رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مصر «تُعمر» ما أفسدته الحروب والصراعات


1-2-2025 | 07:57

مصر تُعمر ما أفسدته الحروب والصراعات

طباعة
غزة

«الإعمار.. صناعة مصرية».. حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها، فـ«القاهرة» تمتلك إرثًا تاريخيًا فى ملف «إعادة الإعمار» سواء فى فلسطين، أو العراق ولبنان أو ليبيا، ودائمًا تكون «الخبرات المصرية» حاضرةً على «طاولة المناقشات» فى جلسات بحث «إعادة الإعمار»، وهو دور لم تطلبه مصر بقدر ما اكتسبته بمرور السنوات، لا سيما وأنها تلعب دورًا محوريًا فى تعزيز الاستقرار والتنمية فى الدول العربية، ومع نجاح مصر فى الوصول إلى اتفاق «وقف إطلاق النار» فى قطاع غزة، بدأ الحديث عن خطة «اليوم التالى»، وهى الخطة التى ترى مصر أنها يجب أن تسير فى «طريق الإعمار» وليس «التقسيم أو التهجير» وفقًا لرغبات إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وأحلام وطموحات حكومة بنيامين نتنياهو.

حول المسيرة التاريخية لمصر فى ملف «إعادة الإعمار»، تحدث السفير على الحفنى، نائب وزير الخارجية الأسبق، وقال إن «دعم الدولة المصرية للدول العربية والإقليمية هو عبارة عن تاريخ طويل من التعاون والتماسك، حيث تُعتبر مصر واحدةً من أكثر الدول العربية تأثيرًا فى المنطقة، وتحتل مكانةً محوريةً فى التعاون العربي، ومنذ الاستقلال، لعبت مصر دورًا مهمًا فى دعم الدول العربية وتعزيز التضامن بينها، وبدأ الدعم المصرى للدول العربية فى خمسينيات القرن الماضي، عندما قدمت الدعم للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، كما لعبت دورًا رئيسيًا فى تأسيس الجامعة العربية فى عام 1945».

 

وأضاف «الحفنى»، أن «مصر تدعم العديد من القضايا العربية، بما فى ذلك القضية الفلسطينية، كما تدعم جهود السلام فى اليمن وليبيا، وتعمل على تعزيز الاستقرار فى المنطقة، هذا فضلًا عن دعمها الجهود الاقتصادية فى الدول العربية، من خلال تقديم المساعدات الاقتصادية والاستثمارية، كما تشارك فى العديد من المشروعات الاقتصادية المشتركة مع الدول العربية»، لافتًا إلى أن «دعم الدولة المصرية للدول العربية يأتى فى إطار التضامن العربى وتعزيز الاستقرار فى المنطقة، ولهذا تُعتبر مصر شريكًا مهمًا فى التعاون العربي، وتستمر فى لعب دور مهم فى دعم القضايا العربية».

 

وفيما يتعلق بالدعم المصرى للقضية الفلسطينية، قال «الحفنى»: منذ اللحظة الأولى للقضية الفلسطينية فى أربعينيات القرن الماضى وتلعب الدولة المصرية دورًا أساسيًا فى ما يتعلق بمجمل الوضع فى المنطقة والصراع العربى الإسرائيلي، وبصفة خاصة قضية الشعب الفلسطينى وهو دور ممتد على مر العقود الماضية، والحرب الأخيرة التى شنها الجيش الإسرائيلى على قطاع غزة أدت إلى وضع غير مسبوق ليس فقط فى تاريخ القضية الفلسطينية ولكن أيضًا على مستوى الصراعات الدولية، فلم يشهد المجتمع الدولى هذا المستوى من التردى فى تناول أى قضية دولية مثلما حدث فى إطار حرب الإبادة التى خاضها جيش الدفاع الإسرائيلى على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 والتى شهدت العديد من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية تتمثل فى عمليات تعطيش وتجويع وضغط لترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم إلى مناطق أخرى اتصالًا بمخطط إسرائيل فى تنفيذ فكرة تسيطر عليها عقائد القادة بشأن إسرائيل الكبرى أو أرض الأحلام التى لم ترَ النور يومًا ما».

 

وشدد نائب وزير الخارجية الأسبق، على ضرورة تضافر الجهود الدولية بشكل سريع وقوى من أجل المشاركة الفاعلة فى عملية إعادة الإعمار وإعادة الحياة إلى داخل قطاع غزة، مضيفًا أن «الدولة المصرية تستعد أن تستقبل خلال الفترة المقبلة العديد من الحالات المرضية من الشعب الفلسطينى والتى تعانى من تدهور حال القطاع الطبى داخل فلسطين نتيجة لأعمال القذف الجوى العشوائى الذى مارسته طائرات الجيش الإسرائيلى منذ أكتوبر 2023».

كما لفت «الحفنى»، إلى ضرورة التزام كافة الأطراف بكافة البنود المتفق عليها ضمن اتفاقية وقف إطلاق النار التى نحن بصدد تنفيذ المرحلة الثانية منها والتى تُعتبر أحد مساعى مجموعة العمل المشكلة من الدول الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأوضاع فى قطاع غزة عقب هجمات المقاومة الفلسطينية فى السابع من أكتوبر وهى تؤكد على أنها ستقف بكل حزم وشدة ضد كافة المخططات التى تهدف لتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى دائمًا فى مختلف الأوساط الإقليمية والدولية، هذا فضلًا عن أن مساعى الدولة المصرية نجحت فى الوصول إلى قرار بوقف إطلاق النار مع العمل حاليًا إلى جعل وقف إطلاق النيران دائمًا داخل القطاع.

 

بشأن تصريحات ترامب، حول «إعمار غزة»، عقَّب «الحفنى»: قائلًا: أفكار الرئيس الأمريكى المعاد انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية تجاه القطاع غير واضحة حاليًا، كما أن هذا التصريح لا يمكن أن نستشف منه آلية إعادة التعمير التى يطمح إليها «ترامب»، إلا أنه لا يوجد شك فى أن قضية إعادة التعمير تحتاج إلى دعم المجتمع الدولى كله، وسوف يستغرق سنوات طويلة مع ارتباطه بتغيير جذرى فى البنية التحتية بما يتفق وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، مع استثمار الثروات المتاحة بالقطاع وتأهيله لدخول خط التجارة الدولية عبر موانئ أو مطارات، مع ضرورة التوسع فى إنشاء مناطق صناعية وزراعية من أجل الاستفادة من طاقات الشعب الفلسطينى الطموح داخل قطاع غزة، ونأمل أن يكون التصور الأمريكى متسق مع تطلعاتنا للشعب الفلسطينى.

«الحفنى»، أوضح أن «شعوب المنطقة العربية، وعلى رأسها فلسطين، يجب أن تطلع لتحقيق تنمية مستدامة نتمكن من خلالها من تحقيق رفع مستوى معيشى لشعوبها بما يمكنهم من مواجهة موجات التضخم العالمية والتى نتجت عن جائحة كورونا وآثار الحرب الروسية الأوكرانية، كما أن التنمية تُعتبر هى السبيل الوحيد لدول المنطقة للوقوف أمام كافة المخططات التوسعية التى تسعى إليها بعض القوى الإقليمية».

 

السفير محمدالشاذلى، مساعد وزير الخارجية الأسبق أكد أن «مصر قد لعبت دورًا مهمًا فى دعم جهود إعادة الإعمار فى ليبيا من خلال المساعدات الاقتصادية التى قدمتها، بما فى ذلك توفير المواد الغذائية والطبية، بجانب أنها قدمت برامج تدريبية وتعليمية لليبيين فى مختلف المجالات، فضلًا عن مشاركة مصر فى إعادة إعمار البنية التحتية فى ليبيا، بما فى ذلك مشاريع الطرق والجسور والمطارات، وكذا دعت مصر الشركات المصرية إلى الاستثمار فى ليبيا، مما سيساهم فى تعزيز التنمية الاقتصادية فى البلاد بجانب قيام مصر بالتعاون مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي، لتعزيز جهود إعادة الإعمار فى ليبيا».

 

وأوضح «الشاذلى»، أنه «مع تصاعد الحديث عن عملية إعادة الإعمار فى قطاع غزة يجب أن ينصب التركيز على عدم تكرار ما حدث مرة أخرى من العنف الإسرائيلى ضد الفلسطينيين والذى لم يسبق حدوثه من قبل»، لافتًا إلى أن «عملية إعادة الإعمار لن تشهد مشاكل فى توفير أطراف للمشاركة فيها، خاصة أن الدول ذات الضمير الحى وهى كثيرة مثل الدولة المصرية ستهرع من أجل المشاركة فى إعادة الإعمار، بجانب مشاركة عدة أطراف أخرى تسعى لتحقيق مكاسب سياسية ودعائية».

 

وفى ذات السياق أشار السفير جمال بيومى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن «مصر طوال تاريخها وهى تقدم كافة سبل الدعم للدول العربية والدول الإسلامية وكذا الدول الإفريقية، ولم يذكر التاريخ أن مصر ترددت يومًا فى تقديم المساندة لكافة الدول، وذلك من قبيل التضامن الدولى والأخلاق الإنسانية الشريفة، وكذا من جانب الالتزام المصرى تجاه أشقائها العرب، خاصة أن هناك حوالى 5 دول عربية تُعد من بين الدول الأكثر فقرًا، لذلك تقوم مصر بواجبها تجاه تلك الدول».

 

ولفت «بيومى»، إلى أن «الدعم المصرى لا يقتصر على كونه دعمًا ماديًا أو مواد غذائية ولكن يختلف شكل الدعم المصرى الذى تقدمه ما بين تقديم خدمات تعليمية وتربوية لأبناء شعوب تلك الدول، وتُعتبر مصر من كبرى الدول على مستوى العالم التى تستضيف بعثات طلابية بمختلف مراحل التعليم وخاصة التعليم الجامعي. ولا سيما الأزهر الشريف»، مشيرًا إلى أن «الدعم المصرى لدول إفريقيا يتمثل فى تقديم الخبرات اللازمة من خلال الصندوق المصرى للتعاون الفنى فى إفريقيا الذى تغير مسماه إلى الوكالة المصرية للتنمية والذى يقوم بإيفاد مدرسين وأطباء مصريين إلى الدول الإفريقية والعربية، وتُعتبر الجزائر من أكبر الدول التى تضم بعثات من المدرسين المصريين الذين يقدمون خدمات تعليمية وتربوية لأبناء الشعب الجزائرى».

 

«بيومى»، أوضح أن «مشاركة مصر فى أعمال إعادة الإعمار فى العديد من دول المنطقة وعلى رأسها العراق وسوريا وليبيا وفلسطين تأتى من منطلق دور مصر الداعم تجاه تلك الدول العربية الشقيقة، خاصة فى ظل ما تعرضت له تلك الدول من أزمات عاصفة أدت إلى تردى الأحوال المعيشية بتلك الدول، وكذا تستفيد مصر أيضًا من تصدير العمالة المصرية للخارج والتى ستشارك فى تلك الأعمال، مما يعمل على تخفيض مؤشر البطالة المصرية، وكذا زيادة تدفق تحويلات المصريين بالخارج والتى تُعتبر أحد مصادر النقد الأجنبى الرئيسية للاقتصاد المصري، كما تسعى تلك الدول للاستفادة من التجربة المصرية فى التحول نحو الجمهورية الجديدة من خلال مشروعاتها القومية فى مختلف القطاعات، وخاصة الطرق والبنية التحتية والإسكان والزراعة من خلال استقدام شركات مصرية رائدة فى تلك الأعمال مثل المقاولون العرب التى تغطى مشروعاتها العديد من الدول الإفريقية وكذا الدول العربية فيما يُعرف باسم تجارة الخدمات».

 

الدكتور محمد عزالعرب، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قال: برزت مصر كأحد الفاعلين مع دول أخرى لتولى فى تنفيذ ما يتعلق بإعادة الإعمار لاعتبارات فنية وسياسية ولوجستية، ترتبط بقوى عاملة مؤهلة وشركات مدربة وخبرات سابقة، وقرب المسافة الجغرافية، وتقديم أسعار منخفضة عن الشركات العالمية، بخلاف القبول الدولى والإقليمى لتوليها هذا الأمر الذى يستند إلى المصالح الحيوية والعقلانية السياسية ودواعى الأمن القومي، رغم العديد من المعوقات التى قد تُهدد مسار عملية إعادة الإعمار لأنها مرتبطة بالأساس بحرب عسكرية وقضية سياسية مستمرة منذ عقود لم يتمّ حسمها بعد، بخلاف التوازنات الإقليمية والدولية وحتى داخل القطاع ذاته.

 

وأكمل «عزالعرب»، حديثه بالإشارة إلى الدور المصرى فى إعمار سوريا، موضحًا أنه «فيما يتعلق بإعادة إعمار سوريا شاركت مصر فى مارس 2023، فى مؤتمر المانحين الدولى المنعقد فى بروكسل، تحت عنوان: «معًا من أجل الشعبين التركى والسوري»، عقب تعرض البلدين لزلزال مدمر فى 6 فبراير 2023، وأكدت مصر أنها تُولِى أهمية كبيرةً لتسريع عملية إعادة الإعمار فى سوريا وتركيا، لكن فعليًا لم تبدأ مشروعات فى سوريا لاعتبارات سياسية سواء فى سوريا أو دولية نتيجة العقوبات والحظر المفروض على سوريا.

 

كما أشار «عزالعرب» إلى مشاركة مصر فى عمليات إعادة إعمار لبنان فى بعض المشروعات الاستراتيجية وعلى نفقتها عقب حرب 2006، مثل تنفيذها جميع الأعمال الكهربائية اللازمة لإعادة التيار إلى الشبكة الكهربائية بالأماكن المتضررة بلبنان جراء القصف الإسرائيلي، ومع انفجار مرفأ بيروت فى أغسطس 2020، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، فى «المؤتمر الدولى لدعم لبنان»، استعداد مصر التام لتسخير إمكاناتها لمساعدة لبنان فى جهود إعادة إعمار المناطق المتضررة، حيث تُقدر تكلفة إعادة الإعمار فى لبنان بقيمة 30 مليار دولار لإعادة البناء وحل المشاكل الاقتصادية التى لديها، وسبق ورصد البنك الدولى بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة 2.5 مليار دولار كجزء من إعادة إعمار لبنان.

 

«عزالعرب»، أكد أن مصر تمتلك مؤهلات وأدوات متنوعة تدعم دورها فى إعادة الإعمار، خاصة فى الدول العربية منها توفّر العمالة الماهرة، فتتميز مصر بتوفر العمالة الماهرة لديها وقله تكلفتها فى مجالات البناء والتشييد مما يمنحها ميزة نسبية مقارنة بدول أخرى، ويُساهم ذلك فى خفض تكلفة عمليات إعادة الإعمار، حيث تحتاج مثل هذه المشروعات لعمالة كثيفة، مما يرفع حجم عمليات التكلفة إلى جانب الوقت اللازم لإنجازها، حيث إنها تتطلب مدى زمنيًا قصيرًا من أجل احتواء وتسكين وتقديم الخدمات الأساسية والحيوية لسكان المناطق المتضررة، سواء نتيجة لحرب خارجية أو صراعات داخلية، وتمتلك مصر خبرات فنية متقدمة وكبيرة فى مجالات البنية التحتية والتشييد والبناء مقارنة بدول المنطقة مما يساعد فى تحسين فرصها، خاصة أنها لا تعتمد على الخبرات الأجنبية فى العديد من مشروعات البنية التحتية، مثل الكهرباء والمياه والإسكان والصرف الصحى والجسور والطرق، وعزّز هذه الخبرات تاريخ مصر الممتد نسبيًا ببقية دول المنطقة فى البناء الحديث مقارنة بدول المنطقة مما أوجد كفاءات بشرية قادرة على تنفيذ هذه المشروعات، هذا بجانب توافر كوادر بشرية مدربة ومتعلمة فى كليات ومعاهد متخصصة موجودة منذ عقود.