الجمعة 26 ابريل 2024

تقنية جديدة في الحرب ضد السرطان

تقنية جديدة في الحرب ضد السرطان

4-2-2023 | 09:35

إيهاب سلامة

السرطان من المسببات الأولى للوفيات عالميًا، مما يعلل الحرب الطبية ضد هذا المرض، بالإضافة إلى تحسين طرق اكتشاف السرطان حتى يتمكن الأطباء من تشخيصه مبكرًا خلال المرحلة التي يكون علاجه فيها أكثر نجاحا، فقد تطورت طرق علاجه أيضًا، فالعلاج التقليدي للسرطان اعتمد على التدخل الجراحي وجلسات العلاج الإشعاعي والكيميائي التي تقوم بتدمير (حرق) خلايا السرطان أو تسميمها. حيث إن هذه الطرق العلاجية ترافقها آثار جانبية حادة تؤذي الخلايا الصحية، كما أن أثرها لا يزال محدودا في علاج السرطانات المتقدمة والمنتشرة. مما يعلل تركيز الأبحاث خلال السنوات العشرين الأخيرة على ابتكار تقنيات علاجية جديدة أكثر فاعلية وأمانًا. ومن التقنيات الحديثة التي احتلت مكانها بجدارة تقنية العلاج المناعي الذي يتم فيه استخدام خلايا الجهاز المناعي للقضاء على السرطان ذاتيا” حول كل هذه الأمور المهمة في الحرب ضد السرطان، كان لنا هذا الحوار مع الدكتور محمد إمام المدرس لأمراض سرطان الدم والليمفاوية بالمعهد القومي الأورام. إلى نص الحوار. ما الأبحاث التي أجريت والتي أكدت فاعلية الدواء المناعي الجديد ؟ - ما نتحدث عنه الآن هو دواء جديد وفق تقرير نشرته مجلة أبحاث السرطان التجريبية والإكلينيكية، والتطور في هذا المجال ينسب إلى جهود مجموعة من العلماء مثل: د.” روبرت لانجر”، د.” ستفين كروجر”، د.” سياستينا كوبولد”، د. “ماتياس إلمير”. هل أشارت الأبحاث إلى وجود نتائج مبشرة لجبهة جديدة في محاربة السرطان ؟ - نعم، أشارت الأبحاث إلى وجود نتائج عدة تطبيقات إكلينيكية للعلاج عبر تقنية (كار تي) فاعليتها في علاج عدة أنواع من سرطانات الدم، حيث وصلت نسبة نجاة المصابين بالمرحلة المبدئية من المرض إلى 92 %، كما كانت نتائجها إيجابية حتى لمن وصلوا إلى مرحلة متأخرة من المرض. ورغم أن علاج (كار تي) تم اعتماده في عدة مراكز طبية في أميركا والصين وأوروبا، فإن تطبيقه لا يزال يتم على نطاق ضيق من المرضى وخاصة للمصابين باللوكيميا والليمفوما (ما يسمى بالأورام السائلة). أما نتائج هذه التقنية العلاجية على المصابين بالأورام الصلبة فلا تزال محدودة وضمن قيد البحث والتطوير. ويحاول الطب حاليا تحقيق الفاعلية والأمان نفسهما في استخدام تقنية (كار تي) في علاج الأورام الصلبة. هل هناك نظرة تفاؤلية لعلاج الأورام الصلبة بهذا الدواء الجديد والحصول على نفس نسب الشفاء العالية في سرطان الدم ؟ - لا أريد أن أكون متشائمًا، ولكن الأورام الصلبة ليست مثل أورام اللوكيميا السائلة، فالأنسجة الصلبة تعيش في بيئة مختلفة. وجبهة الحرب الجديدة هي التوصل إلى طرق تمكن استخدام تقنية كار تي في علاج الأورام السرطانية الصلبة. وقد بدأت فعلا عدة أبحاث إكلينيكية على أورام الدماغ والجهاز العصبي للأمراض السرطانية، والنتائج المبدئية لهذه التجارب مبشرة وتتنبأ بدخول تقنية كار تي إلى علاج الأورام الصلبة كعلاج فعال وناجح في إنقاذ الكثير من الحالات المتأخرة. لكن هذا الأمر سيتطلب من الباحثين عدة سنوات قبل أن تظهر ثماره. متى بدأ علاج أورام الدماغ بهذا الدواء (كارتي)؟ في مايو 2004 بدأ فريق طبي أميركي بتقييم فعالية تقنية كار تي في علاج دماغ أول مصاب بورم «جليوبلاستوما». وبعد أكثر من 15 سنة، ومرور هذه التقنية بكثير من التعديلات أدت إلى تحسين فاعليتها في علاج الأورام الصلبة (أورام الدماغ) وتقليل آثارها الجانبية، يمكن القول إن الباحثين تمكنوا من عمل خطوات كبيرة في هذا المجال. وحاليا يجمع فريق بحث طبي في مستشفى “سيتي اوف هوب” نتائج 101 مريض خضعوا للعلاج عبر تقنية كار تي المتطورة. وصل كثير منهم إلى مرحلة متقدمة من المرض واستنفد جميع الخيارات العلاجية الأخرى، ونسبة استمرار حياته ضئيلة. بيد أن العلاج بهذه التقنية اقترن بنتائج مذهلة، حيث أسهم في تقليص كثير من الأورام وتحسين حياة المرضى وإطالة أعمارهم. هل هناك تجارب أخرى أجريت لعلاج الأورام الصلبة ؟ - كان هناك أمر لا يصدق وهو في عام 2015، حيث قام فريق طبي في مستشفى “سيتي اوف هوب” بدراسة إكلينيكية لتقييم فاعلية تطوير جديد في تقنية كار تي على مجموعة من المصابين بأمراض الدماغ. حيث استخدم الباحثون تعديلات هندسية جينية جديدة تزيد من فاعلية هذه التقنية على الخلايا الورمية الصلبة. وكان أول مريض يتلقى هذا النوع من العلاج هو جراح أطفال يسمى “ريتشارد جرادي”. وكشأن باقي المرضى في عينة البحث، كان سرطانه لا يستجيب للعلاجات الكيميائية أو الإشعاعية، وقد وصل إلى مرحلة متقدمة من المرض والوقت المتبقي له محدود ويقدر بالأشهر. وبعد ستة أسابيع من الحقن الأسبوعية بتقنية كار تي (تحقن في الورم الدماغي الرئيسي- مكان بداية السرطان). أظهرت نتائج التصوير الإشعاعي عدم نمو الورم الرئيسي، بيد أن السرطان بدأ يظهر في أماكن جديدة بالدماغ والنخاع الشوكي. - وكيف حل العلماء هذه المعضلة؟ في محاولة أخيرة، قام الفريق الطبي بحقن خلايا كار تي في السائل الشوكي (سائل السحايا) على أمل أن تتمكن خلايا المناعة (كار تي) من إيجاد الأورام المنتشرة ثم علاجها. ولا ينسى الباحثون اللحظة التي أظهرت الصور الإشعاعية للمريض ريتشارد بعد أن تلقى ثلاث حقن وريدية في السائل الشوكي، حدوث انكماش في حجم جميع الأورام بما فيها الورم الرئيسي. بينما اختفت جميع الأورام وأصبحت غير مرئية في الصور الإشعاعية بعد عشر حقن وريدية في السائل الشوكي. وعلق أحد أعضاء فريق البحث، قائلا «كان أمرا لا يصدق، فقد كنا نتوقع أن نعطي المريض الخبر السيئ وبأن تقنية كار تي فشلت وأن السرطان يتغلب علينا. بيد أنها نجحت بجدارة وأسهمت في تدمير سرطان كان لا يؤمل في مقاومته. لماذا لا تخرج هذه التقنية لاعتمادها كعلاج للأورام الصلبة ؟ - هذه التقنية لا تزال بحاجة إلى مزيد من التطوير. فالأمر لم يكن كافيا، فقد انتكست حالة د. ريتشار بعد ما يقارب السنة عندما عاود الورم الظهور. مما أدى إلى وفاته في عام 2017. ماذا عن جائزة نوبل التي حصل عليها الباحثون لاكتشافهم هذا الدواء وذلك في عام 2018 ؟ أدت التطورات في مجال العلاج المناعي إلى الاعتراف بأهميتها في عام 2018 عندما حصل عدد من الباحثين على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا والطب. وذلك إثر اكتشافهم بروتين السايتوتوكسيك لخلايا تي المناعية CTLA-4 وآلية برمجة موت بروتين الخلايا. وكي نفهم الأمر أكثر، فإن السرطان يغزو الخلايا عبر تثبيط عمل بروتينات خاصة في الخلايا الصحية للتغلب على قوتها المناعية. واكتشاف الباحثين آلية أو كيفية تغلب خلايا السرطان على الخلايا المناعية أسهم في ابتكار طرق علاجية جديدة تركز على زيادة قوة خلايا المناعة وقدرتها على تدمير خلايا السرطان، مما أدى إلى ابتكار عدة تقنيات تستخدم خلايا الجهاز المناعي لعلاج سرطانات الدم بشكل خاص، كما أدى إلى تطوير علاجات مناعية وعقاقيرية تدعم الطرق التقليدية في علاج سرطان الرئة والجلد والدماغ والجهاز الليمفاوي وغيرها.