9-3-2024 | 09:56
دعاء نافع
هلال رمضان بالنسبه لنا صيام وقيام وصلاه تراويح وقراءه قرأن شهر مختلف، له فرحه وراحه روحيه بداخلنا، ولكن التصالح والتسامح النفسي للصائم مع نفسه وغيره أهم اهداف الشهر الكريم.
كيف نصل لهذا الهدف ليكون رمضان بعد عن متاعبنا النفسيه وأقبال ايجابي لحياتنا علي مدار العام؟!
حول هذا الموضوع كان هذا الحوار مع د. أحمد ممدوح سعد أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية.بداية ما الهدف النفسي من الصيام؟
الصوم عبادة من العبادات الجليلة، التي تعد أحد أركان الإسلام؛ ففي الحديث الشريف الذي رواه البخاري يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان».
والصوم وإن كان عبادة في نفسه، لكن هذه العبادة لها مقاصد وحكم نستطيع أن نقول إنها في مجملها تبتغي الوصول إلى تحقيق التقوى؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة: 183]، ومن مظاهر التقوى: مراقبة الله في السر والعلن؛ فيترك الشهوات والملذات لعلمه بأن الله وحده هو المطلع عليه، ومنها: تربية النفس على تحمل المشاق، وتدريبها كذلك على محاسن الأخلاق؛ لعلم الصائم بأنه إذا لوث صيامه بالأخلاق الرديئة فإنه ينقص ثوابه ويعرض صومه لعدم القبول؛ وفي الحديث الشريف: «مَنْ لم يَدَع قولَ الزُّور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه»؛ [رواه البخاري].
فإذا تدرب المسلم مدة الشهر الفضيل على جهاد النفس في سبيل اكتساب الفضائل والتخلي عن الرذائل والتعالي عن الشهوات استطاع حينئذ أن يجعل هذا التخلق الحميد سمة عامة لخلقه باقي العام.
وإذا كان الإنسان لا يشعر بمعاناة غيره إلا إذا كابدها، فإنه إن ذاق طعم الجوع شعر بالفقراء وأهل الابتلاء، فأشفق عليهم وأحسن إليهم ما أمكنه ذلك.
وهكذا فالصوم وسيلة من الوسائل الشرعية للارتقاء بالنفس الإنسانية من مساوئ البشرية إلى درك الروحانية.
كيف نصل للصفاء الروحي في أيام الشهر الكريم؟
كل عبادة لها صورة وشكل ولها لب وروح، فإذا كان شكل الصيام وهيئته الظاهرة هي الامتناع عن المفطرات، فإن روحه ولبه التخلي عن الأخلاق الذميمة كما سبق ذكره، ويذكر الإمام أبو حامد الغزالي في هذا الصدد أن الصوم له مراتب ثلاث؛ مرتبة صوم العوام، ومرتبة صوم الخواص، ومرتبة صوم خواص الخواص.
أما صوم العوام: فهو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، وصاحب هذا الصوم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش كما ورد في الحديث الشريف في سنن ابن ماجه من قوله صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع».
وأما صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلها عن الفضول، وهو كل ما يشغل العبد عن الوصول، وحاصله: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يعني، وأما صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب.
فتحقق الصفاء الروحي يكون بقدر ترقي الإنسان في مراتب الإحسان في الصوم.
كيف نحافظ على تصالح نفسي تحقق في رمضان لباقي العام؟
التعامل مع رمضان على أنه محطة مؤقتة لصلاح الحال والقرب من الله ثم بعد ذلك يعود الإنسان لسابق عاداته الذميمة وأخلاقه الرذيلة خروج بالشهر عن حكمته واعوجاج عن مقاصده، بخلاف ما لو تعامل معه الإنسان على أنه محطة للترقي والتخلي عن الرذائل واكتساب الفضائل فيصعد منها إلى مرتبة أعلى مما كان عليها قبله في العبادة والإقبال على الله والإحسان في معاملة نفسه ومعاملة خلق الله ومعاملة ربه.
تنمية الهدف الروحي من الصيام للأطفال والشباب ليس سهلا..كيف نصنع داخلهم التسامح والتوازن النفسي من الصيام؟
التدريب على العبادات منذ النشأة وسن الصبا يحببها إلى النفس ويعودها عليها، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعويد الصغار على ذلك في أمره الآباء أن يأمروا أولادهم بالصلاة لسبع سنوات، وليس المقصود هو خصوص الصلاة فقط، بل يشاركها في ذلك سائر العبادات الواجبة، فيأمر ولي الأمر بها من تحت ولايته ورعايته ويعودهم عليها بالتحبب والملاطفة والترغيب فيعتادونها ولا تصعب عليهم، ثم يأتي بعد ذلك دورهم كقدوات صالحة للنشء يتعلمون منهم بالفعل قبل القول، ويبينون لهم الحكم والفوائد والعوائد من العبادة فيقومون بها مع استحضارهم لذلك بدلا من أن يقوموا بالعبادة في شكل صوري غير مفهوم المغزى ولا معروف الحكمة.
الصيام علاج للروح كيف يحدث هذا؟
الإنسان مكون من جسد وروح، الجسد منشؤه الطين والروح مسكنها السماء، فكلما تلبس الإنسان بالشهوات كلما كانت السيطرة الأعلى للجسد الطيني فثقلت الروح، وكلما ترفع عن الشهوات كانت السطوة للروح وكان صاحبها روحانيا صافي النفس مستكين الفؤاد يشعر بالأنس بالله ويستشعر الهدوء الباطني، والصوم لما كان مما يقلل من سطوة الجانب الطيني على الجانب الروحاني كان من أسباب الارتقاء بالروح وتسكينها، ولذلك قال بعض الصوفية تعليقا على ما رواه مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم»: “فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش”.