الأربعاء 27 نوفمبر 2024

تكشف عنه أحاديثه: برنامج انتخابى للرئيس فى انتخابات الربيع القادم

  • 10-8-2017 | 17:41

طباعة

إذا كانت المهمة الأولى والأهم للرئيس السيسى خلال الفترة الرئاسية الأولى له هى «تثبيت الدولة» فى مواجهة محاولات هدمها وتقويص كيانها، فإن المهمة الأولى والأهم له خلال الفترة الرئاسية الثانية له ستكون فى الأغلب تحقيق إنجاز فى إعادة بناء الدولة العصرية الحديثة، وذلك بعد أن أنجزنا الكثير فى مهمة تثبيت الدولة، عندما تمت تقوية قواتنا المسلحة، التى تقدمت فى الترتيب العالمى للجيوش لتصير العاشرة عالميا، وعندما أيضًا أنقذنا اقتصادنا من الانهيار، الذى كان يتربص به، وعندما كذلك بدأت الدولة تستعيد قدرا لا بأس به من هيبتها بفرض القانون، وبدا ذلك بوضوح فى استعادة أراضى الدولة المستولى عليها خلال السنوات التى خلت.

وليس مستساغا أن يخرج علينا أحد ليقول: إن مثل هذا الكلام سابق لأوانه لأن الرئيس السيسى لم يعلن صراحة بأنه سوف يترشح لفترة رئاسية ثانية، لأن كل المؤشرات تشى بأن الرئيس السيسى سوف يستجيب لطلب قطاعات واسعة من المصريين، بدأت بالفعل وتدعوه الآن للمشاركة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، التى ستجرى فى الربيع القادم، ولم يعد يفصلنا عن موعدها سوى بضعة أشهر قليلة، ولذلك بدأت بعض الشخصيات تلمح إلى إمكانية مشاركتها فى هذه الانتخابات الرئاسية كمرشحين منافسين للرئيس السيسى.

وهكذا سيكون الرئيس السيسى بعد أن يعلن عن عزمه للترشح فى الانتخابات الرئاسية المقبلة لفترة رئاسية ثانية يتيحها له الدستور، مطالبا من الناخبين بعرض رؤاه وأفكاره وبرنامجه للفترة الرئاسية الجديدة، بعد بالطبع استعراض ما أنجزه خلال فترته الرئاسية الأولى، وهو ما وعد الرئيس السيسى أن يقوم به فى أوائل العام المقبل.. وليس صعبا استنتاج أن الرئيس السيسى سوف يضع مهمته الأولى والأهم فى الفترة الرئاسية الثانية له هو بناء الدولة العصرية الحديثة.. فهذا أمر يمكن استنتاجه من الجهد الذى أولاه من أعمال خلال فترته الرئاسية الأولى، وأيضا من بعض تصريحاته أو أحاديثه الموجهة لعموم المصريين، التى أشار فيها إلى أن حربنا ضد الإرهاب ومؤمرات تقويص كيان الدولة يجب ألا يشغلنا عن المضى فى طريق البناء.

وهذه المهمة «بناء الدولة العصرية الحديثة» تحتاج لجهد كبير وضخم، وتحتاج لخطة وعمل ممنهج وبرامج زمنية محددة.. غير أننا يمكننا أن نضع أيدينا على ملامح هذا الجهد وخطوط هذه الخطة وخطوات هذه البرامج الزمنية من خلال دستورنا.. فهذا الدستور تضمن ما يرشدنا لإنجاز مهمة بناء دولة عصرية حديثة، فهو أسهب فى تفاصيل كثيرة وعديدة ولم يكتف فقط بالمبادئ والأسس العامة على غرار الأغلب الأعم عن دساتير الدول، لدرجة أنه حدد نسب الإنفاق فى الموازنة العامة على الصحة والتعليم.. وحتى إذا كان للبعض ملاحظات على هذا الدستور فيما يتعلق بالمواد الخاصة عن الرئيس وصلاحياته هو والحكومة، فإن أغلبنا يتفق على مواد باب الحقوق بلا ملاحظات.

ولعل أول ما يرشدنا إليه المنطق والعقل والخبرة، قبل الدستور أن الدولة العصرية الحديثة، لابد أن تكون دولة الاقتصاد القوى، الذى يحقق نموا مستداما لا يتوقف ويوفر الاحتياجات الأساسية للمواطنين من السلع والخدمات المختلفة، ويسهم فى الارتقاء بمستوى معيشتهم ويحد مما يعانونه من مشاكل، خاصة مشاكل البطالة والتضخم.. وهذه المهمة تحديدا ستكون متصلة بما تم القيام به خلال الفترة الرئاسية الأولى للرئيس السيسى.. فلكى نظفر باقتصاد قوى ومتين، كما نأمل سيكون من خلال البناء على ما تم القيام به من أعمال وإجراءات سواء لإصلاح أوجاع وخلل الاقتصاد المصرى.. لكنه فى ذات الوقت فإن هذا الأمر يحتاج لتوسيع دائرة المشاركة فى بناء هذا الاقتصاد القومى الذى ننشده .. أولا المشاركة فى طرح الأفكار والمقترحات مع الاستعداد للبحث الجاد من قبل من يدبرون شئون اقتصادنا لهذه الاقتراحات والأفكار .. فلا أحد يحتكر وحده الصواب والعلاج الناجع، وثمة حالات عديدة لمرض اقتضى الأمر تكوين كونسلتو لفحصهم والتشاور بين عدد من الأطباء مختلفى التخصص لتحديد أفضل علاج وتقليل الآثار الجانبية للعلاج.. وثمة مقولة شهيرة لاقتصادى عالمى تقول: إذا سألت ثلاثة اقتصاديين سؤالا سوف تحصل على أربع إجابات مختلفة، وذلك إشارة إلى تنوع الرؤى والأفكار والمقترحات..

وإذا كان التنوع فى الرؤى والمقترحات مفيدًا لنا فى مهمة بناء اقتصاد قوى لبلدنا، فإن التنوع فى البشر مفيد لنا فى الارتقاء بمجتمعنا والنهوض به.. للاستفادة من هذا التنوع فى مجتمعنا يرشدنا دستورنا إلى مبدأ مهم وقيمة اجتماعية أساسية هو مبدأ وقيمة المواطنة.. أى المساواة بين جميع المواطنين رغم اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم المتنوعة ..أى أن مبدأ المواطنة لا يعنى المساواة بين مختلفى الأديان فقط، أى بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، وإنما هو يشمل أيضا المساواة بين الرجال والنساء وبين أهل المدن وأهل الريف، وأهل الصعيد وأهل وجه بحرى، وبين الأغنياء والفقراء وأصحاب الدخول المتوسطة، وبين المختلفين سياسيا وفكريا وأيديولوجيا، وأيضا بين الأصحاء وذوى الاحتياجات الخاصة.

ولا ينكر أحد سوى أعمى أننا أنجزنا الكثير فى طريق إرساء دولة المواطنة - أى الدولة التى تعامل الناس كمواطنين وليس كرعايا، متساوين فى الحقوق والواجبات خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين، ولكن لا نستطيع إغفال أننا نحتاج لإنجاز الأكثر حتى نحقق دولة المواطنة الكاملة ونتخلص من كل مظاهر للتمييز مازلنا نعانى منها ليس فقط بين المسلمين والمسيحيين، وإنما بين الرجال والنساء، وبين الأصحاء وذوى الاحتياجات الخاصة، وبين أهل المدن وأهل الريف والصعيد والأطراف، حتى نحقق عمليا المادة (٥٣) من الدستور، التى تقول: إن المواطنين لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى .. وبالتالى نحقق مجموعة أخرى من مواد الدستور مثل المادة (٩) التى تلزم الدولة بتكافؤ الفرص، والمادة (١١) التى تحقق المساواة بين الرجل والمرأة فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة (١٦) التى تدعو أن تكون مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز من أهداف التعليم والمادة (٦٠) التى تحظر الاتجار بأعضاء الإنسان أو إجراء عملية طبية له بدون رضاه الحر والمادة (٦٣) التى تحظر التهجير القسرى، والمادة (٨٠) التى تحظر عمل الأطفال.

ويرتبط بالمواطنة العدالة الاجتماعية وهى ركن أساسى ومهم أيضًا للدولة العصرية الحديثة وتكمل ركن المواطنة والمساواة .. وتزداد حاجتنا للعدالة الاجتماعية فى ظل انتهاج الإدارة المصرية سياسة الإصلاح الاقتصادى التى ترتب أعباء على المواطنين، الأمر الذى يقتضى توزيع هذه الأعباء بعدالة عليهم، بحيث يتحمل الأقدر والأغنى الأعباء الأكبر والأكثر ويتحمل الأقل قدرة الأعباء الأقل، ونعفى غير القادرين من هذه الأعباء، أو نعوضهم عن تلك الأعباء، التى لا نقدر على إعفائهم من تحملهم والناجمة عن ارتفاع الأسعار ومعدل التضخم، الذى تجاوز ٪٣٠ سنويا الآن.. وهكذا إذا كانت ثمة ضرورة للعمل بجد واجتهاد لإرساء دعائم العدالة الاجتماعية فى البلاد للتخلص من مظاهر عديدة ومتنوعة للظلم الاجتماعى، أبرزها الظلم الواقع على سكان القرى خاصة قرى الصعيد والأطراف، والظلم الذى تعانى منه الفئات والطبقات غير القادرة ، فإن سعينا لإصلاح أوضاع اقتصادنا نضيف سببا آخر لتبنى الدولة مفهوم العدالة الاجتماعية والسعى لتحقيقه عمليا.

ومثلما يرشدنا الدستور لسبيل تحقيق المواطنة فإنه يرشدنا لسبيل تحقيق العدالة الاجتماعية.. فالمادة (٨) تلتزم فيها الدولة بتوفير سبل التكافل الاجتماعى بما يضمن الحياة الكريمة للمواطنين.. والمادة (١١) تلزمها بالحفاظ على حقوق العمال وحمايتهم من مخاطر العمل وفصلهم تعسفيا.. والمادة (١٨) تقضى بضرورة وجود نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض لأن لكل مواطن الحق فى الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة.. والمادة (٢٩) تقضى بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى للفلاح وشراء المحاصيل الزراعية منه بسعر مناسب.. والمادة (٨٠) تلزم الدولة بضمان حقوق ذوى الإعاقة والأقزام صحيا واقتصاديا وثقافيا ورياضيا وتعليميا. .والمادة (٨٣) تلزمها أيضا بضمان حقوق المسنين صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة.. والمادة (٨٩) تحظر كل صور العبودية والاسترقاق والقهر والاستغلال القسرى للإنسان وتجارة الجنس.. والمادة (٢٣٦) تكفل فيها الدولة وضع وتنفيذ خطة التنمية الاقتصادية والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة .

ويتبقى بعد ذلك إحدى الدعائم الأساسية والمهمة للدولة العصرية الحديثة وهو الخاص بإنجاز عملية التحول الديمقراطى، الذى كان أحد المطالب الأساسية فى ٢٥ يناير ٢٠١١ وصار مطلبا أكثر إلحاحا بعد أن تمكن الإخوان من حكم البلاد وفرضوا علينا حكما فاشيا مستبدا، وكانوا يسعون لوأد حرية الصحافة والإعلام، وخنق الأحزاب السياسية، وفرض التبعية على القضاء، مع تغيير الملامح الأساسية لهوية الوطنية المصرية، حتى يبقوا فى الحكم إلى أمد طويل، أو كما قال أحد قادتهم لنحو ٥٠٠ عام على الأقل!

وأيضا هنا يتضمن الدستور السمات الأساسية والضرورية لإنجاز هذا التحول الديمقراطى .. فالمادة (٥) نقول بأن النظام السياسى للبلاد يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة والفصل بين السلطات والتوازن بينها وتلازم المسئولية مع السلطة واحترام حقوق الإنسان وحريته .. بينما تؤكد المادة (٥١) أن الكرامة حق لكل إنسان ولا يجوز المساس بها وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها.. وتؤكد المادة (٧٢) على إلغاء العقوبات السالبة للحريات على النشر .. وتقضى المادة (٧٥) بحق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية .. وتقضى المادة (٩٩) بأن الاعتداء على الحرية الشخصية وحرية الحياة الخاصة للمواطنين لا تسقط بالتقادم وتؤكد المادة (١٨٥) أن كل جهة أو هيئة قضائية تقوم على شئونها ويكون لكل منها موازنة مستقلة وتمنح المادة (١٩٢) المحكمة الدستورية الرقابة على دستورية كل القوانين واللوائح وتفسير النصوص التشريعية .. وتقضى المادة (١٩٩) باستقلال الخبراء القضائيين وخبراء الطب الشرعى، مثلما تقضى المادة (١٩٤) بأن قضاة وأعضاء هيئة المفوضية مستقلون وغير قابلين للعزل.

وبالطبع كل هذه المواد التى تضمنها الدستور وإن كانت تتضمن المؤشرات الضرورية واللازمة لملامح ومقتضيات عملية التحول الديمقراطى، فإنها تحتاج أن تترجم إلى خطوات واضحة ومحددة فى إطار خطة زمنية، مثلها كمؤشرات العدالة الاجتماعية والمواطنة وبناء اقتصاد قوى وهى ركائز أساسية للدولة العصرية الحديثة.. فهذه الدولة تقوم على المواطنة والمساواة .. وهى دولة العدل الاجتماعى والديمقراطية حقوق الإنسان .. وهى أيضا دولة لابد أن يكون لها اقتصاد قوى وجيش شديد القوة لحماية أمنها القومى، خاصة أننا نسعى لبناء هذه الدولة وهناك من يحاول إحباط ما نقوم به بل ويسعى لتقويض كيان دولتنا الوطنية وسلبنا هويتنا الوطنية .. أى أننا نسبح ضد التيار.. والتوقف يعنى التراجع .. وهذا يعزز من أهمية أن نمضى قدما فى بناء دولتنا العصرية الحديثة ولا نتكاسل أو نتخاذل أو حتى ننشغل فقط بصد ما تتعرض له من مؤامرات لإحباطها.

وأعتقد أن الرئيس السيسى يدرك ذلك بوضوح ويعيه وتحدث عنه أكثر من مرة.. ولذلك سوف يمضى فى فترته الرئاسية الثانية فى بناء الدولة العصرية الحديثة، التى ننشدها ونتطلع إليها بعد أن أنفقنا الكثير من الجهد والعمل فى تثبيت الدولة وحمايتها من التقويض .. وترجمة هذه المهمة ذات الأولية بناء الدولة العصرية إلى خطط زمنية يصلح لأن يصوغ منه الرئيس السيسى برنامجه الانتخابى فى الانتخابات الرئاسية، التى سوف تجرى فى الربيع القادم.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة