الأحد 29 سبتمبر 2024

شوارع المحروسة| «المقريزي بالزمالك».. صاحب رؤية تحليلية للأحداث التاريخية

شارع المقريزي

ثقافة29-9-2024 | 02:31

أحمد البيطار

لكل شارع من شوارع مصر المحروسة حكاية وتاريخ وشخصيات بارزة في التاريخ المصري لها دور مؤثر في مجالها، وهو ما دفع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري إلى إطلاق مشروع للتعريف بتاريخ الشخصيات المؤثرة التي أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع ومن ضمن هذه الأسماء المؤرخ تقى الدين المقريزى الذي يحمل أحد شوارع منطقة الزمالك بالقاهرة أسمه.

هو تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد، اشتهر جده بالمقريزي، واشتهر والده بابن المقريزي، وقد لقب بالمقريزي نسبة إلى حارة "المقارزة" بمدينة بعلبك، وقد نزحت أسرته من بعلبك إلى مصر طلبًا للحياة الكريمة، وتولى والده القضاء بمصر.

ولد المقريزي في حارة برجوان بالقاهرة عام 1364م، ونشأ نشأة علمية دينية حسنة، وقد أظهر المقريزي منذ سنواته الأولى شغفًا نحو العلم، وكانت لأسرته عظيم الأثر في ذلك، فقد كفل تعليمه جده لأمه وهو "ابن الصائغ الحنفي، الذي قام بتعليمه وتحفيظه القرآن الكريم وتدريسه أصول المذهب الحنفي، فلما بدت عليه علامة النجابة والذكاء أرسله إلى كبار شيوخ عصره فأخذ عنهم العلوم المختلفة؛ كالفقه والحديث واللغة والقراءات والنحو والأدب والتاريخ.

ومن شيوخه الذين أخذ منهم: الشيخ برهان الدين الآمدي، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، والحافظ زين الدين العراقي، وابن حجر الهيثمي، وابن دقماق، والنجم بن رزين، وابن أبي الشيخة.

وكان من أشهر من أخذ عنهم المقريزي علامة عصره “عبد الرحمن بن خلدون” (توفي 1405م)، وقد تأثر المقريزي بآراء ابن خلدون، ووصفه بأنه أستاذه، وكرر ذلك كثيرًا في كتابيه "الخطط المقريزية" و"السلوك"، ويتضح هذا التأثير في كتابات مؤرخنا التي تعلو فيها النغمة الاقتصادية والاجتماعية، كما تتجلى فيها الرؤية التحليلية الناقدة للأحداث التاريخية.

أصبح المقريزي علمًا من أعلام عصره بعد أن جمع من الفنون والعلوم الكثير، فقصده طلبة العلم من كل الأنحاء، وتتلمذ على يديه الكثير من كبار العلماء والمؤرخين.

تولى المقريزي الكثير من الوظائف التي كانت لها دور في صقل الجانب المعرفي لديه واغنائه، بما يخدم توجهه لكتابة التاريخ، وتوظيف هذه الخبرات والمعارف في ذلك انعكاس دراسته النظرية والخبرة التي اكتسبها من وظائفه التي تقلدها. إذ تقلد العديد من الوظائف الديوانية، والخطابة بجامع عمرو وبمدرسة الناصر حسن، والإمامة بجامع الحاكم.

وقد سافر إلى دمشق بصحبة السلطان "الناصر فرج بن برقوق"، وأخذ يتردد عليها في فترة كانت مليئة بالفوضى السياسية، حتى عام 1412م، وتولى بها نظر وقف البيمارستان النوري، وتدريس دار الحديث الأشرفية، والمدرسة الإقبالية، وعرض عليه الناصر فرج أثناء وجوده بالشام قضاء الشافعية، لكنه رفض.

ثم عاد المقريزي إلى القاهرة بعد مكوثه في دمشق عشر سنوات، وآثر التفرغ للعلم والدرس حتى اشتهر ذكره وذاع صيته، بعد أن سئم الوظائف الحكومية، ولكن بعد ذلك ترك القاهرة إلى مكة لغرض الحج عام 1431م، ومكث هناك خمس سنوات، ظل فيها يدرس ويصنف الكتب، ثم رجع إلى القاهرة عام 1435م، وسكن في حارته، وهي حارة برجوان التي نشأ وترعرع فيها، وأضحت داره ندوة للعلم ومقصد الطلاب والعلماء، وقضى فيها بقية حياته.

كان المقريزي يتمتع بشخصية مرموقة بين سائر المؤرخين الإسلاميين المصريين من حيث دقته في الرواية ونشاطه الواسع وعمله الدءوب وسعة دائرة أبحاثه ودراساته واهتمامه الفائق بالجانب الاجتماعي والإحصائيات السكانية التاريخية.

وقد شملت مؤلفاته تاريخ مصر السياسي والحضاري منذ الفتح الإسلامي إلى عصر دولة المماليك البحرية والمماليك البرجية، وذلك في مؤلفات عدة، وهي البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب، وعقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط، واتعاظ الحنفا بإخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ويعرف بالخطط المقريزية.

توفي المقريزي عام  1442م، ودفن بمقبرة الصوفية (البيبرسية) خارج باب النصر من القاهرة.