رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مصر تدعم لبنان على طريق الاستقرار


24-1-2025 | 15:30

صورة أرشيفية

طباعة
تقرير يكتبه: أحمد عسكر

لأول مرة منذ عدة أعوام يجد اللبنانيون أنفسهم أمام فرصة لالتقاط الأنفاس وصيانة بوصلتهم الوطنية قبل معاودة الإبحار داخل بحر متلاطم الأزمات، فالتوافق على العماد جوزيف عون رئيسا للبنان يعد خطوة أولى على طريق الاستقرار عقب عامين تقريبا عاش خلالها بدون رئيس، خاصة مع ما حظى به «عون» من دعم دولى وعربى يؤكد الرغبة الحقيقية فى إنقاذ لبنان، وهو ما تجلى فى موقف القاهرة الداعم دائما لبيروت، وأكده الرئيس السيسى خلال اتصاله لتهنئة العماد عون، مؤكدا إيمان مصر بقدرته على قيادة البلاد خلال هذه المرحلة الدقيقة وتحقيق تطلعات الشعب اللبنانى الشقيق، مؤكدا أن مصر ستظل دائما داعمة للبنان الشقيق وسيادته، وأنها مستعدة لتقديم المساعدة وكافة سبل الدعم الممكنة.. لكن مع طبيعة الأوضاع فى لبنان تطرح «المصور» عدة أسئلة تحتاج لإجابات توضيحية.

السفير مدحت المليجى مساعد وزير الخارجية الأسبق يقول إن مجرد الوصول لتوافق وطنى حول انتخاب واختيار العماد جوزيف عون يدل على إدراك الشعب اللبنانى لحجم المأساة التى يمر بها، وهذا فى حد ذاته إنجاز كبير، فهم على مدى عامين لم يتوصلوا لتوافق حول شخصية رئيس الجمهورية، ولكنهم مع تسارع الأحداث فى المنطقة حولهم وما تغير داخليا بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تواجه لبنان وما منى به حزب الله من ضعف بعد الضربات الإسرائيلية، وفى ظل ما تعانيه غزة وتزامنا مع تغير النظام الحاكم فى سوريا، كل هذا جعل اللبنانيين يشعرون أنهم فى مرمى الخطر الفعلى وليس مجرد خطر نظرى، أما عن نجاح الرئيس عون من عدمه، فالخطاب الذى ألقاه عون وقت قبوله المنصب، وهو أطول خطاب فى تاريخ الجمهورية اللبنانية، يدل على إدراكه لحجم التحديات التى ينتظر أن تقابل حكومته خلال فترة رئاسته، ويدل على استيعابه للمخاطر التى يتعرض لها لبنان فى الوقت الحالي، ويتبقى أن يكون الشعب اللبنانى بكافة أطيافه على قلب رجل واحد وأن تتوحد كلمته، وأن يتوافق رغم الاختلافات المسموح بها فى الديمقراطيات، فالعدو الأساس للبنان رغم وجود أعداء كُثر هو إسرائيل التى ستنتهز دائما أى فرصة ليستمر احتفاظها بالأراضى اللبنانية التى تحتلها بحجة الدفاع عن أمنها، ومن أهم ما أشار له عون فى خطابه هى النقطة الأولى التى تتحدث عن توحيد السلاح بحيث لا يكون إلا فى حوزة الجيش اللبناني، وهى رسالة موجهة لحزب الله ومن خلفه إيران، أن الجيش اللبنانى هو الذى سيتولى الدفاع عن الأراضى اللبنانية، وهذه خطوة مهمة للغاية، فلا يوجد نظام عالمى مقبول أن يسمح بوجود عدة كيانات مسلحة داخل الدولة، فعلى كل دولة أن تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن أراضيها وحدودها، وهذا سيضيّع على إسرائيل فرصة الامتناع عن سحب قواتها بحجة وجود مليشيات مسلحة، وبالتالى أرى أنه لا بد من دمج حزب الله وكوادره فى إطار الجيش اللبنانى الموحد، وإذا نجح العماد عون فى تحقيق هذه الخطوة ستحسب له وهى الإنجاز الأهم من وجهة نظرى.

 

وعن أهمية الدور المصرى فى دعم لبنان يقول السفير المليجى إن مصر دائما تدعم الدولة اللبنانية بكاملها ولا تتخذ صف أى من الأطراف اللبنانية التى ربما تكون خلال الفترة الماضية على خلاف وكانت تحاول أن تستقوى بالخارج، ومصر لم تقع فريسة هذه اللعبة، وكانت دائما تدعم كيان الدولة ككل للحفاظ على لبنان من الانقسام والتحزب والطائفية التى تنخر فى جسد الدولة اللبنانية، ومؤخرا رأينا الزيارات المتبادلة حتى قبل انتخاب العماد جوزيف عون، ومصر كانت تدعو دائما إلى توحد الأطراف اللبنانية للحفاظ على دولتهم، ولمصر أيضا دور كبير فى مساعدة لبنان سواء من الناحية الاقتصادية أو بالدعم السياسى للبنان حتى لا تفترسها دولة مثل إسرائيل التى تعيش على دماء الشعوب الضعيفة أمامها، ودائما ما كانت سيادة ووحدة الأراضى اللبنانية من ثوابت القيادة المصرية، وذلك فى مواجهة أى تأثير إسرائيلى أو سوري، ولا يمكن لأحد المزايدة على الموقف المصرى وأهميته فى الحفاظ على كيان لبنان.. يؤكد ذلك ما جاء فى اتصال تهنئة الرئيس السيسى للعماد جوزيف عون، والتى شدد خلالها على وقف مصر بجانب استقرار لبنان، مؤكدا إيمان مصر بقدرة الرئيس عون على قيادة البلاد خلال هذه المرحلة الدقيقة التى يمر بها لبنان والمنطقة.

 

أما بشأن مستقبل حزب الله فيضيف المليجي، أتصور أن حزب الله سيسعى إلى وجود نوع من الاستقلالية ولكن فى إطار الجيش اللبناني، ولابد أن تكون هذه الاستقلالية مستترة بشكل كبير، وإلا سيكون هذا هو المبرر الدائم لإسرائيل لمعاودة الدخول، فمن الصعب على حزب الله قبول فكرة انتهاء دورهم السياسى تماما، رغم الدعم الإيرانى ومحاولة طهران الزج بأجنحتها فى كل جنبات المنطقة، ولا ننسى أن إسرائيل قصقصت أجنحة إيران بشكل كبير، وأن إيران لابد أن تعيد حساباتها فى المنطقة مرة أخرى وتكتفى بدور محدود بعد ما يمكن أن نسميه هزيمة استراتيجية لطهران، والتى تجلت فى الاغتيالات الإسرائيلية كإسماعيل هنية الذى قتل على الأرض الإيرانية فى ضيافة طهران وتحت حمايتها، وكذلك حسن نصر الله الذراع الأقوى لإيران فى منطقة الشام وغيرهما، ما يدل على انحسار الدور الإيرانى فى المنطقة، وإن كان هدف طهران الأول هو الحفاظ على برنامجها النووى بدون أى استفزازات لحين اكتماله، ومن هذا المنطلق ستحاول إيران عدم استفزاز الجانب الإسرائيلى والغربى كى لا تضر ببرنامجها النووى عبر مغامرات عسكرية ينفذها وكلاء لها، وأظن أن إيران ستنصح حزب الله بالابتعاد عن المشهد فى المرحلة الحالية إلى حين هدوء الأوضاع بشكل أو بآخر قبل أن تحاول الاستفادة من حزب الله مرة أخرى، وفى كل الحالات لن يكون من المقبول أن يكون حزب الله بنفس الشكل.

 

ويتوقع المليجى أن ينحصر منصب رئيس الوزراء اللبنانى بين ميقاتى ومخزومى، قائلا: «إنه بكل تأكيد لا بد أن يكون رئيس وزراء لبنان شخصا توافقيا، ومن وجهة نظرى أرى أقرب المرشحين هو رئيس الوزراء الحالى أو ربما يكون السيد فؤاد مخزومى مرشح المعارضة اللبنانية هو المرشح التوافقى لحكومة لبنانية جديدة، ولا أعتقد أن سعد الحريرى ليس من ضمن الأسماء المطروحة فى الوقت الحالي.. لكن ربما تتغير الأجواء خلال الأيام القليلة القادمة خاصة أن العماد جوزيف عون ينوى التباحث مع رئيس مجلس النواب طبقا للدستور وذلك للخروج برئيس وزراء توافقي، لكن حتى هذه اللحظة أرى أن فرصة الحريرى أقل من فرص ميقاتى ومخزومي، لكن الأمور قد تتغير بعد زيارة عون للمملكة العربية السعودية فكما نعلم آل الحريرى يتمتعون بالجنسية السعودية إلى جانب جنسيتهم اللبنانية، وهذا قد يكون عاملا مساعدا فى اختيار الحريري.. والصورة ستتضح أكثر عقب اجتماع عون برئيس مجلس النواب اللبناني.

 

كما يضع السفير المليجى الأزمة الاقتصادية الطاحنة والبحث عن خبراء يستطيعون إخراج لبنان منها كتحدٍّ له أولوية أمام الرئيس والحكومة اللبنانية، قائلا إنه ربما تتضافر دول الخليج لإنقاذ لبنان ببعض المساعدات السريعة حتى يمكن إعادة الاستقرار ومن ثم إعادة دوران عجلة دولاب الاقتصاد مرة أخرى، أيضا مواجهة الاحتلال الإسرائيلى عبر توحيد الجيش كما ذكرت سابقا من أهم أولويات لبنان حاليا، بالإضافة إلى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة بعيدا عن الطغمة الفاسدة التى كانت تتحكم طويلا فى مقدرات الشعب اللبناني.

 

الكاتب والمحلل السياسى أحمد رفعت، يرى أن الاستحقاق الرئاسى فى لبنان شيء مهم للغاية وقد تأخر كثيرا، قائلا إننا لأول مرة نجد بداخل لبنان وفى الدول المحيطة به إصرارا على العبور إلى بر الأمان، وإذا كنا نتساءل عن نجاح القيادة اللبنانية فيما هو آتٍ فهو أمر قابل للتنفيذ، فلأول مرة نرى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على رأسها فرنسا وكذلك الدول العربية جميعها تدعم استقرار لبنان، وإذا أضفنا ذلك للتوافق الداخلى اللبنانى على جوزيف عون والوقوف خلفه ودعمه بشكل كامل.. كل هذا يعنى أن فرص نجاح عون أكبر مما توفر لكل رؤساء لبنان السابقين، لذا من المتوقع أن نرى نجاحا قريبا للدولة اللبنانية وقيادتها.

 

ويشير رفعت إلى إيجابية الدور المصرى فى دعم لبنان، قائلا إنه لا يقتصر على الأزمة الأخيرة فقط، فدعم القاهرة لبيروت ممتد على مدار سنوات طويلة ماضية بأشكال وطرق مختلفة، ونذكر كيف وصل هذا الدعم إلى قمته فى أزمة كورونا عبر نصب مستشفى مصرى هناك والذى أصبح مقصدا لدى كل اللبنانيين لتلقى العلاج، وأصدقائى فى لبنان أكدوا لى بشكل شخصى أنه رغم وجود دعم من الولايات المتحدة ودول أخرى إلا أن عشقهم لمصر دفعهم للتوجه إلى المستشفى المصرى وتلقى الإجراءات العلاجية من الأطقم الطبية المصرية التى سافرت حينها إلى لبنان، هذا بخلاف الأدوية والتطعيمات المصرية التى أرسلتها القاهرة، أيضا ساهمت مصر فى إصلاح البنية التحتية اللبنانية التى ضربت من قبل العدو الإسرائيلي، وفعليا دعم القاهرة لبيروت لم يتوقف طوال منذ تولى الرئيس السيسى وحتى هذه اللحظة، إيمانا بدور مصر تجاه عروبتها وقضايا المنطقة، ولبنان كانت من أكثر الدول التى تواصلت معها مصر منذ بدء أزمة غزة، فرأينا اتصالات متبادلة بين قادة البلدين على كافة الأصعدة والمستويات، والرئيس ميقاتى زار القاهرة عدة مرات، ويمكن القول إن مصر تدعم لبنان دائما، ليس فقط سياسيا بل إنسانيا أيضا.. ويؤكد ذلك الموقف المصرى الصادق فى دعمه للرئيس اللبنانى الجديد.

 

كما يؤكد رفعت أن حزب الله سيحاول بناء نفسه بكل تأكيد، لأنه ليس حزبا سياسيا كباقى الأحزاب، بل هو جزء ومكون رئيس فى تكوين لبنان والحياة السياسية والاجتماعية اللبنانية، بل والمالية والمصرفية أيضا، وبالتالى حزب الله هو تعبير حقيقى لشيء موجود على الأرض، فإذا لم يكن تعبيرا عن المقاومة فهو تعبير عن قطاع كبير من الشعب اللبناني، ولذلك لابد من عودته بشكل أو بآخر، لأن الطائفية موجودة بالفعل، فاللبنانيون يتكونون من 18 طائفة وهى طوائف أقرها اللبنانيون دستوريا وأقرها اتفاق الطائف عام 1989 وكل ما يتم فى لبنان يتم على أساس هذا التنوع الطائفي، بما فى ذلك الانتخابات، وكل الطوائف لها حصص فى البرلمان، حتى المرجعيات الدينية متنوعة، فالسنة على سبيل المثال لهم مفتي، وللشيعة مرجعية دينية أخرى، والشيعة أنفسهم منقسمون بين حزب الله وغيره، هذا بخلاف التنوع المسيحى بين كاثوليك وأرمن وأرثوذوكس وكلدانيين، وهناك الدروز، هذا بالإضافة إلى فئات وأحزاب أخرى مرجعيتها ليست دينية بل سياسية أو علمانية، كالناصريين والحزب القومى الاجتماعى هذا بخلاف العائلات الكبرى كعائلة معوض وعائلة عون وفرنجية وجنبلاط، لكل هؤلاء حصص فى البرلمان والحكومة، هذه الطائفية ستظل منعكسة على التكوين السياسى اللبنانى وبالتالى فحزب الله سيكون موجودا بشكل ما.

 

ويشير رفعت إلى أن الخروج الإيرانى من لبنان فتح شهية بعض الدول العربية ومنهم الخصم اللدود لإيران فى المنطقة وهو المملكة العربية السعودية، ورأينا الرئيس الجديد يتحدث عن أن أول بلد سيقوم بزيارته هو المملكة العربية السعودية، ولا ننسى أن سعد الحريرى هو دائما المرشح الأول والمفضل لدى السعودية، الرئيس ميقاتى الذى عبر بلبنان مرحلة صعبة يستحق أن يُكمل مشواره خاصة وأنه على علاقات جيدة هو الآخر بالسعودية والإمارات ومصر وعليه توافق دولى كبير.

 

ويضيف أن الموقف اللبنانى صعب ولا توجد أولوية محددة لأن كل شيء يحتاج لإعادة بناء، فحجم الدمار أكبر مما نتصور أو نتخيل، ولا ننسى أن البنية التحتية متهالكة من الأساس، بالإضافة إلى تحدى استعادة الأوضاع الأمنية والسيطرة على الحدود مرة أخرى، بخلاف تحدى الحدود مع سوريا فى ظل وجود تيار سورى يرى أن لبنان جزء من سوريا، بالإضافة إلى تحدٍّ آخر يتمثل فى السيطرة على الجنوب وإدارة الصراع مع إسرائيل التى لا تتوقف عن مخالفاتها للقرارات الأممية ووقف إطلاق النار، بمجمل 363 خرقا إسرائيليا حتى الأسبوع الماضى فى مدة لا تتجاوز شهرا ونصف الشهر، هذا بخلاف عشرات الآلاف من الاختراقات السابقة، فأحد المواقع العالمية تحدث عن 22 ألف اختراق جوى من قبل الطيران والمسيرات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية، لذا من وجهة نظرى العدو الإسرائيلى هو التحدى الأكبر وله الأولية، فهو عداء لا يعترف بسلام ولا اتفاقيات، لذا لا بد من المواجهة مع إسرائيل والتصدى لها حتى لو كان تصديا سياسيا وليس عسكريا.