزيلندا على العنب والمانجو، ومع كوريا الجنوبية على البطاطس، والفلبين على العنب والبطاطس والبصل، ومع تايوان على الموالح، ومع باكستان على الموالح، وفيتنام على العنب والرمان والبلح، والهند على الرمان، وكازاخستان على شتلات العنب والرمان..
بينما فى المنطقة العربية، نتفاوض مع المملكة المغربية لتصدير الجوجوبا، ومع تونس على الموالح والمانجو، ومع لبنان على الموالح والعنب.. وفى الأسواق الإفريقية، هناك تفاوض مع جمهورية جنوب إفريقيا على الرمان والبطاطا، ومع دولة زامبيا على شتلات الفراولة.
لماذا تصل المفاوضات إلى أعوام كثيرة؟
نظرًا لأن عدد الخبراء المتخصصين فى مخاطر الآفات على مستوى العالم قليل جداًّ، ففى مصر لدينا خبراء موجودون، ولكن فتح الأسواق يتطلب المزيد من الفنيين والخبراء، وهم قلة على الصعيد الدولي.
ما دور الحجر الزراعى فى الحفاظ على جودة المنتجات المستوردة؟.. وهل تم رفض منتجات لعدم استيفائها الشروط؟
بالتأكيد، يتم وضع إجراءات وضوابط وشروط دقيقة للمنتجات المستوردة.. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالقطن، يضع الحجر الزراعى المصرى إجراءات صارمة، والتى قد تراها بعض الدول متشددة، ولكننا نتبعها للحفاظ على هذه الثروة، لأن مصر تمتلك أفضل قطن فى العالم..
ويتم وضع هذه الاشتراطات لحماية القطن المصرى من الخلط والآفات، ولضمان الحفاظ على جودته..
أما بالنسبة للمحاصيل التى نحتاج إلى استيرادها، فعلى سبيل المثال، محصول الذرة والكاجو والبن، فإن الأولوية تكون للذرة على الكاجو والبن، حيث يعتبر البن من السلع الاستفزازية ولا تُعطى الأولوية فى التفاوض عليها، فتوجد أسواق تتيح المستوردين التعامل، لكن الدولة تعطى أولوية للمحاصيل الضرورية.
ما الخطط المستقبلية لتحسين الحجر الزراعي؟
نحن نعمل على التعاقد مع الدفعتين المتبقيتين، بالإضافة إلى تشغيل المعامل المركزية التى تم استخدامها فى الموانئ، وهذه المعامل تسهم فى تسريع عملية الإفراج عن البضائع فى الموانئ وتقليص زمن الإفراج الجمركي، كما ترفع كفاءة المفتشين من خلال تعريفهم بالمستجدات العالمية، وننظم دورات تدريبية، يتم خلالها استدعاء خبراء لتدريب المهندسين على الفنيات الحديثة..
وبالفعل قمنا بالتعاون مع جامعة القاهرة لإنشاء برنامج ماجستير مهنى متخصص فى الحجر الزراعي، مما يتيح للدارسين الحصول على هذه الدرجة العلمية فى هذا المجال.
وأخيراً.. هل هناك أسواق جديدة تسعى مصر للدخول إليها فى المستقبل القريب؟. وما اشتراطات الدول المستوردة؟
نحن حاليًّا نعمل على فتح 28 سوقًا جديدة لـ 12 منتجًا جديدًا، ومن المتوقع أن نعمل على 4 محاصيل كل ربع سنة، بما يعادل 12 محصولًا فى العام..
وفى التساؤل الآخر، فإن لكل دولة مواصفات معينة، ونقوم بعمل زيارات متبادلة مع الدول التى نرغب فى فتح أسواق بها.. وعلى سبيل المثال، تطلب دولة الأردن أن تكون المانجو معالجة ببخار الماء الساخن، وهذا الشرط ليس معمولًا به فى جميع الدول، ولكنه معتمد من قبل الأردن..
بينما تشترط دولة لبنان، متابعة الأرض لمدة عام قبل تصدير المانجو، ونحن نلتزم بهذه الاشتراطات لضمان جودة المنتج المصري.. كذلك دول الاتحاد الأوروبى أيضًا لديها اشتراطات وإجراءات محددة نقوم بتنفيذها، وهناك دول أخرى ليس لديها اشتراطات.