الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

الأسلحة السيبرانية خط الدفاع الأول فى الحرب النووية

  • 1-6-2021 | 18:48
طباعة

الأسلحة النووية هى أحد أسلحة الدمار الشامل مثل الأسلحة البيولوجية والأسلحة الكيميائية، وهذه الأسلحة تتفاوت فى أضرارها وشدة تدميرها، وهى محرمة دوليا، لأنها تؤدى إلى إحداث أضرار خطيرة لجميع أشكال الحياة المتواجدة على كوكب الأرض.

السلاح السيبرانى، هو عبارة عن برامج إلكترونية، مصممة خصيصا للدخول غير المصرح به، على نظم الكمبيوتر، بهدف تعطيلها أو إتلافها أو الحصول على المعلومات والبيانات منها، وتستخدم ضد أهداف عسكرية أو شبه عسكرية أو فى عمليات استخباراتية، كجزء من هجوم إلكترونى (هجوم سيبرانى). والأخطر من ذلك هو استخدام هذه البرامج للسيطرة عن بعد، على نظم كمبيوتر العدو، وإدارتها، وجعلها تنفذ عمليات فى صالحها.

"الردع" بمعناه اللغوى هو الكف والمنع، و"الردع النووى" بهذا المفهوم يعنى منع العدو من مهاجمته أو مهاجمة أسلحته النووية، وأن تظل الترسانة النووية غير معرضة للهجوم، أو تكون قدراتها النووية كافية لمنع مثل هذا الهجوم فى المقام الأول، من خلال الوعد بالانتقام والتدمير المتبادل المؤكد mutually assured destruction MAD.  لذلك فإن الردع النووى الناجح يتطلب أن تحتفظ الدولة المستهدفة بقدرة انتقامية على الرد، من خلال ضمان قدرتها على توجيه "ضربة ثانية". إلا أنه مع مرور الوقت، أصبحت الصواريخ النووية أكثر دقة، مما أثار المخاوف بشأن قابلية هذه الأسلحة للتعرض لضربة "مضادة ". باختصار، أصبحت الدول النووية قادرة بشكل متزايد على استهداف أسلحة الخصم النووية الخاصة به من أجل تدميرها.

السلاح النووى وحده لا يصنع "الردع"، لكن هناك نظام متكامل من التكنولوجيات والمنظومات والمنظمات الداعمة، لجعل التهديدات النووية ذات مصداقية. يجب ربط الرؤوس النووية الحربية العاملة (الجاهزة للتشغيل)، ومنصات الإطلاق، وأقمار الإنذار المبكر، بالقادة السياسيين والقادة العسكريين، عبر شبكة القيادة والسيطرة والاتصالات النووية nuclear command, control, and communication (NC3). 

الوحدات النووية الجاهزة للتشغيل والمنتشرة على الأرض، وفى الهواء أو تحت مياه البحار والمحيطات، يجب أن تكون قادرة على تلقى التعليمات، والمصادقة عليها، وإرسال تقارير الحالة مرة أخرى. ويضمن تنوع منصات الإطلاق وانتشارها، حماية بعض القوات النووية، من هجوم العدو ويمكنها النجاة، وبذلك تكون متاحة للرد، أى تستخدم فى الضربة الثانية الآمنة.

نستطيع أن نقول أن الـ NC3 هو الجهاز العصبى "للردع" النووى. ونظرا لاستخدام الـ NC3 للتكنولوجيات الرقمية بشكل متزايد، لتعزيز الكفاءة والموثوقية، أصبح الأمن السيبرانى لـ NC3 مصدر قلق. وأصبحت هناك فرصة لدى الأعداء لاختراق الـ NC3 فى وقت السلم للحصول على بيانات ومعلومات ضمن عمليات استخباراتية، واستخدامها فى زمن الحرب كقوة هجوم مضادة.

ترسانات الأسلحة النووية الحديثة، تعتبر أخطر الأسلحة فى التاريخ، ولذلك يتم ربطها بأكثر الأنظمة الحسابية تعقيدا. ولذلك نجد أن تكنولوجيا المعلومات الحديثة، تعمل على زيادة تعقيد النظام بشكل كبير، مما يؤدى إلى تفاقم المشاكل الإضافية الناتجة عن الترابط بين القيادة والتحكم فى الأسلحة النووية والأسلحة التقليدية.   

على الرغم من الصعوبات التشغيلية فى الوصول عن بعد، والتحكم الخفى فى منظومة الـNC3  للعدو، إلا أن معظم الدول الحائزة على الأسلحة النووية، تمتلك أسلحة سيبرانية، وعندها القدرة على تنفيذ عمليات استخباراتية وعمليات هجوم مضاد. ويمكن للعمليات الهجومية السيبرانية، أن تستهدف الـ NC3 للعدو، وتحويل أجهزة كمبيوتر العدو إلى جواسيس أو مخربين.

لدعم استراتيجيات الردع النووى، يجب أن تتوافق أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات النووية الـ NC3، مع المعايير الصارمة. ويجب أن تكون الترسانة جاهزة، عندما يتم إصدار الأوامر لها، من قبل سلطة شرعية، ولكن لا يمكن استخدامها من قبل أشخاص غير مصرح لهم، أو عن طريق الصدفة، أو يتم تشغيلها تلقائيا عن غير قصد.

هناك مخاطر ربما تحدث، نتيجة استخدام الأسلحة السيبرانية ضد الأسلحة النووية، منها، حدوث خطأ بشرى، لأن مستخدمى الأسلحة السيبرانية "المتسللين" هم بشر، وكل الناس يرتكبون أخطاء.  فنتيجة التفاعل بين الأنظمة التكنولوجية المعقدة والسلوك البشرى، أو ما يطلق عليه التعقيد "الاجتماعى التكنولوجى" sociotechnical، فهناك إمكانية حدوث ارتباك وعدم يقين، ويمكن أن يؤدى إلى عواقب وخيمة غير مقصودة فى سلوك أنظمة الـ NC3، وفى شفرة البرامج التى يهاجمها أو يدافع عنها.

والنوع الثانى من المخاطر، وهو الأكثر خطورة، سببه أن العمليات السيبرانية سرية، وعملية الاتصالات تكون غير واضحة، وممكن حدوث عدم تناسق فى المعلومات،  ولذلك فقد يؤدى الاعتماد المتبادل بين أنظمة القيادة والتحكم فى الأسلحة التقليدية والأسلحة النووية، إلى خلق حالة من الارتباك،  وتصعيد الأمور إلى مستوى حرب نووية، بمجرد بدء الحرب التقليدية.

أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات النووية الـ NC3، تعتمد فى أعمال الإنذار المبكر على الأقمار الاصطناعية والرادارات، وتقوم بتجميع البيانات الاستخباراتية للقادة السياسيين والقادة العسكريين، وتمكنهم من إرسال التعليمات إلى الوحدات التنفيذية فى الميدان. لذلك نجد أن التقارير الاستخباراتية، والتقييم السياسى للأحداث، تمكن القيادة من تحديد سياق الأزمة وطبيعتها ومداها ومخاطرها.

يمكن أن يؤدى توسيع نطاق وعدد أجهزة الاستشعار إلى تحسين الإنذار المبكر، فى حين أن القدرة على تجميع وتحليل البيانات من أجهزة الاستشعار ومصادر المعلومات الأخرى، يمكن أن تحسن القدرة على التمييز بين التحذيرات الحقيقية والمؤشرات الخاطئة. الشبكات القوية يمكنها أن تربط مراكز قيادة متعددة وأنظمة أسلحة متفرقة، لتحسين القدرة على البقاء على قيد الحياة، وتعزيز الوعى الجماعى بالموقف. ومع وجود بيانات عن الهدف عالية الدقة، ومع امتلاك أسلحة يمكن توجيهها بدقة، تزداد الثقة فى تدمير أهداف العدو أو اعتراض صواريخ العدو.

عندما يتعلق الأمر بأنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات النووية الـ NC3، وبسبب القوة التدميرية الرهيبة لهذه الأسلحة فإن أى شيء أقل من الكمال غير مقبول. لكن نقول، الكمال لله وحده، واحتمال وجود ثغرات ومواطن ضعف فى أنظمة الـ NC3 وارد، ودائما أجهزة الاستخبارات المضادة، تبحث عن هذه الثغرات حتى تستطيع شل قدراتها أو تعطيلها عن العمل، أو السيطرة عليها والاستفادة منها فى عمليات التجسس أو التخريب. الثغرات ومواطن الضعف فى أنظمة الـ NC3، يمكن أن تكون فى أنظمة الكمبيوتر، أو فى أجهزة الإنذار المبكر، أو فى تجنيد عملاء من العاملين فى منظومة الـ NC3، وكون أن هذه الأنظمة معقدة تكنولوجيا فالأخطاء البشرية واردة الحدوث.

أمريكا وإسرائيل لديهم نوع من فيروسات الكمبيوتر، يميزه متخصصو الكمبيوتر ضمن عائلة ديدان البرمجيات تسمى "ستكس نت" Stuxnet، وهى برمجيات خبيثة، تستهدف أنظمة التحكم. ومع ظهور "ستكس نت"، أصبح لديهم استعداد لإجراء عمليات اقتحام وتنفيذ تخريب سرى عن بُعد، وتعطيل البنية التحتية النووية للدول المعادية. ففى الفترة ما بين نوفمبر 2009 وأواخر يناير 2010، استخدمت دودة "ستكس نت" فى الهجوم على أجهزة الطرد المركزى لتخصيب اليورانيوم بموقع "ناتانز" الإيرانى، واستطاعت تدمير ما يصل إلى 1000 جهاز طرد مركزى من أصل 4700 جهاز. وبحسب ما ورد من أخبار، فقد استخدم الإسرائيليون العمليات السيبرانية لتعطيل الدفاعات الجوية السورية خلال غاراتهم عام 2007 على منشأة نووية سورية. كما أن هناك اخبار مفادها، أن أمريكا، ربما أجرت عمليات حرب سيبرانية، من أجل التلاعب عن بُعد، بالبيانات الخاصة بأنظمة الصواريخ فى كوريا الشمالية.

على الصعيد العالمى، هناك الآلاف من الأسلحة النووية مخبأة وجاهزة للانطلاق، وفى انتظار إشارة الإطلاق الصحيحة. لكن هناك احتمال حدوث انفجار لأى من هذه الأسلحة عن طريق الصدفة، أو احتمال سرقتها، أو احتمال استخدامها من قبل أشخاص دون إذن.

هناك أمثلة خطيرة كان من الممكن أن تتسبب فى كوارث نووية، منها، ما حدث فى عام 1962، للقاذفة الأمريكية B-52، والتى كانت تحمل قنبلتين هيدروجينيتين، وعندما تحطمت القاذفة فى الجو أسقطت عن طريق الخطأ قنبلة على نورث كارولينا.

والأخطر من ذلك، وهو الاحتمال الأقوى، أن يتسبب إنذار كاذب يصدر عن أنظمة الإنذار المبكر، فى قيام حرب عالمية ثالثة، تستخدم فيها الأسلحة النووية، وتكون نهاية العالم. وهذا ما حدث بالفعل، ففى 9 نوفمبر عام 1979، فى مقر قيادة الدفاع الجوى فى أمريكا الشمالية، وداخل جبل شايان فى كولورادو سبرينجز، فجأة امتلأت الشاشات بصور هجوم سوفييتى كبير على أمريكا. بدا الأمر حقا وكأنه هجوم شامل وأن الرئيس "جيمى كارتر" قد يضطر إلى اتخاذ قرار بشأن الرد أو عدم الرد. تم التحقيق فى الأمر بسرعة كبيرة، ولم تظهر الرادارات الأخرى أى علامة على هذا الهجوم. وتم اتخاذ القرار بأن هذا كان إنذارا كاذبا. وسرعان ما تم إدراك أن شخصا ما، قام عن غير قصد، بوضع شريط تدريب - وكان شريط التدريب عبارة عن هجوم سوفييتى شامل - فى جهاز كمبيوتر، وقد قدم الكمبيوتر شريط التدريب على أنه هجوم حقيقى.

بعد هيروشيما وناجازاكى، لن تستخدم القنابل النووية الاستراتيجية، والدول تعلم ذلك، لكن لازال هناك صرف رهيب على التسليح النووى فاق الخيال. ونقول، أنهم يلعبون بالنار دون وعى، وأنهم سيكونون أول ضحاياها.

 

الاكثر قراءة