اتفق الصحفى فوميل لبيب مدير التحرير مع أم كلثوم على أن تروى لـ«المصور» ذكرياتها.. وتم الاتفاق على أن تكون المذكرات خواطر عن الحياة وليست سيرة تجرى بها الأحداث من مهد إلى مجد إلى لحد.. وكان اللقاء بينهم فى فندق شيراتون، حيث أدلت إليه سيدة الطرب أم كلثوم بهذه الخواطر عن الشعر والشعراء فى حياتها.. وقد بقيت هذه الحلقة فى أوراقه تنتظر حلقات أخريات، ولكن المرض داهم قيثارة السماء فطلبت أن أمهلها حتى يكتمل لها الشفاء، وطارت إلى أوربا، وعادت إلى النيل، وأخفت ما بها لأنها تحب الحياة، وكلما كان يسعى إليها تقول أعطنى مهلة أخرى، حتى نقدم للجمهور ما يليق.
فقد كانت أم كلثوم تحرص على المستوى فى كل شىء، فى كلمة الأغنية، فى لحن تصدح به، فى رسالة بر تنجزها، فى مشروع وطنى تتبناه، واشتد عليها المرض فجر الأربعاء الأسبق فغابت عن الوجود فى أطول وصلة عذاب، وظلت على حافة الموت والملايين يبكونها وهى لا تحس لأنها فى ملحمة الألم الصامت من الداء العضال.
وبعد ظهر الاثنين تسلل الموت إلى غرفتها فى مستشفى المعادى واسترد أغلى وديعة، فسكتت عن الغناء أروع حنجرة فى القرن العشرين، وكفت عن الترتيل سيدته التى لا تبارى ولا تتطاول إليها منشدة أو صادحة أو حتى عشر منهن مجتمعات، تذهب إلى الجنة بما أسعدت من ملايين البشر، وتطير إلى الفردوس بما قدمت لجيلين فيهما مائتا مليون عربى، إن قيثارة السماء التى تدور عليها الكأس تترك لنا صوتها فى 700 أغنية.. تبقى بها خلودا حتى آخر الزمان، وتخلد بها فى قلوب العشاق ما بقى على الأرض حب وأشواق .. فأم كلثوم هى الحب.. والحب لا يموت.
وهذا هو آخر أحاديثها الطلية .. شاهده المهندس محمد الدسوقى إبراهيم ابن شقيقتها الذى كان معنا، والذى كانت تؤثره بحب كبير.
قالت السيدة أم كلثوم:
أعتقد أن أهم ما يمكن أن يكتب عنى بعد موتى أننى نقلت الجمهور من الإسفاف الغنائى الذى كان يعيشه.. من أغانى «ارخى الستارة اللى فى ريحنا .. أحسن جيرانا تجرحنا» .. إلى مستوى «إن حالى فى هواها عجب» أو «الحب تفضحه عيونه» أو «رباعيات الخيام» وقد كان إصرارى على خوض هذه المعركة أننى وأنا وافدة على القاهرة من ريف المنصورة غنيت مرة للجمهور قصيدة «سبحان من أرسله.. رحمة لكل من يسمع» فصفر الجمهور وراح يصيح «عاوزين هات القزازة واقعد لاعبنى»! وليلتها لم أغضب من الجمهور.. فإنه يعتاد ما يقدم إليه، وفكرت فى أن نعوده على أشياء أخرى..
واستطردت تقول:
وكنت قد بدأت رحلتى مع الشعر والأدب وأنا فى طماى الزهايرة، فقد وقع فى يدى فى تلك الأثناء كتاب «النظرات والعبرات» للمرحوم مصطفى لطفى المنفلوطى .. فتذوقت عباراته.. تذوقت قبله طبعا آيات القرآن الذى حفظته قبل أن أبلغ العاشرة من عمرى، وإليه أعزو الفضل فى أننى تعلمت مخارج الألفاظ، وفهم المعانى، بل إن إنشاد القرآن هو أول ما جعلنى أتعلق بالغناء وأتعلم كيف يتموج الصوت.. وكيف أصعد به على طبقات؟.
وقالت:
والواقع أن الذى نقلنى إلى حب الشعر وتذوقه هو أحمد رامى.. فقد التقيت به حوالى عام 1922، جاء به صديق له يدعى محمد فاضل.. كان قد دعاه ليستمع إلى إحدى حفلاتى التى كنت أقدمها فى الأزبكية، وكان عائدا لتوه من باريس بعد أن أتم دراسته، ولكى أحييه غنيت له قصيدة «الصب تفضحه عيونه».. ولم يتح لنا أن نلتقى على الفور بعد ذلك لأننى سافرت إلى مصيف رأس البر، فلما عدت اتصلت به، وقلت له إن الجمهور يجب أن ينتقل من الأغانى المسفة التى يسمعها إلى القصائد والشعر العظيم على مراحل.. فقال رامى: ولكنى أعددت لك قصيدة «إن حالى فى هواها عجب».. فقلت : «تبدو فى كلماتها السهولة.. سوف أغنيها، ولكنى أفضل أن نستعمل فى كلمات الأغانى ما هو سهل.. ومتداول، ما يمكن أن يفهمه الناس دون عناء..» فقال باحتجاج : «هذا هو الذى يسمعه الناس الآن».. فقلت : «أنا أريد خطوة أبعد، خطوة أوسع.. أريد لغة مثل لغة الصحف، يفهمها كل الناس.. فلا هى إسفاف، ولاهى ألغاز».
موسيقى الشعر
وقالت أم كلثوم:
- وقدم لى رامى أغنيات أنت فاكرانى.. ناسيانى.. وإن كنت أسامح وأنسى الأسية.. ثم داف من هذه الطقاطيق إلى معلقاته الغنائية سهران لوحدى، غلبت أصالح، جددت حبك ليه، يا ظالمنى، ياللى كان يشجيك أنينى، هلت ليالى القمر، واستطاعت هذه الأغانى بألفاظها السهلة أن تأخذ الجمهور بعيدا عن أغانى الإسفاف التى سادت زمنا.. ولكن يبقى لرامى فضل آخر هو أنه الذى جعلنى أتعلق بالشعر، فقد كان يعمل فى دار الكتب، وكان يحضر لى دواوين الشعر فأقرأ.. أقرأ بصوت عالٍ فأسمع موسيقى الشعر، وأناقشه فى المعانى فيضيف إلى ما فهمت، وأحس أننى أغوص إلى أعماق جديدة فى بحور الشعر.. وكنت أهتز طربا وأنا أنشد.
ولما نزلنا منه لاطله الندى
أنيقا وفستانا من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه منى
فتمنينا فكنت الأمانيا
وعلى يدى رامى قرأت الأغانى فى أحد عشر جزءا، وقرأت كليلة ودمنة، وقرأت كل الشعراء القدامى حتى تمنيت يوما أن أكون شاعرة، وأحس رامى بهذا وكان يقول لى «لا عليك إن لم تكونى شاعرة.. إن تذوق الشعر وحده موهبة».. ولعل هذا التذوق، وحفظ ألوف الأبيات الشعرية من قديم وحديث هو الذى أعاننى بعد ذلك على أن أختار من قصيدة فيها مائتا بيت ثلاثين بيتا أغنيها فلا يحس المستمع إننى قفزت من بيت إلى بيت فتركت عشرة أبيات أو عشرين بيتا، بل لعل هذه الرحلة مع الشعر هى التى مكنتنى من أن أضع كلمة مكان كلمة فى قصائد كثيرة، أو أغنيات كثيرة، فلا يحتج أصحابها لأنهم لا يحسون إننى قصمت ظهر بيت.. أو غيرت المعنى.
ثم قالت:
وإذا كان الشعر موسيقى.. وقد غاص فى أعماقى من هذه الموسيقى الكثير فإننى أؤكد أن تصرفى فى اللحن كلما أعدت غناءه مرجعه إلى هذه الأعماق الزاخرة بموسيقى الشعر التى لا تفترق فى شىء عن موسيقى الآلة الموسيقية، ولو راجعت أغنية طويلة غنيتها خمس مرات فى خمس حفلات فإنك لن تجد كل مرة مثل الأخرى، لأننى لست أسطوانة تدور، بل إنسانة تنفعل بما تقول.
وقالت سيدة الطرب:
وأحمد رامى هو من جعل للأغنية بداية ونهاية، جعل لها وحدة تشبه وحدة القصة المكتوبة يشوقك السطر الأول فيها إلى السطر الأخير، وهذه المدرسة، الراقية، قلدها عشرات بعده فما غضب، بل وتعاونت مع عشرات غيره فما احتج، وظل ينفعل لى فيضع أغنياته التى تتفوق دائما فى رقتها، والتى تعرفها من أول شطرة فى أول بيت منها.. ولما رحنا ننتقى من رباعيات الخيام بدا حائرا، فالشاعر يحس أن من يحذف من قصيدته بيتا يقطع من لحمه شريحة، ولهذا نحيته عن المهمة الصعبة، وقمت أنا بالاختيار.. فارتاح إلى النتيجة، ولعل رباعيات الخيام من أحلى ما غنيت على الإطلاق..
ثم قالت:
- وقد استطاع أحمد رامى أن يضع بالكلام السهل الممتنع صورا أخاذة ومعانى رائعة.
هل سمعت:
من كتر شوقى سبقت عمرى
وشفت بكرة والوقت بدرى
وهل سمعت:
فضلت أعيش بقلوب الناس
وكل عاشق قلبى معاه
شربوا الهوى وسابوا لى الكأس
من غير نديم أشرب وياه
سلو الكئوس
وانتقلنا إلى أمير الشعراء أحمد شوقى .. فقالت سيدة الطرب:
التقيت به فى أواخر أيامه.. وكانت أول مرة رأيته فيها فى محل سولت، فى شارع فؤاد القديم بجانب شيكوريل، وكان معه محمود فهمى النقراشى باشا والدكتور محجوب ثابت، وقد دعانى إلى الغناء فى الفيللا التى كان يسكنها على النيل حاملة اسم «كرمة ابن هانىء» فذهبت مع أبى وأخى، وغنيت ليلتها كما لم أغن من قبل، ورأيته يتمايل طرباً.. ولكنه يقطع النشوة التى هو فيها فيختفى لدقائق ثم يعود إلينا ساهما.. ولم أكن أدرى لماذا يختفى. أبى همس فى أذنى إنه إلهام الشعر يجيئه فيقوم ليدون شيئا ثم يعود، وفى صباح اليوم التالى جاءنى من يقول «ألحقى يا ست .. شوقى بك أمام الباب الخارجى» فهرولت لأجده، كان وجهه مضيئا بابتسامة طيبة، وقد دفع إلى بمظروف وهو يقول : «هذه هدية متواضعة تعبر عن إعجابى».. وترددت، فقد ظننت المظروف ينطوى على أجر لى.. ولكنه قاوم ترددى حين قال : «لم أتكلف فى الهدية شيئا .. إنها من وحيك».
واستطردت أم كلثوم قائلة:
وفضضت المظروف لأجد قصيدة:
سلو كئوس الطلا
هل لامست فاها
واستخبروا الراح
هل مست ثناياها
ولكنى لم أغن الأغنية فى حياته، غنيتها بعد موته، وغنيت له بعد موته عديدا من قصائده من سلوا قلبى إلى نهج البردة، وكنت أقتنى دواوينه، وأضعها بجانب فراشى قائلة إن ثروة مثل هذه يجب أن تكون دائما فى متناول يدى، وكانت قصائد شوقى آخر ما يحتضن عقلى وعينى قبل النوم، وكنت لا أكاد أسمع عن أوبريت مما كتب يمثل فى مسرح الأوبرا حتى أذهب إليه غير مرة، ولست أنسى على وجه الخصوص مجنون ليلى، وانطونيو وكيلوباترا، وقد رأيت فى أدوار البطولة الفنانة العظيمة فاطمة رشدى.. والفنانة القديرة أمينة رزق.
وقالت سيدة الطرب:
- سئلت مرة «لكل شاعر فى قصيدته بيت قصيد.. فهل تستطيعين استخراج بيت القصيد؟».
فقلت: «لو قرأتم أحمد شوقى لغيرتم رأيكم.. إنه كتب عشرات القصائد، وتجاوز بعض قصائده المائتى بيت.. كل بيت فيها بيت قصيد، إننى متعصبة لشوقى تعصبا لا حد له، لن يجود الزمان بمثله ولا جاد.. فأنا أضعه فى مرتبة تسبق مراتب البحترى ومهيار والشريف الرضى وعمر بن أبى ربيعة، ما أروعه وهو يقول «وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا».. أو وهو يقول فى قصيدة النيل «والأرض تغرقها فيحيا المغرق» أو وهو يضع دستور الأخلاق فى بيت «وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».. ومرة كنا فى بيت شارل حلو رئيس حمهورية لبنان السابق.. وكان التليفزيون ينقل حوارا بين أناس يقارنون بين شوقى ومطران.. فغضبت وقلت لهم «شوقى لا تقارنوه بأحد .. لأن المقارنة فيها ظلم لهذا الأحد» ! وضربت المثل ليلتها بروعة شوقى حين اغترب فى المنفى .. وكان فى الأندلس فأرسل قصيدته:
يا نائح الطلح أشباه عوادينا
نأسى لواديك أم تأسى لوادينا
حتى يقول:
مسكية الذيل لو خلنا غلالتها
قميص يوسف لم نحسب مغالينا
وقالت أم كلثوم:
- وبين ما يقوله شوقى وآذان المستمعين جسر من حب وشغف، فهو الشاعر الجزل السهل، ولكنه أحيانا يقول شعرا رصينا يحتاج فى فهمه إلى جهد، وعندما غنيت قصيدة «ولد الهدى فالكائنات ضياء» كنت مترددة لأنها صعبة، ولكنى غنيتها لأنها أخذتنى بمعانيها الصوفية العميقة، وذات ليلة كنت فى الإسكندرية.. وذهبت إلى كازينو الشاطبى ذات مساء.. هناك تتناثر الملاهى التى تقدم الفنون المختلفة، وبلغ مسمعى من ميكروفون مرتفع الصوت.. صوت مطربة تغنى «أبا الزهراء قد جاوزت قدرى» وليلتها أحسست بسعادة لا توصف لأن معنى ما سمعت أن شوقى أثير عند الناس فى كل ما يقول..
دين لشاعر النيل
وقالت سيدة الطرب عن حافظ إبراهيم:
مرة طلبوا إلى أغنية وطنية، وقالوا لى كلفى من تشائين من شعراء الأغانى لينظم قصيدة فى أسرع وقت.. تغنينها فى أقرب فرصة، فلما عدت إلى البيت تذكرت أننى أحفظ لشاعر النيل حافظ إبراهيم قصائد رائعة، وعكفت على ديوانه، وانتقيت قصيدة من ديوانه، ورحت أختار أبياتا تغنى من بين أبياتها العديدة.. وقبل أن أنام فى الرابعة فجرا.. كنت أدندن قبل اللحن ببيته الرائع:
أنا إن قدر الإله مماتى
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى
وعندما وقفت لأغنى القصيدة أحسست أننى وفيت دينا فى عنقى لشاعر لم أره، ولكن كان من حقه على أن أحمل رائعة من روائعه إلى الجماهير العربية.
ثم قالت :
- ومن شعراء القصيدة الواحدة فى حياتى المرحوم على الجارم الذى كان كبير مفتشى اللغة العربية، وكان لشعره فحولة الشعراء القدامى، وقد كان الدكتور المرحوم صبرى النجريدى عاشقا للموسيقى وقد انتقى لى من قصائد الجارم قصيدة «مالى فتنت بلحظك الفتاك».. ولحنها لى .. ولا أنسى لهذه القصيدة أنها كانت أول أسطوانة سجلتها عام 1926. ولست أنسى الشاعر الدكتور إبراهيم ناجى فهو أيضا من شعراء القصيدة الواحدة فى حياتى، وقد رأيته حين كان يزور نقابة الموسيقيين، وكان يبدو بائسا يائسا محطما، يجلس إلى الموسيقيين فتحس أنه يطوى صدره على قصة حب بلا أمل .. ولم نتحدث فى الشعر مرة واحدة، ولكنى كنت أحس من منظره أنه على رقة فى المشاعر لابد أن تأتى ثمارا طيبة إن خاض بها إلى ميدان فنى.. موسيقى.. أو شعر .. وقرأت له ديوانه بعد أن مات، ووقفت عند الأطلال، وهل رأى الحب سكارى مثلنا.. ودفعت بالقصيدة إلى رياض السنباطى الذى قال: «ستكون الأطلال حدثا فنيا.. لا نظير له» ولعل الذى يميز ناجى صدق إحساسه.. إن صدق الإحساس هو شرط النجاح فى أى عمل فنى.
شعر بلا قافية
وتحدثنا عن بيرم التونسى.. فقالت ست الكل:
- هذا الذى قال عنه أحمد شوقى «إننى أخاف على الفصحى من بيرم» فبيرم يكتب فى أى موضوع، وبديهته حاضرة حتى لتتصور أنه يرسل شعره كلاما كالقول والضحك، وكان موسوعة من شعر قديم وحديث، وكان صوفيا ولعل هذه الصوفية ينبوع إلهامة، غنيت له الآهات والأمل، وأنا فى انتظارك قضيت.. وهو صحيح الهوى غلاب.. والقلب يعشق كل جميل.. وكل قصائده فيما عدا الأخيرة لحنها لى المرحوم زكريا أحمد الذى قدم لى بيرم فلما حدثت فجوة بينهما، الأخيرة لحنها رياض السنباطى.. مثلما لحن شمس الأصيل لأن زكريا أحمد اختطفه الموت منا، لو تأملت أبيات شمس الأصيل لعرفت أى شاعر كان بيرم التونسى حين يقول:
شمس الأصيل ذهبت خيوط النخيل يا نيل
تحفة ومتصورة فى صفحتك يا جميل
والناى على الشط غنى والقدود بتميل
وقالت أم كلثوم :
وفضلا عن شاعرية بيرم فقد كان دودة كتب كما يقولون، كان يقرأ فى كل اتجاه، والحقيقة أننى كنت أستفيد من قعداتى معه لأنه موسوعة، وكانت له طباعه التى تدل على الكبرياء والأنفة وكنت أعرفه من أول كلمة يقولها إذا تحدث بالتليفون، وكانت عادته أن يقول كل طلباته فى بضع كلمات ثم ينهى المكالمة قبل أن أجيب بكلمة..
واستطردت سيدة الطرب قائلة:
- كان بيرم يقول دائما إن التليفون اخترعوه لقضاء الحاجة.. وقضاء الحاجة لا يحتاج إلى أكثر من دقيقة كلام.. وكنت أدعوه إلى بيتى لأسمعه وهو يتحدث عن البخلاء، ويروى من نوادرهم ويقول الشعر الذى يهجوهم، ولكنه إذا انتهى من حديثه سكت .. فلا يتكلم إلا إذا «نكشته» مرة أخرى، وكان الذين لا يعرفونه يتصورونه فظا مع إنه رقيق الحاشية، مرة طلب إلى أن أوصله إلى بيته بسيارتى فقلت: يوصلك السائق، فقال بصراجة: بل وأنت معى .. حتى تراك القهوة التى أجلس إليها، والحارة التى أسكن فيها.. وكنت أردد دائما فكاهاته.. فلما أقيمت لى إحدى حفلات التكريم وقف يقول «يا باسطة كل الناس وفاضحانى»!
وقالت ثومة:
- وغنيت لعشرين شاعرا غير هؤلاء: غنيت هذه ليلتى لجورج جرداق اللبنانى ووالبندقية لنزار قبانى السورى، وأغدا ألقاك لآدم السودانى، وثورة الشك لعبدالله الفيصل السعودى، فإننى أحس أننى مطربة كل البلاد العربية.. وخطتى أن أغنى لشاعر من كل بلد.. وغنيت لكل شعراء مصر تقريبا، غنيت لصالح جودت ثلاثيته المقدسة، وصالح فيه ريح من ناجى، فضلا عن أنه رفيق رامى، وغنيت لمأمون الشناوى وعبدالفتاح مصطفى وعبدالوهاب محمد ومرسى جميل عزيز.
وسألت سيدت الطرب:
- ما رأيك فى الشعر الذى بلا قافية ؟..
فقالت ضاحكة :
- يبقى «بلا قافية» مش شعر!