الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

الأهلى.. و«المصور» علاقة حب واحترام.. منذ ٩٠ سنة

  • 7-6-2017 | 14:04

طباعة

بقلم – د. ياسر أيوب

تلقيت دعوة كريمة من الصديق والزميل أحمد أيوب رئيس تحرير مجلة «المصور» بالكتابة فى المجلة عن حكايتها ومشوارها مع النادى الأهلى.. دعوة لم يكن من الممكن رفضها لاعتبارات الصداقة والزمالة أولا واحترامى الحقيقى والدائم لهذه المجلة العريقة.. كما أننى رأيتها أيضا فرصة استثنائية ورائعة للتعبير عن الامتنان العميق لمجلة «المصور» وشكرها ورد اعتبارها لما قدمته للرياضة المصرية وللنادى الأهلى طيلة تسعين سنة.. فكثيرون جدا من جماهير ومتابعى الرياضة المصرية اليوم.. ومن أبناء وعشاق الأهلى أيضا.. لا يعرفون أو لم يسمح لهم ويساعدهم أحد حتى يعرفوا أن مجلة «المصور» كانت أول مجلة مصرية تخصص بابا دائما للرياضة كل أسبوع.. وكانت أيضا أول مجلة فى تاريخ مصر تقوم بتكريم لاعب كرة وتضع صورته فوق غلافها.. وكل ذلك كان منذ تسعين سنة بالضبط.

ففى اليوم الرابع من شهر نوفمبر عام ١٩٢٧.. صدر عدد جديد من مجلة «المصور» يتضمن بابا جديدا للألعاب الرياضية.. وافتتحت المجلة هذا الباب برسالة نشرتها لقرائها قالت فيها.. لما كانت الالعاب الرياضية فى مقدمة ما تهتم به الصحافة الراقية وتعمل على تنشيطه فقد رأينا تحقيقا لرغبة قرائنا أن تفرد المصور بابا خاصا يكون كالمرآة تتجلى فيه الحركة الرياضية بمصر والخارج وقد عهدنا بهذا الباب إلى مندوب خبير له بهذا الموضوع أتم إلمام.. واختتمت مجلة المصور رسالتها برجاء قالت فيه.. نرجو من الأندية والمقامات الرياضية أن تعيننا فى مهمتنا هذه وأن توالينا بالصور الهامة المتعلقة بما يجرى من المباريات والحوادث فى عالم الرياضة.. ولم تكن قيمة هذه الخطوة فى أنها تعكس اهتمام مجلة المصور بالرياضة فقط.. إنما كانت المرة الأولى فى مصر التى تقرر فيها أى مجلة والصحافة الأسبوعية بشكل عام أن تخصص مكانا دائما ومساحة لائقة للرياضة فى الصحافة المصرية.. فمصر التى فى عام ١٩٢٧ كانت قد شاركت فى ثلاث دورات أوليمبية وامتلكت أندية كبيرة قادرة على اللعب والانتصار ونظمت بطولاتها وأسست اتحادها لكرة القدم، وأصبحت أحد أعضاء الفيفا وبدأت تؤسس بقية اتحاداتها الرياضية.. حتى ذلك الوقت لم تكن قد امتلكت بعد صحافة رياضية بالمعنى الواضح والضرورى أيضا باستثناء جريدة الأهرام التى بدأت بابها الرياضى اليوم عام ١٩٢٢.. ثم كان الباب الرياضى الأسبوعى فى مجلة «المصور» هو الباب الثانى فى تاريخ الرياضة والصحافة فى مصر.. ولم يكن هذا الباب الرياضى الجديد فى مجلة المصور مجرد صفحات تفيض بكتابة روتينية إنما كان بمثابة ثورة فى الإعلام الرياضى المصرى بدون أى مبالغة.. وبعد أسابيع قليلة من بداية هذا الباب الأسبوعى الرياضى.. قررت مجلة المصور نشر مذكرات خاصة عن كل ما جرى لبعثة مصر الكروية أثناء مشاركتها فى دورة باريس الأوليمبية.. لم تنشر المجلة مطلقا لصاحب المذكرات ومن هو لكن كان من الواضح أنه كان أحد أعضاء البعثة الكروية نفسها وعايش وشهد كل التفاصيل والحكايات الخاصة بها.. وكانت هذه المذكرات هى أول انتصار صحفى رياضى لمجلة المصور ودامت وتوالت بعده انتصارات هذه المجلة الرصينة بقضاياها وتحقيقاتها وملفاتها الرياضية التى لا أول لها أو آخر.

وقد كانت مجلة المصور هى الشاهدة على أول انتصار كروى رسمى لمصر.. ففى دورة باريس الأوليمبية عام ١٩٢٤.. فازت مصر على المجر بثلاثة أهداف نظيفة.. وتستحق هذه المباراة التوقف أمامها كثيرا وطويلا باعتبارها أول انتصار تحققه كرة القدم المصرية فى تاريخها.. أول فوز كروى رسمى وأوليمبى لمنتخب مصر.. فهذا المنتخب منذ تأسيسه عام ١٩٢٠ للمشاركة فى الدورة الاوليمبية السابقة فى أنتيويرب ببلجيكا.. ولعب فى تلك الدورة مباراة واحدة خسرها أمام إيطاليا.. ولم يلعب المنتخب المصرى بعدها أى مباريات رسمية رغم كثرة مبارياته الودية لتصبح مباراته مع المجر فى دورة باريس الأوليمبية هى مباراته الرسمية الثانية.. ولهذا أعود الآن إلى مجلة المصور وأعيد ما قالته المجلة عن هذا الانتصار ووصفها له.. فقد قالت المصور أن الفريق المصرى نزل إلى الميدان ولا أمل له فى النصر.. وكانت مباراة حامية أبلى فيها المصريون بلاء حسنا وانتهت بفوز القطر المصرى بثلاثة أشواط للاشىء.. أحرز الشوط الأول إبراهيم يكن إثر غزوة فى القسم الأول.. وقد لعب الحظ دورا هاما.. فقد كان هجوم المجريين متواليا.. ومست الكرة يد عبد السلام حمدى فاحتسبت لكن الضربة أصابت عامود الهدف وارتدت إلى الناحية الأخرى خارجة.. وحدثت ضربة أخرى كانت قاب قوسين أو أدنى من عامود المرمى فارتمى عليها كامل طه وأبعدها بأطراف أصابعه.. وفى القسم الثانى أحرز حجازى الشوط الثانى إثر ضربة موفقة سريعة بالقرب من منطقة الجزاء دارت فيها الكرة فى الهواء واصطدمت بيد حارس المرمى فأزاحتها ودخلت المرمى.. وأحرز الشوط الثالث السيد حودة إثر ضربة رأس.. وبدأ مراسل مجلة المصور يشرح الظروف ويحكى عن تفاصيل ما قبل اللعب وبعده.. ويؤكد أنه لم يكن لمصر أمل فى النصر لسببين.. أولهما ضعف خط الهجوم لعدم تجانسه نظرا لمرض معظم أفراد البعثة.. فقد كان مرعى ورزق والسيد أباظة ومحمود مختار وأحمد منصور وحجازى مصابين بإصابات مختلفة.. وقد أحس حجازى بعد بدء المباراة بقليل من الألم يعاوده فى ساقه مما عاقه كثيرا عن الحركة.. أما السبب الثانى فهو قوة الفريق المجرى الذين كانوا يتكهنون له بالفوز فى نهائى الألعاب الأوليمبية.. لذلك اختار حجازى الفريق واليأس يمتلكه واضطر هو نفسه للعب رغم مرضه.. وكانت عجيبة أن تنتصر مصر بفريقها الناقص.. لكن الفوز دائما حليف القلوب المتآلفة.. والرابطة القوية.. وهكذا كان الفريق المصرى ولذلك انتصر.. وكان لتشجيع المصريين الذين انتشروا فى جميع أركان الملعب أكبر الأثر فى هذا النصر

وواصل مراسل مجلة «المصور» وصف ما جرى بعد انتهاء المباراة.. فقط كتبت جرائد العالم كثيرا عن هذا النصر واهتزت أسلاك التليجراف.. ونشرت صور الفريق المصرى فى جرائد عدة تصدر بمختلف اللغات مع الإعجاب بمهارة المصريين وفوزهم.. وكان هناك نقاد وجهوا سهامهم فاتهموا الفريق المصرى بأنه لا يعرف شيئا عن الألعاب الفنية لكرة القدم ولم ينفعه فى هذه المباراة سوى سرعة أفراده.. إنما ومع كل ذلك فقد ذكرت مصر بكل فخر وبدأت ممالك العالم تخطب ودها وتطلب إقامة بعض المباريات معها.. وهكذا النصر يبتسم له الدهر ويحترمه الجميع.

كان هذا هو ما قامت به مجلة «المصور» وما قدمته للرياضة المصرية وبدأته منذ تسعين سنة.. أما الأهلى فله أيضا حكاية طويلة وقديمة مع مجلة «المصور» وأيضا منذ تسعين سنة.. وقتها كان فكرى باشا أباظة هو رئيس تحرير مجلة «المصور».. وكان أيضا أحد قادة الأهلى وعشاقه الكبار.. كان صحفيا وكاتبا ومفكرا قويا ومبدعا ومجددا ومغامرا أيضا.. ولهذا كان أول من امتلك الجرأة والشجاعة فى تاريخ الصحافة المصرية على أن يضع صورة لاعب كرة على غلاف مجلة سياسية واجتماعية بقيمة ومكانة مجلة المصور.. كان عدد المجلة الصادر فى الثانى من ديسمبر عام ١٩٢٧.. أما النجم فكان لاعب الأهلى الكبير والعظيم حسين حجازى.. ولم يكن فكرى باشا أباظة وهو يقرر كرئيس لتحرير المصور اختيار صورة حسين حجازى على غلاف المجلة يتخيل أن هذا الغلاف سيصبح بداية لفترة حاسمة وفاصلة وغاضبة فى حياة حسين حجازى.. فترة بدأت بالتأكيد على الحب والامتنان والتكريم واحتفال النادى الأهلى بتكريم حسين حجازى بعد خمسة وعشرين سنة قضاها النجم الكبير فى ملاعب الكرة.. وانتهت بالشقاق والانفصال ورحيل حسين حجازى عن الأهلى بعد أشهر قليلة من حفلة التكريم

ولابد من التوقف أولا أمام غلاف مجلة المصور الذى كان المرة الأولى فى تاريخ الصحافة المصرية.. والمرة الأولى فى تاريخ الكرة المصرية أيضا.. التى يحتل فيها نجم كرة غلاف مجلة مصرية.. ولم تكتف مجلة المصور بهذا الغلاف الذى كان عبارة عن صورة كبيرة للنجم الكبير ومعها صورة صغيرة داخل دائرة أيضا لحسين حجازى فى شبابه.. وإنما تحت الصورة كتبت المجلة العنوان التالى.. تكريم حسين بك حجازى ـ ٢٥ سنة جهاد وتفوق فى الرياضة.. وأسفل هذا العنوان على الغلاف أيضا.. كتبت مجلة المصور خمسة أسطر قالت فيها.. المشهورعن الشرقى أنه قليل الجلد.. يندفع فى بادئ عمله بحماس يكاد يحسد عليه.. ثم لا يلبث أن تخمد منه تلك الروح المتأججة فيعتريه الملل فيعود إلى الحياة الهادئة وطمأنينتها.. وأن حسين حجازى أول من يتقدم فيضرب لنا المثل الشاهد بأنه أعظم رياضى أنجبته مصر إذ استمر مجاهدا فذا فى رياضته ٢٥ عاما ثابتا على مبادئه قوى العزيمة صادق الإيمان.. نحن لا نعظم فيه النبوغ فى اللعب فحسب بل وفى أخلاقه ورياضته العالية.. ونرجو أن يكون مثلا صالحا يسير على منواله شبابنا الناهض.. والصورة الكبيرة تمثله فى عهده الحالى وعمره ٣٩ عاما.. والصورة الثانية تمثله وهو فى إبان جهاده وطليعة سعده أيام مغادرته وطنه إلى لندن لتلقى علومه فى كمبريدج وهو يبلغ من العمر ٢١ عاما.

وفى نفس العدد نشرت مجلة «المصور» تفاصيل احتفال الأهلى بنجمه الكبير.. ففى الساعة الثالثة والربع عصرا ستبدأ مباراة كرة القدم بين منتخب مدارس القاهرة العليا ومنتخب مدارسها الثانوية.. ثم فى السادسة مساء حفلة الملاكمة الدورية لنيل درع وستكون هناك ملاكمة شيقة بين البطلين على صادق وصلاح الدين.. وتناول الطعام فى الثامنة وبعد ذلك كل الكلمات المناسبة للمقام من خطباء الحفلة معددين مناقب المحتفل به شارحين تاريخ حياته الرياضية ومواقفه التى أفاد الرياضة بها وفضله عليها.. ثم بعد ذلك حفلة طرب حتى الصباح يشترك فيها بلبل مصر الأوحد صالح أفندى عبد الحى وحضرة إبراهيم أفندى عثمان الرياضى المعروف ومواقفه فى الغناء لا تحتاج إلى تدليل.

ومثلما بدأت ودامت حكاية مجلة المصور مع الصحافة الرياضية المصرية بهذا الباب الأسبوعى القوى والجميل منذ تسعين سنة.. بدأت أيضا ودامت حكاية المجلة العريقة مع النادى الأهلى بهذا الغلاف والنجم الكبير حسين حجازى لتستمر بعد ذلك حكاية مجلة المصور مع النادى الأهلى.. تاريخ طويل من الحكايات والحوارات والأخبار والتقارير والصور.. والأغلفة أيضا.. فمجلة المصور منذ تسعين سنة رافقت الأهلى فى مشواره الطويل الحافل بالفرحة والانتصار.. وتحتاج تفاصيل مجلة المصور وعلاقتها بالنادى الأهلى لعشرات الصفحات ولن تكفى أيضا.. لكننى اكتفيت بالبداية تدليلا على الدور الذى قامت به المجلة العريقة والرصينة سواء للرياضة المصرية أو للنادى الأهلى ونجومه ومسئوليه وجماهيره طيلة التسعين سنة الماضية.

    الاكثر قراءة