الخميس 2 مايو 2024

إيليا أبو ماضي.. طلاسم الغربة

فن22-11-2020 | 19:32

كان الشاعر الراحل إيليا أبو ماضي من الشعراء المهجرين الذين تفرغوا للأدب والصحافة، ومن يقرأ قصائده الشعرية، سيُدرك على التو غلبة الجانب الإنساني على سائر أشعاره، والتي تعود جذورها إلى الطبيعة الخلابة التي كانت تحيطه من كل جانب في قريته اللبنانية التي نشأ فيها، والتي كانت تزخر بكل أشكال الجمال الأخضر والجداول المغردة للجمال، هناك تعلم حب الطبيعة وتعلق بمناجاتها؛ وكانت نشأته في ظروف فقيرة وقاسية جعلت منه رسولا للفقراء، وهو ما جعله ينحاز إلى الكتابة عن المساواة الاجتماعية، كما تميز شعره بالجنوح باتجاه الغربة بعد التشرد الذي عانى منه بعيدًا عن وطنه.


بينما كان القرن التاسع عشر يلفظ سنواته الأخيرة، ومع بزوغ القرن العشرين شهدت قرية المحيدثة في المتن الشمالي في جبل لبنان أولى صرخات الطفل إيليا ضاهر أبو ماضي في منتصف مايو عام 1889؛ وعندما استطاع الوقوف على قدميه، بدأ الطفل رقيق الحال العمل بتجارة التبغ مع عمه، ليشاء قدره أن يرحل مع العم إلى مصر وهو لا يزال ابن الحادية عشرة عام 1900، وهناك تعرف على مواطنه أنطون الجميل مؤسس مجلة "الزهور" بالشراكة مع أمين تقى الدين، والذي أعجب بموهبته وذكائه، ليُعطيه أول فرصة في حياته للعمل بالمجلة، ونشر أولى قصائده؛ ما مهد له أن ينشر أول دواوينه "تذكار الماضي" في عام 1911، ويصير أبو ماضي رقيق الحال شاعرًا مشهورًا في عمر الثانية والعشرين.


انعكس التوجه السياسي والشعرى لأبو ماضي على حياته، فاضطر إلى الهجرة للولايات المتحدة الأمريكية عام 1912، بعد أن نظم العديد من القصائد الوطنية والسياسية ما جعل السلطات تطارده؛ وهناك أقام بولاية أوهايو لمدة أربع سنوات عمل فيها بالتجارة مع أخيه مراد، ثم ارتحل إلى نيويورك؛ وفي بروكلين شارك في تأسيس "الرابطة القلمية" مع مواطنيه جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ، حيث ساهمت هذه الرابطة في نشر فلسفته الشعرية، ولم يكتفي بالمشاركة في الرابطة فحسب، حيث كان طموحه الشعري أكبر من ذلك؛ فأصدر مجلة "السمير" عام 1929، والتي نشر فيها معظم أدباء المهجر الكثير من إنتاجهم الأدبي الذي تنوع ما بين الشعر والنثر، وهي المجلة التي استمرت في الصدور حتى رحيله عن عالمنا في 23 نوفمبر 1957.


ينتمي أبو ماضي إلى شعراء مدرسة المهجر، والتي نشأت مع هجرة عدد من الأدباء العرب إلى العالم الجديد "الأمريكتين"، وقد دعت هذه المدرسة في بداية أمرها إلى الثورة على أوضاع الوطن، والبحث عن الحقيقة والمصداقية، والخير والجمال، والحريّة والعدل في البلاد التي وفدوا إليها؛ ولكنَّهم عجزوا عن تحقيق ذلك في الواقع؛ لذا اجتمع أصحاب هذه المدرسة في أمريكا الشمالية، وكانوا جبران خليل جبران، ورشيد أيوب، وإيليا أبو ماضي، وميخائيل نعيمة، ونسيب عريضة، بينما كان إلياس فرحات، وفوزي المعلوف، ورشيد الخوري، وأبي الفضل الوليد في أمريكا الجنوبية؛ وقد ساهمت هذه المدرسة في تأسيس رابطتين أدبيتين، وهما الرابطة الأندلسية في أمريكا الجنوبية، التي أسسها الشاعر ميشال معلوف، والرابطة القلميّة في أمريكا الشمالية، التي أسسها عبد المسيح حداد، وكان جبران خليل جبران عميداً لها، وميخائيل نعيمة مستشاراً لها، إلى جانب وجود عدد من الأدباء منهم إيليا أبو ماضي، وكانت هذه الرابطة تعتمد على الفنون الغربية لتعزيز نهضتهم، هذا إلى جانب اقتباس النظرة الإنسانية الخالصة من الشعر العربي، الأمر الذي أدّى إلى وصول الكثير من الأعمال المميزة؛ كان أبرزها "الطلاسم" لإيليا أبو ماضي.

    Dr.Randa
    Dr.Radwa