11-10-2025 | 12:35
اماني عزت
مع بداية الخريف يعاني ملايين الناس حول العالم من حساسية الأنف والجيوب الأنفية...ما الذي يحدث بالضبط.. ولماذا يتحول هذا الفصل الجميل إلى موسم من الرشح والسعال وانسداد الأنف والصداع؟ هذا التحقيق يغوص في أعماق هذه الظاهرة الموسمية من منظور طبي وعلمي .
في البداية يوضح لنا الدكتور خالد الوشاحى استشاري أمراض الأنف والأذن والحنجرة لماذا تتفاقم الحساسية تحديداً في الخريف، فيقول إن المشكلة تكمن في «حبوب اللقاح» أو ما يعرف بـ «الطلع» بينما يرتبط الربيع في أذهاننا بالحساسية، إذ أن الخريف له مسبباته الخاصة مثل: حبوب لقاح نبات «الرجيد» وهو النجم الرئيسي لحساسية الخريف، فهذه النبتة غير الظاهرة للعين في كثير من الأحيان، تطلق كميات هائلة من حبوب اللقاح خفيفة الوزن التي يمكن للرياح حملها لعشرات الكيلومترات وذروة إنتاجها تكون من أواخر أغسطس حتى أول نوفمبر تقريبا، كما أن الأجواء الرطبة الناتجة عن تساقط أوراق الأشجار وتجمعها على الأرض تشكل بيئة مثالية لنمو العفن وجراثيمه التي تنتشر في الهواء، لذلك تعتبر حبوب اللقاح من مسببات الحساسية القوية.
يشرح الوشاحى أن جهاز المناعة لدى الشخص المصاب بالحساسية يشبه نظام إنذار حساس جداً يخطئ في التعرف على هذه المواد غير الضارة كحبوب اللقاح، فيتعامل معها كجسم غريب خطير، مما يحفز إفراز الهيستامين ومواد كيميائية أخرى تسبب كل أعراض الحساسية المزعجة.
والبعض يخلط بين نزلات البرد وحساسية الخريف، لكن الفروق بينهما واضحة: استمرار الأعراض لأسابيع مع حكة الأنف والعينين فهذه حساسية موسمية وليست زكام، حيث تتسم الحساسية الموسمية بإفرازات مائية شفافة، مع نوبات الرشح متكررة ومتلاحقة وحكة شديدة في الأنف والعينين والحلق وسقف الحلق وتظهر هذه الأعراض فجأة وتستمر لأسابيع أو حتى شهور، أما زكام البرد تكون إفرازات الأنف سميكة وصفراء أو خضراء، مصحوبة بآلام في الجسم، واحتقان في الحلق، وارتفاع درجة حرارة الجسم أحياناً، وتظهر تدريجياً وتنتهي خلال 7-10 أيام.
وأضاف أن الأمر لا يتوقف عند الرشح، فالإهمال قد يؤدي إلى التهاب الجيوب الأنفية الحاد أو المزمن، حيث تنسد الفتحات الطبيعية للجيوب، مما يخلق بيئة مثالية لنمو البكتيريا مسبباً ألماً شديداً في الوجه وصداع، وضغط حول العينين، وإفرازات أنفية كثيفة وألم في الأسنان ولا يصاب الجميع بحساسية الخريف، فهناك عوامل خطر رئيسية تزيد من احتمالية الإصابة مثل: التاريخ العائلي إذا كان أحد الوالدين مصاباً بأي نوع من الحساسية، فإن خطر إصابة الأبناء يرتفع بشكل ملحوظ إذا كان كلا الوالدين مصابين، فتزيد النسبة إلى أكثر من 70 %، والشخص المصاب بالأكزيما أو الربو أو حساسية الربيع أكثر عرضة للإصابة بحساسية الأنف الموسمية، والمناطق الريفية وأماكن النباتات الكثيفة تنتشر فيها حبوب اللقاح وتزداد فرص التعرض للمسببات، بالإضافة إلى ضعف جهاز المناعة أو وجود التهابات متكررة في الجهاز التنفسي.
أما عن علاج حساسية الأنف، فيوضح الوشاحى أنه لا يمكن علاج المشكلة دون تشخيص دقيق، وقد يلجأ الطبيب إلى أخذ تاريخ مرضي مفصل عن توقيت الأعراض وطبيعتها والعوامل المحفزة وفحص الأنف بالمنظار لرؤية حالة الغشاء المخاطي للأنف والجيوب، ولونها في الحساسية يكون شاحباً ومائياً، بينما في الالتهاب يكون أحمر ومنتفخاً.
وأكد على أن علاج حساسية الخريف يشمل محورين رئيسيين وهما: إدارة المسببات والعلاج الطبي والدوائي، أولاً: إدارة وتجنب المسببات أو ما نسميه بالوقاية الذكية مثل: تجنب الخروج في الأيام الجافة والعاصفة التي ترتفع فيها نسبة حبوب اللقاح، ويفضل الخروج بعد الأمطار التي تنظف الجو مع إغلاق النوافذ فترات الذروة الصباحية، واستخدام مكيفات الهواء مع فلاتر، والاستحمام وتغيير الملابس فور العودة إلى المنزل لإزالة حبوب اللقاح العالقة في الشعر والجلد والملابس وغسل الأنف بمحلول ملحي بشكل يومي لإزالة المهيجات والمخاط وهي طريقة بسيطة وفعالة جداً، والتخلص من أوراق الأشجار المتساقطة حول المنزل بسرعة لتقليل نمو العفن.
ثانيا: العلاجات الدوائية والمناعية مثل: أقراص أو بخاخ أنفي وهي الخط الدفاعي الأول؛ لتخفيف الرشح والحكة ويوجد الآن جيل ثاني منها لا تسبب النعاس، والبخاخات الأنفية وهي حجر الزاوية في العلاج والأكثر فعالية في علاج الالتهاب الأساسي وتقليل جميع الأعراض على المدى الطويل، ولكن يجب استخدامها بانتظام كما وصف الطبيب وليس عند الحاجة فقط، وأخيرا: العلاج المناعي أو أمصال الحساسية وهو العلاج الوحيد الذي يغير من استجابة الجهاز المناعي على المدى البعيد، ويتم فيه تعريض الجسم لجرعات تدريجية من المادة المسببة للحساسية لبناء مناعة ضدها وتستمر نتائجه لسنوات بعد انتهاء الجرعات.
وبالإضافة إلى العلاج الطبي، يمكن لدعم الجسم من الداخل أن يحدث فرقاً ملحوظاً، كما تشير استشاري التغذية ميري رزق إن بعض الأطعمة الطبيعية لها خصائص مضادة للالتهابات ومضادة للهيستامين، وينصح المرضى بالإكثار من الأطعمة الغنية بفيتامين C «كالبرتقال والفلفل الرومي والكيوي» الذي يعمل كمضاد طبيعي للهيستامين، والأوميجا3 الموجودة في السمك والسلمون وبذور الكتان لمحاربة الالتهاب.
كما أن الكركم والزنجبيل من التوابل القوية في تقليل الالتهابات، بالإضافة إلى بعض العلاجات التكميلية التى تعطى نتائج جيدة لدى البعض مثل: استنشاق البخار بعد إضافة بضع قطرات من زيت النعناع أو الكافور لتخفيف الاحتقان، وتناول البروبيوتيك الموجودة في اللبن الزبادي والمخللات والتي تدعم صحة الأمعاء المرتبطة بمناعة الجسم.
وأخيرا: حساسية الأنف والجيوب الأنفية في الخريف ليست قدراً محتوماً يجب الاستسلام له، إذ على كل شخص أن يفهم طبيعة العدو وتشخيصه بدقة لاتباع خطة علاجية شاملة تركز على الوقاية ثم العلاج الدوائي المناسب والغذاء الداعم.